مقدمــــة
بتاريخ 15 نوفمبر 2004، أصدر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المؤقت، روحي فتوح، مرسوماً رئاسياً حدد فيه التاسع من يناير 2005 موعداً لإجراء انتخابات عامة لانتخاب رئيس جديد للسلطة الوطنية الفلسطينية خلفاً للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وقد شكل هذا الإعلان خطوة أخرى إيجابية في إطار الخطوات التي اتخذتها القيادة السياسية الفلسطينية لضمان انتقال هادئ وسلمي للسلطة، في أعقاب وفاة الرئيس عرفات المفاجئة بتاريخ 11 نوفمبر 2004. وفي إطار تلك الخطوات، اختير السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلفاً للرئيس عرفات الذي شغل هذا المنصب منذ عقود، وذلك وفقاً للقوانين التي تحكم عمل المنظمة ومؤسساتها. كما أدى روحي فتوح، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، اليمين الدستورية في 11 نوفمبر، لتولي مهام رئيس السلطة مؤقتاً إلى حين إجراء انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تزيد عن 60 يوماً، وفقاً للمادة (37) من القانون الأساسي الفلسطيني.
الإعلان عن انتخابات جديدة في غضون أقل من شهرين ليس بالأمر الهين من الناحية العملية، أكان من حيث البيئة السياسية، أو من حيث الاستعدادات اللوجستية والفنية اللازمة لإجرائها. غير أن ذلك تزامن بالصدفة مع المراحل الأخيرة من عملية إعداد سجل الناخبين التي شرعت بها لجنة الانتخابات المركزية منذ تاريخ 4 سبتمبر 2004، وهي العملية الأساسية التي يتوجب إنجازها من أجل إجراء الانتخابات. وكانت عملية إعداد سجل الناخبين قد بدأت دون الإعلان عن موعد لعقد انتخابات عامة، في إطار التحضيرات من جانب لجنة الانتخابات المركزية، تحسباً لقرار من جانب السلطة الوطنية بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فترة زمنية وجيزة. وأخذت لجنة الانتخابات المركزية بالحسبان أن يكون سجل الناخبين صالحاً لإجراء الانتخابات في غضون عام. وقد أملت وفاة الرئيس ياسر عرفات المفاجئة، الإعلان عن انتخابات رئاسية في غضون ستين يوماً، وفقاً للقانون الأساسي، فيما يبقى موضوع الانتخابات التشريعية معلقاً لأجل غير مسمى.
كان الرئيس الراحل ياسر عرفات قد أصدر مرسوماً رئاسياً بتاريخ 21 يونيو 2004 حدد فيه الرابع من سبتمبر 2004 موعداً لبدء تسجيل الناخبين، دون الإعلان عن موعد لإجراء الانتخابات. وخلال الشهرين التاليين، استكملت لجنة الانتخابات المركزية، استعدادتها لبدء عملية التسجيل. وفي اليوم المحدد، أي الرابع من سبتمبر 2004، فتحت مراكز التسجيل أبوابها لاستقبال المواطنين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان مقرراً، وفقاً للمرسوم الرئاسي ذاته، أن تستمر عملية التسجيل لمدة خمسة أسابيع متتالية، حتى يوم السابع من أكتوبر، على أن يتم نشر سجل الناخبين الأولي في 20 نوفمبر 2004، وذلك وفقاً للمرسوم الرئاسي المذكور.
