لم تقتصر الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 29/9/2000، على قتل المدنيين الفلسطينيين، وقصف الأحياء المدنية براً وبحراً وجواً، وفرض عقوبات جماعية وحصار شامل على الشعب الفلسطيني. بل طالت كافة مناحي الحياة الفلسطينية، وبهذا الصدد فقد عمدت إلى سياسة تجريف الأراضي الزراعية وهدم منازل وممتلكات المواطنين الفلسطينيين في المناطق التي تخضع لسيطرة قواتها، أو تلك التي تخضع للسيطرة الفلسطينية في قطاع غزة، وبشكل خاص تلك الأراضي التي تقع بالقرب من الطرق الجانبية التي تسلكها قوات الاحتلال والمستوطنين، أو بالقرب من المستوطنات الإسرائيلية والطرق المؤدية إليها، أو الأراضي التي تقع في المناطق الحدودية، أو تلك التي تقع بالقرب من المواقع العسكرية لقوات الاحتلال.
هذا هو التقرير السادس الذي يصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حول أعمال التجريف والهدم في الأراضي الزراعية والمنازل السكنية والممتلكات المدنية في قطاع غزة منذ بدء انتفاضة الأقصى. ويغطي التقرير فترة عام منذ بداية الانتفاضة في 29/9/2000 حتى 28/9/2001.[1]
بلغ مجموع الأراضي التي تم تجريفها في قطاع غزة خلال الفترة من 29/9/2000- 28/9/2001،[2] حوالي 13576 دونم من الأراضي، بينها 11372 دونم، (84.3%) من الأراضي الزراعية، وحوالي 2134 دونم (15.7%) من الأراضي الحرجية والرملية. ولا تشمل هذه الأرقام مساحات المنازل والمنشآت المدنية والزراعية التي تقع خارج تلك الأراضي والتي تعرضت هي الأخرى للتجريف والهدم. وخلال عمليات التجريف دمرت قوات الاحتلال مئات من آبار المياه ومضخات المياه وشبكات الري والغرف الزراعية التي تستخدم كمخازن للمعدات الزراعية في أراضي المواطنين، ومئات الدفيئات المزروعة بالخضار، علماً بأن الدفيئة الزراعية الواحدة تبلغ مساحتها 1 دونم. فضلاً عن تدمير عشرات مزارع الطيور والحيوانات التي تقع في تلك الأراضي، وعددا من المعدات الزراعية التي تستخدم في زراعة الأرض.
توزيع الأراضي الزراعية التي تم تجريفها حسب كل محافظة:-
المحافظة | المساحة بالألف دونم | النسبة المئوية |
رفح | 2.565 | 18.9% |
خان يونس | 2.889 | 21.3% |
الوسطى | 1.740 | 12.8% |
غزة | 1.978 | 14.5% |
شمال غزة | 4.404 | 32.4% |
الإجمالي | 13.576 | 100% |
ويرافق عمليات التجريف التي تنفذها قوات الاحتلال في كثير من الأحيان أعمال هدم للمنازل السكنية الفلسطينية والممتلكات المدنية الواقعة في تلك الأراضي. خلال الفترة قيد البحث هدمت الجرافات الإسرائيلية 316 منزلا في قطاع غزة هدما كليا، إضافة إلى هدم 33 منزلا هدما جزئياً (تحدد هذه الأرقام عدد المنازل التي تم هدمها كليا أو جزئياً، دون الإشارة إلى عدد الطبقات في المنزل الواحد. وقد يتكون البيت من أكثر من طابق واحد يشمل أكثر من شقة سكنية، ويحتوي على أكثر من عائلة واحدة، لذا ارتأي إبراز هذا التفصيل في الجدول المرفق في التقرير).[3] وشردت عشرات العائلات الفلسطينية. ولا يشمل هذا الرقم عشرات البيوت التي هدمت كلياً أو تضررت جراء القصف الإسرائيلي المتواصل لها منذ بداية الانتفاضة في جميع محاور الاحتكاك في قطاع غزة. كما هدمت خلال ذات الفترة 39 مصنعا وورشة.
سيتطرق التقرير إلى أعمال التجريف والهدم التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الزراعية والمنازل السكنية والمنشآت المدنية، بما فيها الورش والمصانع والمشاريع الاستثمارية، في قطاع غزة في الفترة بين 29/9/2000 حتى 28/9/2001. وسيستعرض التقرير الكيفية التي تتم فيها أعمال التجريف والهدم وأين تتم هذه الأعمال؛ مبررات قوات الاحتلال لاقترافها هذه الأعمال؛ ورأي القانون الدولي الإنساني بهذه الأعمال. وفي نهاية التقرير مرفق ثلاثة جداول: يحتوي الأول منها على قائمة الخسائر التي ألحقتها جرافات الاحتلال بالاراضي الزراعية في قطاع غزة، موزعة حسب المحافظة، خلال الفترة قيد البحث. والثاني، يحتوي على قائمة بالمنازل التي هدمت خلال نفس الفترة. أما الثالث فيضم قائمة بالمصانع والورش الصناعية التي هدمت خلال ذات الفترة.
