أ.ن، 32 عاماً، متزوج وأب لـ 3 أطفال، سكان شمال غزة ونازح في دير البلح.
تاريخ الإفادة: 20/12/2024
كنت أعيش في منزلي المكون من عدة طبقات يحتضن عائلتي الممتدة في شارع مستشفى كمال عدوان، في مشروع بيت لاهيا. منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر 2023، قررت البقاء في شمال قطاع غزة وعدم النزوح مع عائلتي. ومع الاجتياح الأول لمشروع بيت لاهيا في بداية نوفمبر 2023، نزحنا إلى منزل عمي في مخيم جباليا لمدة أسبوع. وعقب بدء الهدنة المؤقتة في 24/11/2023، عدنا إلى منزلنا لمدة 15 يومًا. ونتيجة قرار الاحتلال عدم تمديد التهدئة وتصعيد العمليات العسكرية، بالإضافة إلى حصار مستشفى كمال عدوان، انتقلت إلى مدرسة حليمة السعدية في جباليا النزلة لمدة 21 يومًا. وبعد إصابة طفلتي أحلام (7 سنوات) بشظية إثر قصف إسرائيلي استهدف المدرسة، توجهنا إلى منطقة السدرة في حي الدرج بغزة، وبقينا شهرين، ثم نزحنا إلى غرب غزة لمدة شهر، وبعدها عدنا لمشروع بيت لاهيا ومكثنا في منزلنا ونزحنا منه لاحقًا إلى مراكز الإيواء.
خلال تواجدي في مشروع بيت لاهيا، عانيت كما كل المواطنين من شدة القصف والحصار وشح المياه والطعام، كذلك حوادث تفجير المربعات السكنية عبر الروبوتات، وهي عبارة عن مركبة عسكرية صغيرة مليئة بالمتفجرات يتم التحكم بها عن بعد، وهي تصدر صوت انفجار قوي جدا جدا، وكذلك تحدث دمارا هائلاً في المنطقة المستهدفة حيث إنها تقوم بتفريغ المنازل من الجدران. كما كانت الطائرات المسيرة “الكواد كابتر” تقوم بالتحليق بشكل دائم وتطلق النار على كل متحرك أو تلقي قنابل تجاهه، وكذلك كان القصف المدفعي يوميا، خصوصاً في ساعات الليل، حيث تتوقع في أي لحظة أن تسقط أي قذيفة عليك وعلى أهلك. لذلك كنا ننام غالبا ناحية درج المنزل المعروف بأنه الأكثر أمانا في المنزل، ومنزلنا سقط عليه 3 قذائف وقعن في المطبخ والصالون.
حصار مستشفى كمال عدوان
كنت شاهداً على حصار مستشفى الشهيد كمال عدوان بمشروع بيت لاهيا أكثر من مرة. وبتاريخ 12/10/2024، وخلال حصار المستشفى، سمحت قوات الاحتلال لبعض المنظمات الدولية بإدخال بعض المساعدات الطبية والسولار للمستشفى. وبعد خروج المنظمات والشاحنة من المستشفى بوقت قليل، اقتربت الآليات للمستشفى وحاصرته بشكل تام من الاتجاهات الأربعة، وقد أطلقت آليات الاحتلال عدة قذائف تجاه مستودعات الأدوية وتم إحراق المساعدات الطبية، وتم اعتقال عدد من المواطنين. وفي حصار آخر بتاريخ 27/10/2024، تم حرق الطابق الثالث من المستشفى وحرق عدد من سيارات الإسعاف، كما قتلت قوات الاحتلال إبراهيم، نجل الدكتور حسام أبو صفية مدير المستشفى، بعد أن تم إطلاق النار عليه، وبعدها تم إعادة تأهيل المستشفى بإمكانيات بسيطة، مع تطوع عدد من الممرضين لمساعدة الدكتور حسام الذي بقي وحده داخل المستشفى، كما تم تنظيف بعد الأقسام.
