أبريل 2, 2024
بترت قدمي جراء قصف منزلي
مشاركة
بترت قدمي جراء قصف منزلي

عبير وائل جبر أبو سالم، 22 عامًا، سكان مشروع بيت لاهيا، شمال غزة.

بدأت معاناتنا منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، ولكننا استطعنا الصمود في منزلنا الكائن في مشروع بيت لاهيا حتى 27/10/2023، عندما هدد جيش الاحتلال منزل جيراننا بالقصف، بعدها قمنا بالنزوح إلى منزل جدي (عائلة أمي) الكائن في جباليا المعسكر. مكثنا في منزل جدي المكون من 4 طوابق، أنا وعائلتي مكثنا في الطابق الأرضي، الذي لم يسلم من القصف كون طائرات الاحتلال قصفت العمارة، كنا حوالي (5) أشخاص.

في العاشرة من مساء يوم 30/10/2023، كان جزء منا مستيقظًا والبقية نيام، وأنا كنت مستيقظة. لن أنسى ما شاهدته ذلك المساء ولا يمكن محوه من ذاكرتي. بداية سمعت صوت انفجار وشاهدت الجدران تتهدم والأعمدة تطير. حاولت الهرب ولم أستطع ومع ضغط الهواء وجدت نفسي في الغرفة الثانية. الدنيا كلها كانت سواد ورائحة بارود. لا أستطيع أن أصف المشهد من هول ما شاهدته.  لم أتخيل أنني لا زلت على قيد الحياة. كل ذلك حدث في ثواني قلبت حياتي رأسا على عقب .صوت الصراخ والبكاء، رائحة البارود لا زالت تلازمني حتى الآن.

حاولت أن أقف فلم أستطع، نظرت على قدمي فوجدتها مقطوعة، بدأت أصرخ على أمي وأقول رجلي انقطعت وصرت أزحف جهة أمي. زحفت على يديّ وأنا أنادي: أمي الحقيني، رجلي انقطعت، والثانية انحرقت. ورقبتي كانت محروقة وما زلت أعاني من الحرق والبتر حتى الآن. ارتميت بحض أمي التي كان نصفها السفلي تحت الأنقاض غير ظاهر، أمي لم تكن قادرة على مساعدتي. بدأت أمي تنادي على الشباب الموجودين بالخارج وتستغيث بهم ليقدموا لنا المساعدة. فجاء اثنان منهم واحضروا فرشة ووضعوني عليها ومشوا في شارع طويل جدا، وبالصدفة وجدنا سيارة إسعاف وضعوني بها وأخذوني إلى المستشفى الإندونيسي. أثناء خروجي من المنزل شاهدت أختي ريماس، 12 سنة ملقاة تحت السيارة وعرفت لاحقا أن قوة القصف دفعتها لخارج البيت. عندما وصلت إلى المستشفى الإندونيسي وضعوني في قسم الاستقبال. تفاجأت بأن أختي بجواري وكان وجهها متورمًا وكانت تنظر إلي وتضحك. اعتقدت أنها تودعني وسوف تموت وتبين أن أختي لديها كسر في الجمجمة ونقطة دم على المخ وكان عندها نزيف داخلي والحمد الله تم السيطرة عليه.  

أدخلوني إلى الجهاز المغناطيسي وبعدها أخرجوني إلى غرفة العمليات مباشرة وأعطوني بنج ولم أشعر بعدها بشيء، ولما وعيت على حالي لم أجد أحدًا من اهلي بجواري. صرت أسأل الناس عن أسماء عائلاتهم كي أعرف إذا في أي شخص من أهلي موجود معي بالمستشفى، ثم بدأت أسأل الناس إن كانوا يعرفون أي شخص من عائلتي سالم أو كريزم ليتصلوا عليهم. وبالصدفة جاءت سيدة إلى المستشفى لزيارة قريبة لها كانت قريبة لزوجة عمي. حاولنا أن نتصل على أهلي، ولم يكن هناك إرسال ولا اتصالات وعلمت لاحقا أننا كنا موزعين على ثلاث مستشفيات: العودة والإندونيسي وكمال عدوان. لم يكن لدي ملابس أرتديها، بقيت بلبس العمليات ليلة كاملة والناس المتواجدين حولي بالمستشفى أعطوني ملابس وأنا طلبت منهم إعطائي ملابس للصلاة. مكثت في المستشفى الإندونيسي 26 يوما خلالها تمت محاصرتنا أنا وأمي بالمستشفى، ومكثنا 5 أيام بدون أكل، حيث كنا نعتمد طول اليوم على المياه والتمر وكلنا كنا ننام في ممر المستشفى لوجود قناصة أمام الغرفة التي كنت بها. شعرت بالخوف والرعب وطول فترة مكوثي بالمستشفى كنت استخدم الحفاضات لعدم مقدرتي على المشي وهذه معاناة أخرى كانت أمي تسحبني بالسرير إلى زاوية من زويا المستشفى وتقوم بتغطية الزاوية بستارة حتى تستطيع تغيير الحفاضات لي، ووضعي في المستشفى ازداد سوءا ودمي وصل 7، ومن شدة الخوف والرعب لم أكن أعرف أنام.