في معظم الحالات تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي جو من الرعب والهلع في نفوس المواطنين الفلسطينيين أثناء عمليات التجريف والهدم للأراضي الزراعية والمنازل السكنية والممتلكات المدنية. حيث تقوم غالبا باقتحام المنطقة التي تنوي القيام بعملية التجريف أو الهدم فيها تحت جنح الظلام، في ظل تعزيزات عسكرية كبيرة من جنود الاحتلال ومزيد من الدبابات العسكرية والجرافات. وبعد أن تكون قد أحكمت إغلاق المنطقة تماما تبدأ بإطلاق مصابيح الإضاءة، وإطلاق النار في الهواء لخلق جو من الرعب والهلع، ومن ثم تبدأ بالنداء على المواطنين بضرورة إخلاء البيوت خلال دقائق معدودة، للبدء بعملية التجريف والهدم. وتحت ضغط التهديد والخوف على الحياة، يضطر المواطنون إلى القيام من نومهم مفزوعين، يحملون أطفالهم ومرضاهم على عجل تاركين وراءهم ممتلكاتهم وأثاثهم هربا من المكان. وهنا تبدأ الجرافات العسكرية بعملية الهدم حيث تنهي عملها في دقائق معدودة على مرأى من أصحابها الذين لا حول لهم ولا قوة. وقد أفاد أحد المواطنين الذين تم تجريف أراضيهم وهدمت منازلهم بالتالي:
“يوم الأربعاء 8/11/2000، وفي حوالي الساعة 10:00 مساءً، انتشر حول المنزل والأرض التي أملكها قوات معززة من جيش الاحتلال يقدر بثلاث مدرعات و7 جيبات عسكرية وعشرات الجنود، بالإضافة إلى ثلاثة جرافات عسكرية، ودون إعطائي مهلة لإخراج أثاث المنزل أخذت الجرافات بتجريف الأرض المزروعة بأشتال البطاطا والبندورة والخيار وأشجار الزيتون، وتدمير أربعة دفيئات زراعية فضلاً عن تدمير 8 دونمات من أشجار الزيتون، كما هدمت مزرعة دواجن. ودون أن أتمكن من إخراج الأثاث هدموا البيت على ما به من أثاث ثمين.”
وفي كثير من الأحيان، تتم هذه الأعمال العدوانية في وضح النهار، حيث تقتحم جرافات الاحتلال معززة بقوة كبيرة من جنود الاحتلال الأراضي الفلسطينية وتقوم بأعمال التجريف والهدم. وتتركز معظم هذه الأعمال في الأراضي الزراعية الواقعة في المناطق الحدودية. وقد قامت قوات الاحتلال في مناسبات عدة باقتحام أراضي خاضعة للسلطة الفلسطينية بعمق يصل في بعض الأحيان إلى 1 كيلو متر، وممارسة أعمال تجريف وهدم واسعة للأراضي الزراعية والمنازل والممتلكات المدنية، على غرار ما حدث حين توغلت قوات الاحتلال في بعمق في الأراضي الزراعية التي تقع إلى الشرق من بيت حانون، شمال قطاع غزة. وفي بعض الأحيان تقوم قوات الاحتلال باحتلال منازل المواطنين الواقعة في تلك الأراضي القريبة من المستوطنات وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، بحجة حماية أمن المستوطنات أو الطرق الجانبية من عمليات المقاومة، حيث يسيطر جنود الاحتلال في غالب الأحيان على أسطح المنازل أو الطابق العلوي من المنزل، وإبقاء أصحاب المنزل في الطابق السفلي، قيد “الإقامة الجبرية” حيث لا يسمح لهم بمغادرة المنزل إلى العمل أو التسوق أو قضاء أمر ما إلا بإذن من الجنود الذين يعتلون السطح. كما لا يسمح لهم بمغادرة المنزل بشكل جماعي، وإجبار بقاء شخصين من سكان المنزل على الأقل في البيت حين المغادرة خشية التعرض لهجمات من قبل الفلسطينيين. وإمعاناً في معاناة أصحاب هذه المنازل لا يسمح لهم بمغادرة البيت أو استقبال زوار في ساعات الليل، وإلا أطلقت النيران على الأجسام المتحركة مباشرة. وقد أفاد أحد المواطنين الذي هدم بيته وجرفت أرضه للمركز بالتالي:
“في حوالي الساعة 2:00 ظهر يوم الأحد 25/3/2001، كنت متواجدا في أرضي التي أمتلكها مع أسرتي والمزروعة بالحمضيات والزيتون والفواكه والتي تبلغ مساحتها 35 دونم، التي تقع إلى الشرق من بيت حانون. وبينما كنا معتصمين في أرضنا حيث يقع أيضا منزلي المقام على مساحة 150م2 ويقطنه 16 فرداً، شاهدت عددا من دبابات الاحتلال تقتحم أرضنا، حيث أطلق جنود الاحتلال النار في الهواء لإرهابنا وإجبارنا على ترك الأرض تمهيداً لتجريفها. في هذه الأثناء كانت طائرتان إحداهما مروحية، أما الأخرى فيبدو أنها استطلاعية تحلقان في السماء على علو منخفض. وقد رأيت الطائرة المروحية ترمي بجسمٍ يشبه البرميل سقط داخل أرضنا على مسافة نحو 150م من مكان تواجدنا، وقد دوى صوت انفجار ضخم وتصاعد من المكان دخان أبيض. وقد أصيب والدي ووالدتي بحالة هستيرية من الخوف والهلع تم نقلهما على إثرها إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة. وعقب الانفجار ألقت إحدى الدبابات قذيفة مدفعية اخترقت جدران الصفيح لمزرعتين للحمام مسقوفتين بالأسبستوس وسط الأرض فيما سقطت قذيفة أخرى بمحاذاة المنزل دون أن تنفجر. عقب ذلك، اقتحمت كاسحة ألغام إسرائيلية الأرض لتمشيطها، ثم انتشرت الدبابات والجرافات في جميع أنحاء المنطقة وبدأت بأعمال التجريف. حاولت التصدي لمحاولة التجريف في أرضي غير أن إحدى الأشجار سقطت ف وقي مما أدى إلى فقداني الوعي، حيث نقلت إلى المستشفى. وعلمت فيما بعد أن أعمال التجريف استمرت ساعة ونصف الساعة، انتهى خلالها كل شيء.”