إعدام مسن
خلال نزوحنا داخل مدرسة خليفة، شرق مدينة الشيخ زايد بمحافظة شمال قطاع غزة، اقتحمت قوات الاحتلال بتاريخ 25/10/2024 المدرسة لتفريغها من النازحين.اً وبالفعل قام الجميع بذلك، وكانت آلية التفريغ عبر فصل الجنسين الذكور على ناحية والإناث على ناحية، والسير أمام الدبابات التي تصدر صوت عالياً جدا وتحدث غباراً كثيفاً لترهيب الجميع خاصة النساء والأطفال. وقد اعدم جنود الاحتلال مسنًا أمامي أتذكر اسمه أبو محمد العمري من سكان مشروع بيت لاهيا، حيث أطلق الجنود النار عليه بشكل مباشر، وقد سقط على الأرض وقام بالنداء لطلب المساعدة، وخلال ذلك أطلقوا تجاهه قذيفة وتحول جسده لأشلاء.
مجزرة عائلة أبو نصر
كما كنت شاهدًا على عدد كبير من المجازر واجتياحات آليات الاحتلال لمشروع بيت لاهيا، أبرزها هو المجزرة التي تعرضت لها عائلة أبو نصر بتاريخ 29/10/2024، حيث إن طائرات الاحتلال استهدفت منزل عائلة أبو نصر المكون من 5 طبقات وكان بداخله سكانه وعدد كبير من النازحين قدر عددهم بأكثر من 300 مواطن. وقد اضطررت أنا وأخوتي وعدد من المواطنين إلى انتشال واستخراج الجثث من داخل المنزل، حتى لا تنهشها الكلاب الضالة والقطط، لأن طواقم الدفاع المدني وطواقم الإسعاف كانت قد خرجت عن الخدمة. كنا نخرج الجثث ونجمعها ونكفنها، وفي آخر النهار نتوجه لدفنها، حيث أخرجنا جثامين 126 شهيدا و7 مصابين، غالبية الشهداء من النساء والأطفال. وقمنا بعمل قبر جماعي عبر حفر حفرة في سوق مشروع بيت لاهيا وكانت مساحتها 20 مترا وقمنا بوضع كل 3 جثث فوق بعضها. أتذكر أن غالبية الشهداء كانت أجسادهم أشلاء، والموقف الذي لا يفارق ذهني هو سيدة مسنة كان جسدها عالقا من نصفها السفلي أسفل سطح أحد الطوابق فاضطررت لإحضار سكين وقمت بقطع الجزء العلوي البارز وقمت بتكسير العظام بحجر حتى لا تأكل الجزء العلوي الكلاب الضالة. وقد اضطررنا للتوقف عن انتشال باقي الشهداء جراء تحليق الطائرات المسيرة ” كواد كابتر” فوقنا وإطلاقها النار وإلقاء القنابل نحونا، وقد تعرضت لإصابة طفيفة نتيجة ذلك. بعدها اتخذنا قرارا في العائلة بأن نتفرق وذلك حتى لو استهدف المنزل لا تمسح العائلة جميعها من السجل المدني، وسكنت في منزل مهجور في المنطقة.
وكان من المواقف الأكثر إيلاما لي الحادثة التي وقعت بتاريخ 4/11/2024، حيث دعاني صديقي لنشرب القهوة في تمام الساعة 6:50 صباحا، فصعدت على السطح وأشعلت النار ووضعت الغلاية عليها، وفجأة وقع انفجار شديد جدا، والغبار ملأ المكان بالكامل. ركضت على الدرج الذي كان نصفه قد دمر، وتوجهت للغرفة الموجود فيها أبنائي وأخرجت أطفال الثلاثة: علي، 3 سنوات، أحلام، 8 سنوات، وأميرة، 5 سنوات، وزوجتي من تحت الركام، وكانت إصابتهم طفيفة. بعد ذلك نزلت للشارع لمعرفة ما تم قصفه فاكتشفت أن المنزل المستهدف هو منزل صديقي محمد، وقد دمر بالكامل وفقدت آثاره هو وزوجته وطفلته، كما أصيب عدد كبير من الجيران منهم من كانت إصابته بليغة، وتوجهنا بالمصابين ناحية مستشفى كمال عدوان، وعدت للبحث عن جسد صديقي أو أشلاء تخصه لدفنه، ولكن لم أجد جثته. وبعدها تم استهداف منزلين في المنطقة أحدهما لعائلة فورة.
