أكتوبر 30, 2024
انتهاء أكتوبر الوردي لعامه الثاني دون فحوصات مبكرة: الهجوم العسكري الإسرائيلي يضاعف مخاطر إصابة النساء بالسرطان ويحرمهن من العلاج
مشاركة
انتهاء أكتوبر الوردي لعامه الثاني دون فحوصات مبكرة: الهجوم العسكري الإسرائيلي يضاعف مخاطر إصابة النساء بالسرطان ويحرمهن من العلاج

يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بأبشع صورها ضد سكان قطاع غزة، حيث تطال آثارها الوحشية النساء دون أي حماية. تُقتل النساء ويُجبرن على النزوح من مكان إلى آخر، في ظل انعدام مقومات الحياة الكريمة، وتفقد الأمهات أبناءهن ومعيليهن واحدًا تلو الآخر. وتُحرم النساء الحوامل من الرعاية الصحية، ويمنعن من الإنجاب في ظروف إنسانية آمنة. وتتفاقم معاناة النساء مع نهاية شهر أكتوبر الوردي، الذي يحتفي به العالم لتشجيع النساء على إجراء الكشف المبكر عن سرطان الثدي، فللعام الثاني على التوالي تُحرم النساء في قطاع غزة من حقهن في هذا الفحص الذي يُعد أساسيًا للكشف والعلاج المبكر المنقذ للأرواح. ويعود ذلك إلى تدمير الاحتلال الإسرائيلي المنظومة الصحية بأكملها، بما في ذلك إخراج مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني، المستشفى الوحيد لعلاج السرطان، عن الخدمة.

يمثل الفحص المبكر للنساء وعلاجهن تحديًا كبيرًا في مواجهة مرض سرطان الثدي القاتل، حتى قبل السابع من أكتوبر 2023. ورغم أن هذا النوع من السرطان يُعتبر الأكثر شيوعًا بين النساء في غزة، حيث يمثل نحو 20% من إجمالي حالات السرطان المسجلة،1 إلا أن نسبة النجاة منه في غزة لا تتجاوز 65%. في المقابل، يمكن أن يرفع التشخيص المبكر والعلاج الفعّال نسب النجاة عالميًا إلى أكثر من 80%. ويعود هذا الفارق المأساوي إلى النقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية اللازمة، نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة لأكثر من 17 عامًا.2

يأتي حرمان النساء في قطاع غزة من الفحص المبكر وسط إلقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي نحو 85,500 طن من المتفجرات على القطاع منذ بدء العمليات العسكرية في السابع من أكتوبر 2023، 3 وهي كمية تفوق أضعاف وزن القنابل النووية التي أُلقيت على هيروشيما وناجازاكي، ما يثير قلقًا عميقًا بشأن الآثار البيئية والصحية الكارثية لهذه الهجمات. إذ تشير الدراسات إلى أن التعرض المكثف لبقايا المعادن الثقيلة الناتجة عن هذه التفجيرات يزيد بشكل كبير من احتمالات الإصابة بأمراض خطيرة، بما في ذلك ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان. وفي هذا السياق أفاد الدكتور صبحي سكيك، مدير مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، لطاقم المركز:” تزداد أهمية الفحص المبكر لدى النساء اللواتي تعرضن لعوامل خطر محددة، مثل التعرض للمواد المسرطنة والملوثات الكيميائية الناتجة عن الأسلحة المستخدمة في النزاعات. والنساء في قطاع غزة يتعرضن لأنواع متعددة من الأسلحة، بما فيها الفوسفور الأبيض ومعادن ثقيلة مثل التانجستون والنيكل وغيرها من المواد التي تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان. ولا تظهر الآثار الصحية لهذه المواد فوراً، بل تظهر غالبًا بعد سنوات، وهو ما يفسر الارتفاع المقلق في نسب السرطان في قطاع غزة. فقد أظهرت دراسات سابقة مشتركة بين القطاع الصحي في غزة مع وفود من إيطاليا والنرويج قبل 10 سنوات وجود مواد مسرطنة في الأسلحة والقنابل المستخدمة، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات السرطان بين السكان. وفي قطاع غزة، يتم تشخيص أكثر من 366 حالة جديدة من سرطان الثدي سنويًا، بمعدل حالة يوميًا حسب بيانات عام 2022. إلا أننا في عام 2023 و2024 شهدنا صعوبات في التشخيص بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر. ومن الجدير بالذكر أن سرطان الثدي يعتبر من الأسباب الرئيسية للوفيات، بمعدل 34.5% بين كل 100,000 نسمة، وهو في المرتبة الثانية بعد سرطان الرئة كسبب للوفيات في غزة. وبالتالي يعد غياب الفحص المبكر للسرطان تهديداً كبيراً لصحة النساء وحياتهن.”

على صعيد آخر، تواجه النساء المصابات بالسرطان في قطاع غزة تحديات جسيمة بسبب انعدام العلاج نتيجة خروج مستشفى الصداقة، المستشفى الوحيد المخصص لمرضى السرطان، عن الخدمة. رغم محاولات الطاقم الطبي لتقديم الرعاية في مستشفيات أخرى، فإن الاستهداف الممنهج للمرافق الصحية ونقص الأدوية، بما في ذلك مسكنات الألم، يحول دون ذلك. كما تمنع السلطات الإسرائيلية سفر هؤلاء المريضات لتلقي العلاج، حيث أُغلق حاجز بيت حانون منذ 7 أكتوبر 2023، مما حال دون وصول مئات المريضات إلى الرعاية الصحية في الضفة الغربية وإسرائيل والأردن. كما تعاني المريضات من ظروف صحية متدهورة بسبب التعرض للمتفجرات وغاز الفوسفور الأبيض المحرم دوليًا، بالإضافة إلى النزوح القسري والسير لمسافات طويلة تحت تهديد القصف. وفي مراكز الإيواء، يفتقرن إلى الحد الأدنى من مقومات الصحة والعزل، مما يسهم في انتشار الأمراض المعدية. ومع سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال، أصبحت المواد الغذائية الصحية والمياه النظيفة شبه منعدمة، مما يهدد صحتهن بشكل خطير ويعرضهن لخطر المضاعفات الصحية والموت.

