مقدمة
في 27 يناير 2005 توجه الناخبون الفلسطينيون في عشر هيئات محلية في قطاع غزة إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات محلية يشهدها القطاع منذ عقود طويلة. وبإجراء هذه الانتخابات، تنتهي المرحلة الأولى من انتخابات مجالس الهيئات المحلية الفلسطينية والتي شملت 36 هيئة محلية، سبق وأن أجريت الانتخابات في 26 هيئة في الضفة الغربية بتاريخ 23 ديسمبر 2004. وكانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد قررت إجراء انتخابات هيئات المجالس المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة على ثلاث مراحل، ومن المتوقع أن تستكمل المرحلتين الثانية والثالثة خلال الأشهر القادمة.[1]
أُجريت الانتخابات في عشر دوائر انتخابية موزعة على محافظات قطاع غزة الخمس، تتفاوت في عدد سكانها، وبالتالي في عدد أعضاء مجالسها، أكبرها مدينة دير البلح. وهذه الدوائر هي: بيت حانون (13 عضواً) في محافظة شمال غزة؛ الزهراء (9 أعضاء) في محافظة غزة؛ الزوايدة (13 عضواً)، المصدر (9 أعضاء)؛ دير البلح، (15 عضواً) والمغازي (13 عضواً) وجميعها في محافظة الوسطى؛ خزاعة (11 عضواً) وبني سهيلا (13 عضواً) وهما في محافظة خان يونس؛ الشوكة (11 عضواً) والنصر (11 عضواً) وكلاهما في محافظة رفح. ووفقاً للجنة العليا للانتخابات المحلية، بلغ عدد المرشحين للانتخابات 414 مرشحاً، تنافسوا على 118 مقعد في مجالس الهيئات العشر المذكورة. وكان بين المرشحين 68 امرأة، أي ما نسبته 16.4% من مجموع المرشحين.
وعلى مدار يوم الاقتراع، شهدت مراكز الاقتراع إقبالاً شديداً من قبل الناخبين، نساءً ورجالاً، بصورة ملفتة للنظر، تعكس الدعم الذي تحظى به هذه الانتخابات على المستوى الشعبي. وبرغم الظروف القاسية التي يعيشونها ني في ظل استمرار وجود الاحتلال الحربي الإسرائيلي وما ينفذه من جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين، أظهر الفلسطينيون مرة أخرى إصراراً على المشاركة في الانتخابات رغم الاحتلال والحصار، وقرروا المشاركة في اختيار قياداتهم المحلية، بعد أن شاركوا في انتخابات الرئاسة. وبحسب النتائج الأولية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، بلغت نسبة التصويت 72% من مجموع من يحق لهم الانتخاب والبالغ عددهم نحو 83700 ناخب، موزعين على سجل الناخبين والسجل المدني، حيث بلغت نسبة الناخبين في سجل الناخبين المسجلين 85%، فيما بلغت نسبتهم في السجل المدني 30%.
يشكل إجراء الانتخابات المحلية نقطة تحول هامة في السلطة الوطنية الفلسطينية، من المؤمل أن يضع حداً نهائياً لسياسة التعيين لمجالس الهيئات المحلية التي انتهجتها منذ العام 1994. وعلى مدار السنوات الماضية كانت الانتخابات المحلية مطلباً وطنياً ملحاً من قبل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، من أجل استكمال العملية الديمقراطية التي بدأت أولى خطواتها في عهد السلطة الوطنية، بإجراء الانتخابات التشريعية في 20 يناير عام 1996. غير أن السلطة الوطنية أجلت انتخابات هيئات المجالس المحلية عاماً تلو الآخر، واستمرت في انتهاج سياسة التعيينات التي طالت جميع الهيئات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تذرعت السلطة طيلة الأعوام السابقة بعدم وجود مناخ سياسي يساعد على عقد مثل تلك الانتخابات، في ظل تأزم عملية السلام، وعدم التزام إسرائيل بتعهداتها، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، بما فيها الحصار الذي تفرضه على الأراضي الفلسطينية، والقيود على الحركة. ولما كانت الانتخابات المحلية والعامة مطلباً عاماً ملحاً في أعقاب إصدار المجلس التشريعي الفلسطيني وثيقة الإصلاح في مايو 2002، والتي تبنت الإصلاح في هياكل السلطة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك ضرورة إجراء الانتخابات العامة والتشريعية في أقرب وقت ممكن، شرعت السلطة الوطنية في اتخاذ إجراءات جدية والتحضير لعقد مثل هذه الانتخابات. وبتاريخ 28 مايو 