النزوح والاعتقال
بعد ذلك، قررت النزوح بكامل أفراد عائلتي من محافظة شمال قطاع غزة لمدينة غزة. وصباح يوم الثلاثاء الموافق 5/11/2024، جمعنا ما استطعنا حمله وسرنا في الطريق المسموح به من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسلكنا طريق دوار زايد حتى محطة حمودة ومن هناك للنقطة العسكرية الإسرائيلية على موقع الإدارة المدنية شرق مخيم جباليا الذي وصلنا إليه عند حوالي الساعة 11:30 صباحا. وهناك تم النداء علي من جنود الاحتلال وطلبوا مني التوجه نحوهم، وقد كان الموقف صعبا جدا أمام أطفالي وزوجتي، حيث إن طفلتي أحلام ركضت نحوي وأنا أقوم بخلع ملابسي بناء على طلب الجنود، وأمسكت بي وطلب الجندي مني بالنداء على زوجتي لأخذها وإلا سوف يتم اعتقالها معي، وبالفعل جاءت وأخذتها وسط بكاء الجميع علي، وكانت ابنتي تصرخ “بدي بابا بدي بابا.”
اعتقلني جنود الاحتلال بعد تعريتي من الملابس بالكامل، وتم وضع العصبة على عينيّ، وأعطوني أفرهول أبيض، وربطوا يديّ بشكل شديد من الخلف بأربطة بلاستيكية كما ربطوا قدميّ أيضا، وحجزوني في غرفة مظلمة على الحاجز. كانت الغرفة مليئة بالمعتقلين، وانهال الجنود علي وعلى الجميع بشكل عنيف بالهراوات على الرأس، وكنت أصرخ من شدة الألم من ربط يدي حيث إن الازدحام الشديد والضرب المبرح كان يجبرني على محاولة تجنب الضربات إلا أن النتيجة كانت تأتي عكسية، والقيود كانت في كل محاولة لتخفيف ألمها تضغط بشكل أكبر. كما قاموا بسكب المياه الباردة علينا، وتبولوا علينا ووجهوا الشتائم منها “يا لوطي، يا نخبة، يا خرا، يا زبالة، احنا حنوديكو علي جهنم، وأمرونا بالنداء والإجابة ( ايش اسمك وانت تجاوب لوطي، وايش اسم أمك، أنا بدي أجيبها واغتصبها، ايش اسم مرتك سأحضرها واغتصبها، وعلى فكرة زوجتك أخدناها وهية موجودة في الغرفة المجاورة). احتجزت في هذه الغرفة حوالي 16 ساعة، وبعدها سحبونا وألقونا في شاحنة، توجهت بنا إلى مكان مجهول. ورغم ذلك استطعت سحب العصبة عن عيني وعرفت أننا متوجهون ناحية مدينة بيت حانون، وبالفعل بعد وصولنا وإنزالنا عرفت من المعتقلين السابقين بأننا في مكان يدعى الحفرة قرب مستوطنة اسديروت شمال شرق مدينة بيت حانون. وتم إنزالنا في مكان أرضيته جارحة أدت لجروح قطعية في قدمي، وقد جاءت عدة مجندات للمكان واعتدين علينا بالهراوات. وبعد حوالي ساعة، جاء شخص قالوا إنه طبيب، وكان ينظر لليدين، جميع من كانت أيديهم تسيل دماء، كان يفك الأربطة البلاستيكية ويستبدلها بأربطة أقل ضغطا، وكنت أنا من ضمنهم. بعدها قمنا بطلب المياه ولم يحضروها، وأتوا ببخاخة فيها بعض المياه، وطلبوا مني ومن الجميع فتح فمي فيقوم الجندي برش بعض المياه داخله، وكانت المياه ملوثة.