أفادت السيدة نڤين حسين محمد (الجديان)،41 عامًا، لطاقم المركز: “في عام 2017، تم تشخيصي بسرطان الثدي، وبدأت رحلتي الطويلة مع العلاج الكيميائي والإشعاعي في مستشفى المطلع بالقدس بعد الحصول على التحويلة من وزارة الصحة. وقد واجهت صعوبات في السفر لتلقي العلاج، لكن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان كان دائمًا بجانبي وساعدني في تجاوز تلك العقبات. وفي الأيام التي سبقت الحرب كنت أجري صورة للثدي كل ستة أشهر في مستشفى الصداقة التركي والذي خرج عن الخدمة منذ بداية الحرب، كانت آخرها في أغسطس 2023، وكان يفترض أن تكون الصورة التي تليها في ديسمبر 2023، إلا أن الحرب بدأت وإلى الآن لم أراجع أي جهة بخصوص هذا الأمر، ولا توجد متابعة، ولا يتسنى لي الاطمئنان على صحتي. الآن، أشعر بآلام شديدة في المعدة والمفاصل، وعليه أخبرتني الطبيبة الموجودة في النقطة الطبية في المخيم بضرورة مراجعة طبيب مختص ولكنني لا أستطيع. بينما أستيقظ في صباح كل يوم لتبدأ معركتي مع الحياة بإشعال النار للطبخ، وملء ما يمكن تعبئته بالماء بعد طابور طويل، وغيرها من الأعمال الشاقة. وأخشى أن المرض قد يعود في ظل هذه الظروف الصعبة.”

كما أفادت السيدة كفاية فتحي محمد أبو معوض، 36 عامًا: “أنا مريضة بسرطان الثدي منذ ثلاث سنوات، لكن تم اكتشافه متأخرًا. أخبرني الطبيب بضرورة إجراء عملية جراحية لاستئصال الثدي بسبب وجود ورم خبيث، وكان من المفترض إجراء العملية قبل اندلاع الحرب، لكن العدوان حرمني من حقي في العلاج. نزحت إلى مدارس الوكالة في منطقة النصيرات في بداية الحرب، حيث نعيش في حالة من الرعب والخوف، ويتدهور وضعي الصحي بشكل متزايد، خاصة أنني لم أبدأ العلاج بعد. إن ظروف العيش في مركز الإيواء سيئة، فلا يتوفر الغذاء الصحي، والطعام عبارة عن معلبات ضارة بصحتي. كما نفتقر إلى والفيتامينات والمسكنات الضرورية. إن استمرار الحرب، يعوق علاجي ويزيد آلامي ويضاعف قلقي من الموت.”

إن حرمان النساء من الفحص المبكر لمرض سرطان الثدي، وتأخير اكتشاف المرض يعرض النساء في غزة لخطر الموت البطيء، وهو انتهاك يدخل ضمن الفعل الثالث من أفعال الإبادة الجماعية “إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا”.4 كما أدى حرمان الاحتلال الإسرائيلي مريضات السرطان من الوصول إلى العلاج، سواء داخل غزة أو خارجها إلى وفاة العديد منهن، وإخضاع البقية منهن لظروف معيشية تُفضي إلى تدميرهن المادي، وإلحاق أذى جسدي ونفسي جسيم بهن كما تم توضيحه آنفاً. ويدخل ذلك ضمن ارتكاب دولة إسرائيل الأفعال الثلاثة الأولى من المادة الثالثة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.5

 وفي هذا السياق، يطالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بممارسة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإلزامه بما يلي:

  1. وقف جميع أفعال الإبادة الجماعية: التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية الصحية في قطاع غزة، مما يتيح لهم، بما في ذلك النساء، الوصول إلى الرعاية الطبية الضرورية.
  2. تنفيذ الأوامر المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، وذلك لتيسير تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، ومنع جميع أشكال العنف. ويشمل ذلك السماح بإعادة تشغيل مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني بكامل طاقمه ومعداته، وتزويده بالأدوية والعلاجات الضرورية.
  3. الوفاء بالالتزامات القانونية كقوة قائمة بالاحتلال، حيث يتعين عليها ضمان تمتع جميع الأفراد بأعلى مستوى ممكن من الصحة وسهولة وصولهم إلى الرعاية الصحية.

  1. مقابلة أجراها طاقم المركز عبر الهاتف مع الدكتور صبحي سكيك، مدير مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني بتاريخ 27/10/20204. ↩︎
  2. منظمة الصحة العالمية، الرحلة المضنية التي يخوضها المرضى في غزة لعلاج السرطان
    https://www.emro.who.int/ar/2019-arabic/gaza-patients-painful-journey-to-cancer-treatment.html ↩︎
  3. بيان رقم (657) صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي (25 أكتوبر 2024).
    https://t.me/s/mediagovps ↩︎
  4. لا تهدف هذه التدابير، المعروفة باسم “الموت البطيء” إلى قتل الأفراد على الفور، بل تسعى إلى تدميرهم جسديًا تدريجيًا من خلال الحرمان المتعمد من الموارد الأساسية للبقاء، مثل الغذاء والرعاية الطبية. ↩︎
  5. “(أ) قتل أعضاء من الجماعة، (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، (ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً”. ↩︎
مواضيع أخرى