  قبل حصار المستشفى بيوم واحد نفذ الاحتلال حزاما ناريا حول المستشفى ووقع عليّ الجبس وسلك الكهرباء، الحمد الله أنه ما حدث تماس كهربائي وإلا لحرقنا. طول فترة محاصرتنا بالمستشفى لم يتم عمل الغيار اللازم لي بعد بتر قدمي، لم يكن هناك كهرباء كانوا يشغلوا لنا اللدات فقط، كان الوضع مأساوياً جدًا فوق الوصف.

 بتاريخ 20/11/2023 قصفت قوات الاحتلال الطابق الثاني للمستشفى وتم قصف غرفة العمليات وكان فيها ناس واستشهد كل من كان موجودا بتلك الغرفة. كان الاحتلال طوال الوقت يلقي علينا غاز، كنت أشعر كل الدنيا ضباب حولنا وكان الشهداء ملقون على الأرض في ساحة المستشفى ولا أحد يستطيع الخروج لسحبهم من شدة إطلاق النار.

كنت اريد الذهاب مع أمي إلى الغرفة حتى تستطيع تغيير ملابسي إلاّ أن الممرضة قالت لأمي ولي ألا نذهب هنالك حيث يوجد قناص يطلق الرصاص على كل شخص يحاول الدخول للغرفة. وأبلغتنا الممرضة أن رجلا مسنًا مصاب برصاص قناص إسرائيلي كان ينادى ويقول لا أحد يأتي إلى الغرفة يوجد قناص وأنا مصاب ولم يكن أحد قادر على إخراجه.

بتاريخ 23/11/2023 تم التنسيق ما بين الصليب الأحمر وجيش الاحتلال على خروج المرضى على دفعات وقد جاء إلى المستشفى أربع باصات لنقل المرضى و12 سيارة إسعاف. وأثناء خروجي من المستشفى شاهدت الجثث الملاقاة على الأرض  وحجم  الدمار الذي لا يتخيله أحد.

انا كنت في الباص رقم (4)، جلست على درج الباص، أول مرة أجلس وكان الألم في جسمي شديدًا. وصلنا حاجز نتساريم وبقينا هناك ما يقارب (10) ساعات وكان الوجع يزيد والحرق كان يؤلمني ألماً غير محتمل لدرجة أنني أحيانا كان يغمى عليّ. 

أنزلونا على الحاجز من الباص وأجلسونا على الأرض، وقال الجيش: المصابيو يجلسوا على الأرض على الحصمة والحجار ومن هم غير مصابين يبقوا واقفين، وفرزوا الشباب لجهة والنساء لجهة، حتى الأطفال. وكانوا يفتشون الباصات، وكان الباص الذي وصلت به مليئا بالمصابين ومبتوري الأطراف. كان معنا طفل عمره 17 سنة كان مصابا في رجيله ورأسه، أخذه الجنود وضربوه وبعد 4 ساعات أحضروه وعندما سأله والده ماذا حدث معك قال: ضربوني وعذبوني. وضعوا كشاف بوجهي كي يتأكدوا من هويتي لأنه كانت الساعة 10 مساء. حوالي الساعة 12:00 منتصف الليل وصلت إلى مستشفى ناصر، وهناك بقينا في الاستقبال على الأرض بدون أسرة، وأبلغوني بوقف علاجي. بدأت أتساءل أين أذهب لأستكمل علاجي، وبقيت خمسة أيام بالاستقبال وصارت هدنة ثم توجهت إلى منزل أحد الأصدقاء في النصيرات. وبعد تهديد النصيرات بالإخلاء من قوات الاحتلال لجأت إلى أحد مراكز الإيواء في دير البلح، للأسف أنام على فرشة رقيقة لا تصلح لوضعي، وازدادت الأمراض عندي لو لم يتم محاصرتي في المستشفى الإندونيسي لكنت الآن خارج البلاد للعلاج. أنا اليوم غير قادرة على عمل تحويلة وأكمل علاجي خارج البلد ولا زال الألم شديدا.