وفي حوالي الساعة 7:00 صباح اليوم التالي جاء عدد من الجنود أخذوني ووضعوني في غرفة وفتشوني جسديا، وكان شخص يلبس قفازا في يده وأدخل أصبعه في فتحة الشرج، وفك الأربطة البلاستيكية ووضع أربطة حديدية ليديّ وقدماي من الخلف، وأخذوني لمركبة وقاموا بنقلي أنا ومعتقلين آخرين. وخلال سير المركبة اعتدوا عليّ بعصى كهربائية، تركزت الضربات على الرأس، ونقلونا لسجن عرفت أنه يدعى ” سدي تمان”. وفور وصولنا قام الجنود بفك الأربطة وسلموني ملابس غير مناسبة تماما، عبارة عن بيجامة لونها رمادي، كانت البلوزة ضيقة جدا والبنطلون يتسع لأكثر من شخص وبوكسر ضيق جدا لدرجة أنه تمزق خلال ارتدائي له، وبقيت أرتدي هذه الملابس حتى الإفراج عني. وبعد ذلك عرضوني على طبيب، سألني إن تعرضت للتعذيب، فقلت له نعم تعرضت لتعذيب شديد وظهري يؤلمني، وسألني هل لديك أمراض مزمنة، قلت له لا. بعد ذلك أخذوني لغرفة وتم أخذ بصمة العين وتم إعطائي رقم سجين وضعوه في يدي 090956، وحفظته لأنه بديل عن اسمي وداخل السجن ينادى عليك بالرقم. بعدها تم وضعي في بركس يحمل رقم 4 كان بداخله 70 معتقلا و16 سريرا، وتم رفع الأربطة الحديدية من الخلف ووضعها في الأمام، مع استمرار تعصيب العينين. وفور دخولي أعطاني المعتقلون المياه لأشرب، حاولت النوم على فرشة لأرتاح ولكن أخبروني بأن هذا ممنوع والتعليمات بأنه يجب أن تجلس على الأرض على ركبتيك مع عدم الحركة، وبقيت جالسا على الأرض وكان الجنود يمرون كل فترة وجيزة للنظر إلينا. وكان هناك شاويش للبركس من بين المعتقلين هو دكتور في مستشفى الشهيد كمال عدوان. وفي أول يوم تفاجأت بشيء يدعى قمعة يقوم بها جنود الاحتلال، حيث إنهم ألقوا قنابل غاز مسيل للدموع داخل البركس، ومن المعتقلين من فقد وعيه ومنهم من سال من أنفه وفمه دماء نتيجة استنشاق الغاز. وكان داخل البركس يوجد حمام ومغسلة مع عدم توفر مياه، وممنوع أن تجلس داخل الحمام أكثر من نصف دقيقة. وكانت طبيعة الطعام في وجبة الصباح 3 قطع من الخبز مع مربي أو لبنة، والظهر 3 قطع من الخبز مع تونة، والمساء 3 قطع من الخبز مع لبنة مع خيارة أو تفاحة، والوجبة لا تشبع طفل، ومياه الشرب من نفس مياه دورة المياه وذلك حينما تتوفر.
وخلال تواجدي داخل هذا البركس قمع الجنود المكان أكثر من مرة خلال فترة النهار، حيث إن جنود الاحتلال يقتحمون المكان وينهالون علينا بالضرب المبرح بالهراوات على أنحاء أجسادنا، ومن ثم يفتشوننا كل على حدا، ويقومون برمينا على الأرض، بعد ذلك يمشون فوقنا ببساطيرهم، ويضربونا بخوذهم، ونزفت أكثر من مرة الدماء خلال القمعات. كما كان بصحبتهم كلاب ضخمة هي للترهيب يكون على وجهه لجام، وكانت بعض الكلاب تحاول ممارسة الجنس مع المعتقلين.
