مارس 1, 2025
بعد الفقد الكبير مجبرة على الاستمرار من أجل بناتي
مشاركة
بعد الفقد الكبير مجبرة على الاستمرار من أجل بناتي

عبير وائل توفيق اشتيوي، 28 عاما، أم لثلاث طفلات، سكان مدينة غزة.

تاريخ الإفادة: 20/02/2025

بابتسامة رسمتها مجبرة على ملامحها المفعمة بالبراءة قابلت عبير 28 عاما باحثة المركز، وقالت: “الغاليين تركوني مرة واحدة، كنت أتكئ عليهم دون تردد، كان تعبي ووجعي ملقى عليهم دوما، تركوني أنا وبناتي لنعافر صعوبات الحياة وحدنا،” قبل أن تروي حكايتها المفعمة بالأسى.

كنت متزوجة من المواطن رياض رفيق رضوان اشتيوي، 30 عاماً، ولدي منه ثلاث بنات: لما 7 أعوام، ربا 5 أعوام، وندا عام واحد، أنجبتها بالحرب. كنا نقطن مع عائلة زوجي في بيت مكون من طابقين، أنا بالطابق الأرضي، واهل زوجي بالطابق الأول.

في حوالي الساعة 6:30 صباح يوم السبت الموافق 07/10/2023، بينما كنت أجهز طفلتي الوسطى ربا لحفلة ستقام بروضتها عن يوم التراث الفلسطيني، وكان زوجي رياض يتجهز إلى عمله فهو يعمل بالبناء. سمعنا صوت انفجارات قوية جدا ومتتالية، وشعرت بناتي بالخوف وبدأن يصرخن من قوة الأصوات، مع العلم أنني كنت حاملا بالشهر الثامن بطفلتي الثالثة. حاولنا معرفة سبب الانفجارات، وبعد ذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فهمنا ما يجري وأدركنا أن الحرب آتية لا محالة.

وفي ساعات المساء بدأت الأمور في تصاعد وصوت القصف في كل مكان، وكان القلق يراودني دائما خصوصا على خالي وهو والد زوجي ومصيره داخل الأراضي المحتلة فهو عامل هناك، وعلى عائلتي التي تقطن في حي الزيتون وهي منطقة حدودية وخطرة جدا، حيث تواصلت معهم وطلبت منهم النزوح إلينا. في 21/10/2023 حضرت والدتي ووالدي وإخوتي وهم 4 بنات، إحداهن متزوجة حضرت مع زوجها وعائلته، وإخوتي الذكور: أحمد 23 عاما، ومحمد 21 عاما، فضلا عن عدد من العائلات جميعها من الأقارب والأنساب. قررنا وضع النساء والأطفال في الطابق الأول، والرجال في الطابق الأرضي، وكان الوضع يشتد خطورة.

وفي شهر 11/2023، بدأ توغل قوات الاحتلال الاسرائيلي في حي الزيتون، وقصفت قوات الاحتلال منزل جيراننا من عائلة الأعرج، ما أدى إلى استشهاد اثنين منهم، فشعرنا جميعا بالخوف فقد كان القصف شديدا ومتواصلا وقريبا. إثر ذلك قرر عمي وأسرته وعمتي وأسرتها التوجه إلى مدرسة عطا هاشم الشوا كمكان آمن لهم وكانوا يعتزمون الذهاب في اليوم التالي إلى الجنوب لكن تفاجأنا بعودتهم إلينا والبقاء معنا.

وفي تاريخ 07/11/2023، بدأت أعاني من  مخاض آلام الولادة وتواصلت مع طبيب عبر الهاتف رغم صعوبة الاتصالات وطلب مني التوجه إلى مستشفى الحلو الدولي. خرجنا من المكان بصعوبة شديدة وانتظرنا خالي في أول حي الزيتون ونقلني إلى مستشفى أصدقاء المريض، وهناك أخبروني بضرورة إجراء عملية قيصرية، ولم أجر العملية لعدم مقدرتنا على دفع تكلفتها البالغة ألف شيكل، فانتقلنا إلى مستشفى الحلو الدولي وهناك أخبرونا انه لا يوجد ولادة قيصرية في ذلك اليوم. فتوجهت إلى مجمع الصحابة الطبي سيرًا على الأقدام رغم شدة الألم والثقل الذي أشعر فيه، مع العلم أنني مريضة ضغط مزمن أثناء الحمل. تم استقبالي في مستشفى الصحابة، ووضعت تحت الملاحظة وولدت في اليوم التالي وهو 8/11/2023، بعدما أجريت لي عملية قيصرية وأنجبت ابنتي ندا. وفي 09/11/2023 غادرت المستشفى وعدت إلى منزلنا بحي الزيتون، وبعد أسبوع أخذ زوجي رياض طفلتنا إلى عيادة الزيتون لأخذ التطعيم الأول لها.

