مقدمـــة
في الخامس من مايو 2005، توجه الناخبون الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في ثمانية هيئات محلية في قطاع غزة، في إطار المرحلة الثانية من انتخابات مجالس الهيئات المحلية التي شملت 84 هيئة محلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكانت المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية قد جرت على مرحلتين في وقت سابق. ففي نهاية العام 2004، بتاريخ 23 ديسمبر، أجري الجزء الأول من المرحلة الأولى في 26 هيئة محلية في الضفة الغربية، واستكملت المرحلة الأولى في 27 يناير 2005، بإجراء الانتخابات في 10 هيئات محلية في قطاع غزة. وبذلك يكون الفلسطينيون قد تمكنوا من اختيار ممثليهم المحليين في ما يقرب من نصف مجالس الهيئات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يُتوقّع وفقاً للمصادر الرسمية الفلسطينية إجراء المرحلة الثالثة من الانتخابات في غضون الأشهر القادمة لتشمل بقية مجالس المدن الكبرى التي ما تزال تديرها هيئات معينة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية.
ووفقاً لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات المحلية، بلغ عدد أصحاب حق الاقتراع في المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية 400605 ناخبين موزعين على 84 هيئة محلية، بواقع 130125 ناخباً في 8 هيئات محلية بقطاع غزة و270480 ناخباً في 76 هيئة محلية في الضفة الغربية. وبلغ عدد المرشحين 2509 مرشحين تنافسوا على 906 مقاعد في مجالس تلك الهيئات، بينهم 327 مرشحاً في قطاع غزة تنافسوا على 94 مقعداً. وكان بين المرشحين 399 امرأة، أي ما نسبته 13% من مجموع المرشحين، بينهن 59 مرشحة في قطاع غزة، بواقع 18% من مجموع المرشحين في القطاع. وينص القانون الذي ينظم الانتخابات المحلية على تمييز إيجابي محدود لصالح النساء، إذ تنص المادة 28 من القانون رقم (5) لسنة 2004 المعدل للقانون رقم (5) لسنة 1996 بشأن انتخابات مجالس الهيئات المحلية على أنه “حيثما رشحت امرأة يجب أن لا يقل تمثيل المرأة في أي من مجالس الهيئات المحلية عن مقعدين، لمن يحصلن على أعلى الأصوات من بين المرشحات.”
وبحسب التقييم الأولي الذي أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بتاريخ 8 مايو 2005 في أعقاب الانتخابات، بناءً على المسح الأولي للتقارير والاستمارات التي أعدها مراقبو المركز عن كل محطة من محطات الاقتراع، فقد أعرب المركز عن ارتياحه لسير كافة عمليات الاقتراع والفرز بصورة منظمة، حيث اتسمت الأجواء الانتخابية بالشفافية التامة حيث جرت الانتخابات بحضور المرشحين أو وكلائهم وممثليهم. وأشاد التقرير بالتعاون التام من قبل اللجنة العليا للانتخابات المحلية وتسهيلها لاعتماد هيئات الرقابة المحلية والدولية وإصدار بطاقات خاصة بالمراقبين وتمكينهم من مراقبة كافة عمليات الاقتراع والفرز، وهو ما أكده أيضاً جميع مراقبي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. كما سمحت اللجنة العليا لممثلي وسائل الإعلام المحلية والعالمية بتغطية العمليات الانتخابية ونقلها بحرية دون قيود.
وجاء في التقرير الأولي أن مراقبي المركز سجلوا الكثير من الخروقات سواء من قبل الأحزاب المتنافسة أو المرشحين وأنصارهم، غير أن عمليات الاقتراع والفرز قد مرت بسلام ودون مشاكل جوهرية تمس بنزاهة الانتخابات أو تُخل بنتائجها. وكان من بين تلك الخروقات استمرار مظاهر الدعاية الانتخابية خلال يوم الاقتراع خلافاً للقانون، خصوصاً من أنصار حركتي فتح وحماس، اللتين استخدمتا في سبيل ذلك وسائل عدة، منها توظيف الإذاعات المحلية الخاصة المقربة من كل منهما في بث مواد دعائية خاصة بهما على مدار اليوم. وكذلك سجل بعض المراقبين حالات تحدث فيها عدد من أعضاء لجان الاقتراع مع الناخبين لحثهم على الإدلاء بأصواتهم لصالح قوائم أو مرشحين محددين، وذلك خلافاً للقانون. ولكن بشكل عام كانت هذه الحالات فردية وكان يجري علاجها ميدانياً وبشكل فوري من طرف اللجنة العليا وطواقمها.