2002، أصدر رئيس السلطة الوطنية، آنذاك، ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً يقضي بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، يترأسها وزير الحكم المحلي في حينه، جمال الشوبكي. وفي شهر يوليو 2003، أعلن الشوبكي أن اللجنة العليا للانتخابات “بدأت الاستعدادات لإجراء انتخابات مجالس الهيئات المحلية في الأراضي المحتلة، مؤكداً أن اللجنة ستقدم تصوراتها وآلية العمل المقترحة وفق جدول زمني للحكومة حتى تتخذ الإجراءات الضرورية لإجراء انتخابات في أي مدينة أو مجلس تتوافر فيه الشروط الملائمة دون انتظار الانتخابات المحلية على المستوى الوطني.”[2] وبتاريخ 31 ديسمبر 2003، أعلن وزير الحكم المحلي أن الانتخابات المحلية من المرجح أن تعقد في منتصف العام 2004، في المناطق الملائمة وغير الخاضعة لسيطرة قوات الاحتلال بشكل مباشر.[3] غير أن هذا الموعد انقضى دون أن تعقد تلك الانتخابات. وخلال الأسابيع الأخيرة من العام 2004، طرأت تطورات على بنية السلطة الوطنية في أعقاب وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المفاجئة في 11 نوفمبر، والانتقال الهادئ للسلطة، تبع ذلك جملة من الإجراءات الهامة على صعيد الانتخابات العامة والمحلية. فقد عقد الانتخابات الرئاسية في التاسع من يناير 2005، وأعلن عن عقد الانتخابات التشريعية في تموز 2005، فيما عقدت المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
عقدت الانتخابات بموجب القانون رقم (5) لسنة 1996 بشأن انتخابات مجالس الهيئات المحلية وتعديلاته. وأشرف على تنظيمها اللجنة العليا لانتخابات مجالس الهيئات المحلية، وهي لجنة يتم تعيين أعضائها، وفقاً للقانون المذكور، بموجب أمر رئاسي يصدر عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ويرأسها وزير الحكم المحلي الفلسطيني، وهو أمر سبق وأن انتقده المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، في ضوء وجود لجنة أخرى موازية – لجنة الانتخابات المركزية – تختص بالإشراف على الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية، مطالباً بإيجاد لجنة وطنية واحدة تشرف على الانتخابات المحلية والعامة على السواء وتكون مشكلة بقوة الدستور. وبموجب القانون (5) لسنة 2004 بشأن تعديل بعض أحكام قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية رقم (5) لسنة 1996، الصادر في 1 ديسمبر 2004، فقد تم إلغاء اللجنة العليا للانتخابات ليحل مكانها لجنة الانتخابات المركزية، على أن تستمر اللجنة العليا في ممارسة مهامها لمدة عام. وبموجب ذلك فإن اللجنة العليا هي الجهة القانونية المختصة بالإشراف على الانتخابات المحلية الراهنة وتنظميها. كما كان من أبرز التعديلات التي أقرها القانون المعدل ضمان التمييز الإيجابي لصالح النساء، حيث نصت المادة 28 منه على أنه “حيثما رشحت امرأة نفسها يجب أن لا يقل تمثيل النساء في أي من مجالس الهيئات المحلية عن مقعدين، لمن يحصلن على أعلى الأصوات من بين المرشحات.” إضافة إلى النص على انتخاب رئيس المجلس المحلي وفقاً للمادة (31) حيث تذكر الفقرة الثانية أن المجلس ينتخب له رئيساً “بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه.”
إن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يدعم كل مبادرة من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة في السلطة الوطنية الفلسطينية، سواء أكانت على المستوى الوطني أم على المستوى المحلي. وينظر المركز بارتياح إلى إجراء الانتخابات المحلية في أية هيئة محلية، حيث تكتسب الانتخابات المحلية أهمية خاصة في ضوء المشاركة واسعة النطاق فيها من جميع أطياف العمل السياسي الفلسطيني. فالانتخابات تمثل إجماع شعبي وتحظى بدعم كافة القوى السياسية الوطنية والإسلامية على حد سواء، بما فيها القوى التي قاطعت الانتخابات الرئاسية التي جرت في التاسع من يناير المنصرم، والانتخابات العامة الأولى التي جرت في السلطة الوطنية في العام 1996.