في 20/11/2023، في حوالي الساعة 11:00 مساءً، استيقظنا جميعاً على صوت قصف شديد من قوات الاحتلال وقريب جدا.  هرعنا إلى الصالون، وصعد شقيق زوجي صقر 29 عاما للاطمئنان علينا، وفي تلك الأثناء شعرت في عتمة شديدة وابنتي بين يداي وثقل على كتفي، سمعت صوت أمي وهي تنادي عليّ،كنت أرد عليها لكنها لم تسمعن. حضر صقر وأزال الردم عني وساعدني على الخروج. وشاهدت والدتي وفي حضنها شقيقتي ضحى 16 عاما تنزف، وأخذت جدتي طفلتي ندا من بين يداي وأنعشتها  بغسل وجهها بالماء والتنفس في فمها فعادت إلى وعيها، حيث اعتقدت أنها استشهدت جراء القصف الإسرائيلي، أعطتني إياها مرة أخرى. وطلب مني صقر الخروج من البيت، فخرجت وأنا أبكي، لم أعلم مصير بناتي ولا زوجي. شاهدت اثنين بحوزتهم أسلحة ويرتدون لباسا أسود علمت انهم من القوات الخاصة الإسرائيلية، طلبت منهم العودة لجلب بناتي، سلطوا عليّ ضوءًا أحمر، وأشاروا لي بواسطة الأسلحة أن أسير، فسرت باتجاه مدرسة حسن النخالة  وطرقت الباب لكن دون جدوى. وانتقلت إلى المدرسة المجاورة لها وهي عطا الشوا، وكانت ابنة خالتي نازحة هناك، مكثت عندها وبقيت جالسة لا أعلم شيئا حتى الساعة 5:00 فجراً، حيث  حضر الأقارب إلى المدرسة وأحدهم أحضر لي طفلتيّ “لما وربا”، ثم  حضر خالي  وحضنني  وهو يبكي. علمت من بكائه أنني فقدت الأحباب، وأخبرني باستشهاد زوجي رياض 30 عاماً، ووالدي وائل توفيق اشتيوي 50 عاما، واشقائي الذكور محمد 21 عاماً ، احمد 23 عاماً، وشقيقتي ضحى 16 عاماً، بالإضافة إلى اشقاء زوجي  محمد رفيق اشتيوي 17 عاماً، واحمد 14 عاماً، زوج اختي علا وهو فراس حامد اشتوي 31 عاما، ووالده حامد فارس اشتيوي 65 عاما ، وابنه اياد 42 عاما وابناء اياد وهم  حامد 16 عاماً، حلا 10 اعوام، كنان عام واحد، وعمي فادي توفيق اشتوي 32 عاماً، وابنة عمي حنى فارس اشتيوي 10  أعوام ، ومن الأقارب النازحين عنا وهم  يحيى  اسماعيل فتوح 18 عاما، حسن منير  فتوح 35 عاما وطفلته نور 5 أعوام ، وسما رضوان اشتيوي 8 أعوام.

اقتربت اليات الاحتلال من المدرسة، فخرجنا جميعا إلى مدرسة المنطار بالشجاعية وهناك وجدت أمي وخواتي. مكثنا في ساحة المدرسة، بكينا كثيرا حتى ارتمينا على الارض فالوجع أنهك القلوب والأجساد، فلم يبق لنا أحد فأنا ووالدتي مريم عيسى ابراهيم اشتوي وأختي علا أصبحنا أرامل وفضلا عن فقد إخوتي الذكور، لكنا احتسبنا هذا المصاب عند الله.

بعد قضاء يومين شديدين في حي الشجاعية، انتقلنا إلى منزل أحد الأصدقاء في شارع الصحابة، حيث كان أصحاب البيت نازحين إلى الجنوب وبقينا في المكان طوال فترة الحرب، واشتدت الحياة قسوة مع الفقد، فأصبحنا نعاني شح الأكل والماء ونجمع الحطب ونشعله، ونظرا لفقد المعيل نعتمد على المساعدات. بعد وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، انتقلت مع والدتي وإخواتي إلى مديرية التربية والتعليم في مدينة غزة، فهي مركز ايواء للنازحين، فلا يوجد بيت يؤوينا بعد أن دمره الاحتلال.