وقد تعرضت للتحقيق مرة واحدة، كانت مع محقق عمره حوالي 60 عاما، جسده ضعيف أبيض البشرة، ويرتدي زياً عسكرياً برتبة عالية، ويتحدث اللغة العربية بطلاقة. سألني عن بياناتي الشخصية ومن ثم تركزت الأسئلة حول أماكن تواجد الأسرى والجثث المحتجزة بقطاع غزة، كما تم ابتزازي حول الحصول على معلومات عن حركة حماس مقابل الإفراج عني، كما أخبروني بأن زوجتي تم اعتقالها أيضا، و”إذا لم تتعاون معنا سوف نقوم بأشياء لا تعجبك بها.” كما تم تهديدي بدبوس كبير سوف يتم إدخاله بفتحة القضيب في حال عدم التعاون. كما تم وضعي خلال فترة احتجازي لمدة 3 أيام داخل غرفة “الديسكو”، وهي عبارة عن غرفة فيها موسيقى صاخبة لا تتوقف، تخرج منها إما فاقدا سمعك أو فاقداً للتوازن. وخلال فترة النهار يجب أن تكون إما جالساً بوضعية القرفصاء، وفيها يكون رأسك بين ركبتيك ويمنع النظر للأعلى، أو واقفاً رافعا يديك للأعلى وقدماً من القدمين.
وبعد 14 يوما داخل سجن سدي تيمان، تم نقلي إلى بركس داخل مستوطنة معالي أدوميم بمدينة القدس، دون أن أعرض على محامي أو قاضي، وكان بعض المساجين قد تم عرضهم وكانت طريقة المقابلة عبارة عن مكالمة سكاي بي ويجلس على كرسي وهو مقيد به، وتكون أمامه لجنة قضاء، وتكون المكالمة مع محامي عبر تليفون، والمكالمة هذه لا تتجاوز 10 ثواني فقط، وقد شاهدت هذا المشهد أكثر من مرة، حيث إن الغرفة التي يقابل فيها لجنة القضاء مقابلة للبركس الذي كنت محتجزا داخله.
خلال نقلنا في المركبة تعرضت لأشد أنواع التعذيب التي استمرت 3 ساعات، وقد كان الاعتداء يتركز على الرأس بالعصى الكهربائية وخلال إحدى الصعقات فقدت السمع في أذني اليمنى. كما تم ضربي بالهراوات وقام جنديان بحملي من يديّ وقام آخر بضربي لكمات في بطني وصدري ووجهي وهو يصرخ “نخبة نخبة نخبة،” حتى فقدت وعيي، وعاد لي وعيي في البركس، وكان هناك 100 سجين تقريبا داخل البركس، ظننت في بادئ الأمر أن فقداني للسمع مؤقت وسوف يعود تدريجيا إلا أنني فقدته بالفعل.
كانت دورة المياه داخل هذا البركس يسمح بدخولها مرة واحدة يوميا، ولو طلبت دخولها مرة أخرى يقول لك الجندي “اعملها على حالك،” ونتيجة لعدم استطاعتك التحمل تتبول على نفسك، لذلك كانت الرائحة داخل هذا البركس لا تطاق. كما أن الجلوس يكون على الركبتين والرأس بينهما طوال الوقت، والنوم على الناحية اليسرى، كان السماح لنا بالنوم لمدة ساعتين فقط، وكان النوم بشكل غير مريح، حيث أن الجنود خلال نومنا يقومون بضرب الحديد أو يصدرون ضجيج، وكذلك ينادون أحيانا على بعض السجناء وأنا من بينهم للاقتراب من نافذة البركس ولحظة وصولك يتم صعقك بسلكين كهربائيين، ومن أشد أنواع العذاب داخل هذا البركس هو البرد القارص.