غير أن إقبال المواطنين على مراكز التسجيل كان ضعيفاً على امتداد هذه الفترة، لأسباب عدة سنأتي على ذكرها في هذا التقرير، مما تتطلب الإعلان عن إجراءات إضافية من جانب لجنة الانتخابات المركزية، كان بينها تمديد فترة التسجيل والإعلان عن استمرار التسجيل في مكاتب الدوائر الانتخابية بعد إغلاق مراكز التسجيل. وباعتبار أن موعداً للانتخابات لم يكن قد تقرر أصلاً، وأمام العقبات التي جابهت عملية التسجيل، علم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن لجنة الانتخابات المركزية كانت بصدد عدم نشر سجل الناخبين الابتدائي في الموعد المحدد بموجب المرسوم الرئاسي آنف الذكر، وأنها قد توجهت للرئيس الراحل ياسر عرفات من أجل الحصول على موافقته على عدم نشر السجل، وأن الرئيس قد وافق على ذلك في حينه.[1]
ولكن في ضوء التطورات اللاحقة التي أعقبت وفاة الرئيس عرفات، صدر مرسوم رئاسي يدعو إلى انتخابات عامة لانتخاب رئيس جديد للسلطة الوطنية الفلسطينية في التاسع من يناير 2005. وقد نص المرسوم أيضاً على أن تقوم لجنة الانتخابات المركزية بإجراء تسجيل استكمالي للناخبين الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من تسجيل أسمائهم خلال فترة التسجيل الأصلية. وقد باشرت اللجنة فعلاً باتخاذ سلسلة من الخطوات من أجل استكمال عملية التسجيل، والمضي قدماً في المراحل التالية من مراحل العملية الانتخابية. ومن بين هذه الخطوات تم الإعلان عن إعادة افتتاح مراكز تسجيل الناخبين لتسجيل استكمالي يبدأ بتاريخ 24 نوفمبر ويستمر لمدة أسبوع. وتزامن ذلك مع قيام اللجنة بنشر سجل الناخبين الابتدائي لتدقيقه والاعتراض عليه في مراكز التسجيل نفسها لمدة أسبوع لكلتا العمليتين. وأعلن أنه سيتم في وقت لاحق نشر أسماء المسجلين في فترة التسجيل الاستكمالية لتدقيقها والاعتراض عليها في مكاتب الدوائر الانتخابية، إضافة إلى نشر سجل الناخبين النهائي. وبتاريخ 1 ديسمبر، صدر القانون رقم (4) لسنة 2004 بتعديل بعض أحكام قانون الانتخابات رقم (13) لسنة 1995، الذي اعتمد سجل الأحوال المدنية إلى جانب سجل الناخبين الذي تعده لجنة الانتخابات المركزية لإعداد سجل الناخبين النهائي.[2]
جرت عملية تسجيل الناخبين بكل مراحلها في أجواء من الشفافية وفي ظل وجود مراقبين من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، فضلاً عن وجود وكلاء الهيئات الحزبية ووسائل الإعلام. وباعتماده من قبل لجنة الانتخابات المركزية كهيئة رقابة محلية، شارك المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في الرقابة على كافة مراحل التسجيل. ومع الإعلان عن موعد للانتخابات، واصل المركز القيام بدوره في الرقابة على كافة مراحل العملية الانتخابية، بما في ذلك قيامه بالرقابة على إعداد سجل الناخبين حتى نشر السجل النهائي.
هذا التقرير هو جزء أساسي من عملية الرقابة التي قام بها المركز، وهو يتضمن تقييماً شاملاً لمرحلة إعداد سجل الناخبين. ولا يقتصر هذا التقرير على تقييم الجوانب والإجراءات الفنية التي اتبعتها لجنة الانتخابات المركزية لإعداد سجل الناخبين، وفقاً لنصوص القانون، ولكنه يتناول تحليلاً للبيئة السياسية التي جرت فيها هذه العملية، كما يستعرض التجربة الانتخابية في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية وتطورها. وهو بمعنى آخر تقرير تقييمي لمرحلة ما قبل الانتخابات، يتضمن نتائج الرقابة على عملية إعداد سجل الناخبين.