وقد تابع المركز الفلسطيني باهتمام شديد تطورات ما بعد الانتخابات في عدد من الدوائر التي جرت فيها الانتخابات، خاصة في مدينة رفح، حيث سارت الساعات الأخيرة من يوم الاقتراع في أجواء من التوتر الشديد بين أنصار حركتي فتح وحماس. ففي أعقاب انتهاء عمليات الفرز والعد، كان من المفترض أن تعلن النتائج النهائية في مدة أقصاها 48 ساعة، أي صباح يوم السبت 7 مايو 2005، غير أن اللجنة العليا للانتخابات المحلية أجلت إعلان النتائج النهائية إلى يوم الاثنين 9 مايو 2005، في ضوء الاحتجاجات التي تقدمت بها حركة فتح للجنة العليا للانتخابات المحلية واللجنة المشرفة على الانتخابات في رفح، حيث شككت بنزاهة أعضاء اللجنة. وقد شهدت الأيام التالية مشاحنات بين حركتي فتح وحماس، وأجواء مشحونة في أعقاب الإعلان غير الرسمي، والتقارير الواردة من مراكز الاقتراع بفوز قائمة التغيير والإصلاح، التابعة لحركة حماس بأغلبية المقاعد في المجلس البلدي لمدينة رفح.
وفي تطور لاحق، قدم مرشحو قائمة الوفاء للأقصى، التابعة لحركة فتح طعوناً في نزاهة الانتخابات ضد اللجنة العليا للانتخابات ولجان الدوائر، في كل من رفح، البريج، بيت لاهيا، والمغراقة، وهي المناطق التي فازت قائمة التغيير والإصلاح، التابعة لحماس، بأغلبية المقاعد فيها. وقد قبل القضاء الفلسطيني النظر في ثلاث من هذه الطعون، فيما رفض الطعن المقدم بشأن نزاهة الانتخابات في المغراقة شكلاً. وبعد عدة جلسات، استمعت المحكمة إلى دفوع قدمها المحامون وكلاء الطاعنين والمحامون وكلاء المطعون ضدهما وهما اللجنة المشرفة على الانتخابات المحلية، واللجنة العليا للانتخابات المحلية. كما استمعت المحكمة إلى شهادات شهود عيان ومسئولين في المكتب التنفيذي للجنة العليا للانتخابات، اتخذ القضاء الفلسطيني قراراً بإعادة الانتخابات جزئياً في كل من رفح، بيت لاهيا، والبريج، وتحديد موعد الأول من يونيه 2006 لإجراء انتخابات الإعادة. ومن خلال مراقبته الدقيقة لجميع جلسات المحاكم التي انعقدت (خاصة في مدينة رفح)، أبدى المركز استغرابه لعدد من الشهادات التي أدلى بها مسئولون في المكتب التنفيذي للجنة العليا، تتناقض والنتائج المعلنة من قبل اللجنة نفسها، وبما يخدم المطالب بإلغاء تلك النتائج وإعادة الانتخابات. ويرى المركز أن المخالفات التي ذكرت في المناطق الثلاثة التي فازت فيها قائمة التغيير والإصلاح، التابعة لحركة حماس، لم تكن أكثر من المخالفات المسجلة في مناطق أخرى مثل عبسان الجديدة، التي فازت فيها قائمة الوفاء للأقصى، التابعة لحركة فتح. كما لم تكن هذه المخالفات أكثر من تلك المسجلة في المرحلة الأولى من انتخابات مجالس الهيئات المحلية التي عقدت في 27 يناير 2005، أو من تلك المسجلة في الانتخابات الرئاسية في 9 يناير 2005.
يعتبر هذا التقرير النهائي خلاصة تقييمية للدور الرقابي الذي قام به المركز على كافة مراحل العملية الانتخابية، بما في ذلك، النشر والاعتراض، الترشيح، الدعاية الانتخابية، الاقتراع والفرز، إعلان النتائج الرسمية، والطعون المقدمة في نزاهة العملية الانتخابية. حيث يتطرق في البداية إلى دور المركز الفلسطيني في الرقابة على الانتخابات المحلية، ومن ثم يتناول فترتي النشر والاعتراض، والترشيح، وفترة الدعاية الانتخابية. ومن ثم ينتقل إلى يوم الاقتراع، بما في ذلك افتتاح الاقتراع وسير عملية الاقتراع. كما يتطرق إلى انتهاء وإقفال مراكز ومحطات الاقتراع، وإلى عمليات العد والفرز، وانتهاءها في المحطات، والطعون التي قدمت ضد اللجنة العليا للانتخابات المحلية ونتائج الانتخابات. وفي نهايته، خلص التقرير إلى بعض والملاحظات والتوصيات حول عملية الاقتراع والفرز التي نظمتها اللجنة العليا للانتخابات المحلية.