كما تعرضت للتحقيق مرة واحدة حول نفس الأشياء المذكورة سابقا، وتم وضعي في الديسكو 3 أيام متواصلة، وأذني سالت منها الدماء وبعدها عانيت من الطنين المتواصل، وبعد ذلك أخبروني بأنني حضرت للتحقيق والديسكو بالخطأ وقد كان المقصود رقم سجين آخر، وبعد 4 أيام من فقدان السمع بشكل كامل، عاد السمع لأذني اليسرى فقط.
وبعدها تم نقلي عبر مركبة لسجن عوفر وبنفس الآلية حيث اعتدى علي الجنود بالضرب المبرح، وخلال إنزالي من الباص أيضا تم استقبالنا بالضرب بالهراوات وبالبنادق والأيدي، وتم وضعي في بركس. وقد عانيت كثيرا في هذا السجن من الجوع الشديد، وكذلك جميع المعتقلين المحتجزين هناك، حيث إنه يتم إحضار قطعة خبز واحدة في كل فترة دون أي شيء. وتعرضنا داخل البركس للقمع حيث هاجمه جنود الاحتلال بصحبة كلب ضخم، يقوم هذا الكلب بالعبث بأجساد المعتقلين، منهم من يركض فوقه ومنهم من يتبول فوقه، ومنهم من يحاول ممارسة الجنس معه فوق ملابسه، والمعتقلون يحاولون الفرار، وبعد انتهاء هذه العملية يتم إخراج الكلب ويتم رش غاز الفلفل من نافذة البركس، وهذا الغاز أشد ألما من أي شيء أخر حيث إنه يسبب حرقة في العينين وآلاماً شديدة في الجهاز التنفسي لمدة يومين. احتجزت هناك 3 ليالٍ فقط، وفجر اليوم الرابع أخذوني وحلقوا نصف رأسي على مقاس صفر، ورموني في غرفة للحبس الانفرادي ومكبل اليدين من الخلف والقدمين، وصباح اليوم نفسه أخذوني من الغرفة ووضعوني في مركبة وأعادوني لسجن سدي تيمان. وهناك قضيت ليلة كاملة فيه، وفي اليوم التالي وضعوني داخل باص أنا وعدد آخر من المعتقلين، وخلال سيره طلب منا الجنود الغناء لإسرائيل والترديد وراءهم، وبالفعل قمنا بذلك، منها: “واحد اثنين ثلاثة قفعاتي يا حياتي”، ” ثلاثة اثنين واحد جولاني أحسن واحد”، ” توتة توتة توتة السنوار يا ابن الشرموطة”. بعد وصولنا لمعبر كرم أبو سالم جنوب شرق مدينة رفح قاموا بتصويرنا فيديو ونحن نشكر دولة إسرائيل على التعامل معنا بشكل إنساني خلال فترة احتجازنا، وتم تهديدنا أي واحد يسمع صوته أو اسمه داخل غزة سوف نأتي به مرة أخرى للسجن.
بعد ذلك قام الجنود بفك الأربطة الحديدية من أيدينا وأعطونا زجاجة مياه وزجاجة عصير، وسلموني البطاقة الشخصية التي كانت من ضمن الأمانات لديهم، ولم يعيدوا لي هاتفي الخليوي وأموال كانت بحوزتي لحظة اعتقالي، وأمرونا بالركض غربا دون النظر للخلف ومن يخالف ذلك سوف نطلق النار عليه. وبعد ركضنا مسافة طويلة قابلنا سيارات تابعة للصليب الأحمر الدولي، وعرفت أن تاريخ الإفراج عني هو 12/12/2024، بعدها تم وضعنا في باص ونقلونا لمستشفى غزة الأوروبي. والآن أواجه صعوبة كبيرة بسبب عدم وجود مأوى بسبب أن جميع أفراد أسرتي في مدينة غزة.