يعالج التقرير ستة محاور، إضافة إلى المقدمة والخاتمة. في المحور الأول يتم التطرق لأهمية الانتخابات وحق التصويت والترشح، وأهمية سجل الناخبين والطرق المتبعة في إعداده. ويستعرض المحور الثاني تجربة الانتخابات العامة الفلسطينية التي جرت في يناير 1996، وهي الانتخابات الأولى والوحيدة التي أجرتها السلطة الوطنية الفلسطينية منذ إقامتها في العام 1994. وخصص المحور الثالث لتتبع التطورات المتعلقة بإجراء الانتخابات العامة، بدءاً بانتهاء المرحلة الانتقالية في 4 مايو 1999 والتي انتهت معها الفترة القانونية لانتخابات 1996، مروراً بتعثر العملية السياسية المزمن وعدم إجراء انتخابات، ووصولاً إلى التطورات الأخيرة والإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية جديدة في التاسع من يناير 2005، وما رافق كل هذه التطورات من تحضيرات واستعدادات لإجراء الانتخابات. ويتناول المحور الرابع عمل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان كهيئة رقابة محلية، بما في ذلك اعتماده واعتماد مراقبيه من قبل لجنة الانتخابات المركزية، إضافة إلى تدريب المراقبين وتوزيعهم، وتحديد منهج العمل الذي اعتمد في جمع المعلومات وتحليلها. ويستعرض الجزء الخامس سير عملية التسجيل ويقدم عرضاً للتطورات المتعلقة بهذه العملية منذ بدايتها بتاريخ 4 سبتمبر مروراً بتمديد فترة التسجيل، حتى 13 أكتوبر 2004، ونشر سجل الناخبين الابتدائي والإعلان عن التسجيل الإستكمالي. أما المحور السادس والأخير من هذا التقرير، فينفرد بتقييم عملية إعداد سجل الناخبين. وفضلاً عن الجوانب التقنية التي كانت جوهر عملية الرقابة، خصص جانب مهم من هذا المحور لتقييم البيئة السياسية والميدانية التي أجريت فيها عملية التسجيل، سواء فيما يتصل بجرائم الحرب والانتهاكات التي تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي اقترافها ضد المدنيين الفلسطينيين، أو فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية الفلسطينية وتأثيراتها على عملية التسجيل.
إذا كانت الديمقراطية تعني في جوهرها حكم الشعب، فإن الانتخابات هي الوسيلة التي يتم من خلالها اختبار إرادة الشعب. وبقدر ما توفر الانتخابات الحرة والنزيهة والدورية آلية يختار بواسطتها الشعب ممثليه أو من ينوبون عنه لممارسة الحكم، فإنها تعتبر وسيلة للمساءلة والمحاسبة، إذ أن إخضاع الحكام دورياً لاختبار الإرادة الشعبية في انتخابات جديدة هو طريقة لمحاسبتهم ومساءلتهم من قبل الشعب. بمعنى آخر، لا ديمقراطية بدون انتخابات، ولا يمكن أن ينعت نظام حكم بأنه ديمقراطي ما لم يشارك المواطنون في الحكم من خلال انتخابات حرة ونزيهة ودورية. وعلى مدى العقود المنصرمة اتسع نطاق حق المشاركة في الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية، بما في ذلك حق الاقتراع والحق في الترشح، إلى أبعد مدى.
وتعتبر المشاركة في الحكم حق تكفله المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. فالمادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حق كل شخص في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، سواء بشكل مباشر أو بواسطة ممثلين يختارهم بشكل حر، كما يعترف بحق كل شخص في تقلد الوظائف العامة في بلده، ويعتبر أن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، الذي يجب أن تتم من خلال انتخابات نزيهة تتم بشكل دوري، بالاقتراع العام والسري أو عن طريق اتخاذ إجراءات تضمن حرية التصويت. وتؤكد المادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما جاء في الإعلان العالمي، حيث تعترف بحق كل مواطن في المشاركة في الحياة السياسية، سواء عن طريق الانتخابات النزيهة والدورية، أو عن طريق تقلد وظائف عامة في بلده. كما يعترف إعلان معايير الانتخابات الحرة والنزيهة، الصادر بالإجماع عن مجلس البرلمان الدولي بتاريخ 26 مارس 1994، بالحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة في البلاد، حيث تنص المادة الأولى من الإعلان على أن سلطة الحكم في أي دولة لا تستمد “إلا من إرادة الشعب على نحو ما تعبر عنها انتخابات صادقة وحرة ونزيهة تجري على فترات منتظمة على أساس الاقتراع العام السري الذي يجري على قدم المساواة بين الناخبين.”