واستكمالاً لدوره الرقابي، فقد قام المركز في اليوم التالي لعقد الانتخابات بإصدار تقييمه الأولي على عملية الانتخابات، وفقاً للمسح الأولي للتقارير والاستمارات التي أعدها المراقبون عن كل محطة من محطات الاقتراع، أعرب فيه عن ارتياحه لسير كافة عمليات الاقتراع والفرز بصورة منظمة وهادئة حيث اتسمت كافة المراحل بالنزاهة في جميع محطات الاقتراع. كما ثمن المركز عالياً في تقييمه الأولي كافة الجهود المبذولة لإنجاح الانتخابات، وفي مقدمة ذلك الدور الذي لعبته اللجنة العليا للانتخابات المحلية بكل طواقمها في التحضير لهذه الانتخابات وتنظيمها على هذا المستوى المثير للانطباع. كما ثمن عالياً الدور الذي لعبه المراقبون المحليون والدوليون في الرقابة على الانتخابات.
إن هذا التقرير يعتبر خلاصة تقييمية للدور الرقابي الذي قام به المركز على كافة عمليات الاقتراع والفرز. حيث يتطرق في البداية إلى دور المركز الفلسطيني في الرقابة على الانتخابات المحلية، ومن ثم يتناول التجهيزات الفنية في محطات ومراكز الاقتراع، إضافة إلى افتتاح يوم الاقتراع، وسير عملية الاقتراع، كما يتطرق إلى انتهاء وإقفال مراكز ومحطات الاقتراع، وإلى عمليات العد والفرز، وانتهاءها في المحطات، إضافة إلى عملية تجميع المحاضر في المكتب التنفيذي، والقضايا التي رفعت على اللجنة العليا للانتخابات المحلية. وفي نهاية التقرير تم الخروج ببعض التوصيات والملاحظات حول عملية الاقتراع والفرز التي نظمتها اللجنة العليا للانتخابات المحلية.
دور المركز في الرقابة على الانتخابات المحلية
قررت اللجنة العليا للانتخابات المحلية اعتماد هيئات المراقبة المحلية والدولية التي كانت قد اعتمدتها لجنة الانتخابات المركزية، كهيئات مراقبة للانتخابات المحلية. وباعتبار أن المركز الفلسطيني هيئة رقابة محلية معتمدة من قبل لجنة الانتخابات المركزية، فقد حرص على أن يمارس دوره الرقابي على انتخابات الهيئات المحلية، لأهمية هذه الانتخابات التي طال انتظارها. وفيما يتعلق بالمراقبين التابعين للهيئات المحلية والدولية، فقد أصدرت اللجنة العليا قراراً يقضي بسريان مفعول البطاقات التي أصدرتها لجنة الانتخابات المركزية ضمن الدفعة الثانية والتي تنتهي صلاحيتها بتاريخ 30 يونيو 2005، أما المراقبين التي انتهت صلاحية بطاقات الرقابة التي بحوزتهم بتاريخ 30 ديسمبر 2004 فقد طلبت اللجنة العليا من كافة هيئات الرقابة إرسال أسماءهم لإصدار بطاقات جديدة لهم. لذا، فقد قام المركز بإرسال أسماء 18 مراقباً من مراقبيه، الذين انتهت صلاحيات بطاقاتهم، وقامت اللجنة بإرسال 10 بطاقات فقط، وعند استفسار المركز عن ذلك أفادت بأنها خصصت لكل هيئة رقابة 10 بطاقات فقط، وأن البطاقات الصادرة لا تحتوي على اسم المراقب، وبالتالي سيتمكن أكثر من مراقب من استخدامها.
باشر المركز الفلسطيني استعداداته للرقابة، حيث شرع بتنظيم دورات تدريبية لـ 73 مراقباً، موزعين على الدوائر الانتخابية العشر، كانوا ضمن فريق عمل المركز الذي شارك في الرقابة على الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى 7 مراقبين من طاقم موظفي المركز، قاموا بالإشراف على عمل المراقبين. كما تم إعداد استمارة خاصةً للرقابة على الانتخابات المحلية، وزعت على كافة المراقبين، تحتوي على تفاصيل عملية الاقتراع والفرز التي يجب مراقبتها وتسجيل ملاحظات بشأنها. وذلك لضمان تماثل توجهات المراقبين، ولضمان توفر قاعدة معلومات كافية حول القضايا التي يعنى المركز بمراقبتها حول العملية الانتخابية، والتأكيد من تطبيقها وفقاً للقانون رقم (5) لسنة 1996 بشأن انتخابات مجالس الهيئات المحلية، ووفقاً للتعليمات الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات المحلية.
نسخة تجريبية