راوية فهمي محمد حلس، 43 عامًا، أرملة منذ 2016 وأم لـ 5 أبناء، أسكن في الشجاعية في غزة، وحاليا نازحة في دير البلح وسط قطاع غزة.
لدي 5 أبناء، وهم: فهد (22 سنة)، براء (18 سنة)، أحمد (10 سنوات)، سارة (20 سنة)، وفرح (19 سنة)، وهي متزوجة وتمكث الآن معي هي وزوجها. أنا مقعدة على كرسي متحرك منذ 2018، أي بعد وفاة زوجي بسنتين، أصبح عندي تجلطات على النخاع الشوكي جراء الحزن الشديد على زوجي الذي كان مصابا من الاحتلال الإسرائيلي سابقا واستشهد جراء إصابته فيما بعد، ومن ذلك الوقت وأنا مقعدة على كرسي متحرك.
في السابع من أكتوبر 2023، استيقظنا على أصوات الانفجارات، حيث يقع منزلي على جهة حدودية قبالة ناحل العوز، شرق غزة. كنت أعتقد أن ما يحدث هو صوت رعد، لم يخطر ببالي أن الحرب قد قامت، وتبين لي وجود اشتباكات بين المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي. كان ذلك عند الساعة السابعة والنصف صباحا، وأطلقت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية صاروخاً تجاه أرض خالية بجانب منزلي. نظرت من الجهة الأخرى فوجدت الجيران حولنا يخلون المكان ويقومون بالنزوح لمناطق أخرى، حيث إن منطقتنا لم تعد آمنة. عند رؤيتي للناس تخرج من منازلها أصابني الخوف على أبنائي فخرجنا نركض في الشارع، منا حفاة الاقدام، منا من أخذ بضع ملابس بحقيبة، أقدام الكرسي المتحرك مع العجلات لم نأخذها، قام ابنائي بإنزال الكرسي عن الطابق الثاني وأحدهم قام بتعكيزي على درج المنزل وابنتي كانت تقوم بإنزال قدمي التي لا أستطيع تحريكها عن الدرج حتى نزلنا إلى الشارع وإطلاق النار والقصف فوق رؤوسنا خرجنا وأبنائي يركضون ويجرون الكرسي المتحرك الخاص بي. كان الخط العام مليء بالإسعافات وأثناء سيرنا تم استشهاد سيدة على الطريق من النازحين خلفنا، وتوجهنا إلى منزل أهلي، كانوا بالقرب منا ولكن منطقتهم أكثر أمانا تعد جهة غربية منطقة سوق الجمعة.
مكثت لدي أهلي مدة 3 أيام، كانت أياما مرعبة لا يمكننا النوم فيها من شدة القصف، كانت حركتنا جدا محدودة. ثم قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإرسال رسائل على هواتفنا بإخلاء المنازل من الجهة الغربية، جهة سوق الجمعة منطقة الشجاعية. بتاريخ 10/10/2024 الساعة العاشرة صباحا خرجنا من منزل أهلي بسبب كثرة القصف في الليل، ونزحنا إلى منطقة تل الهوا في مدرسة تل الهوا للبنات. كانت المدرسة مكتظة جدا بالنازحين من مختلف المناطق ولم يكن فيها متسع فاتخذنا من الممرات مكانا لنا، وضعنا شادر وأحطناها بعدة حرامات. كنا في مكان صغير ما يقارب 35 شخصا، مكثنا فيها مدة 3 أيام تم فيها قصف عدة منازل ومواقع في تلك الفترة كنا نعتقد في كل مرة يتم فيها القصف بأن الاستهداف للمدرسة من شدة أصوات القصف.
يوم الجمعة بتاريخ 13/10/2024 وصلت رسائل لسكان منطقة تل الهوا بإخلاء المنطقة بالإضافة إلى أن إدارة المدرسة أخلت غرفة الإدارة وتم ابلاغنا من قبلهم بانهم غير مسؤولين عن بقاء أي نازح في المدرسة وقاموا بالنزوح من المدرسة وإعفاء انفسهم من المسؤولية تجاه النازحين وترك الموضوع بأيدي النازحين إما البقاء أو النزوح جنوبا. ومع رؤيتنا لأهل المنطقة يخرجون من منازلهم وأيضا نزحنا من مدرسة تل الهوا مع أذان الظهر. وجدنا سائقا ليقلنا للجنوب ولكنه رفض نقل الكرسي المتحرك الخاص بي ووافق على نقل السيدات فقط، مما اضطر أبنائي وأخوتي لوضع بضع حرامات على الكرسي وجره طوال الطريق من غزة إلى منطقة دير البلح، ووصلنا تقريبا لمنطقة دير البلح مع أذان المغرب. كانت الطريق جدا مزدحمة وآلاف السكان من غزة وشمالها ينزحون في هذا اليوم. كان القصف طوال الطريق، الشوارع أغلبها تم تدميرها، وكان السائق يغير طريقه لأكثر من مرة بسبب عدم إمكانية الدخول في الشوارع من الدمار الذي حل بها، وتم قصف اكثر من مكان على طريق صلاح الدين الذي زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه ممر آمن للتوجه جنوبا وتم استهداف سيارة تقل نازحين على طريق صلاح الدين. عند وصولنا للجنوب إلى منطقة دير البلح استقبلنا اهل منطقة دير البلح بزجاجات المياه المعدنية وعلب التمر. وعندما وصلنا لم يكن بحوزتي الكرسي المتحرك بعد، فقام سكان المنطقة بتوفير كرسي لأجلس عليه واعطائي (الووكر) لأمشي فيه وصولا للمدرسة، وبقيت أمام بوابة المدرسة بانتظار أبنائي وأخوتي للوصول.
مدرسة دير البلح الابتدائية أ+ب المشتركة كانت مكتظة بالنازحين، بحثنا عن مكان للبقاء فيه ولكن كانت الصفوف جميعها ممتلئة. بحث أخوتي وابنائي لي عن مكان يكون في الطابق الأرضي وبالقرب من المرافق الصحية بسبب وضعي الصحي وعدم قدرتي على صعود الدرج او التنقل من مكان إلى آخر إلا عن طريق الكرسي المتحرك. فقامت عائلة في أحد الصفوف الأرضية باستقبالي انا وابنتي لديهم فقام أبنائي بوضع عدة طاولات ووضعوا عليها الحرامات لتكون سريرا لي لعدم قدرتي على النوم أرضا وكنت أضع حقيبتي تحت رأسي كوسادة وابنتي كانت تنام بجانبي أرضا على حرام إلى حين قيام المدرسة بتسليمنا فرشة.
قبل السابع من أكتوبر كنت ملتزمة بجلسات العلاج الطبيعي فكانت تأتي لمنزلي أخصائية علاج طبيعي لمعالجتي 3 مرات أسبوعيا وكنت أشعر بقدمي إلى حد ما. ولكن منذ بداية الحرب ونزوحي لم أجر أي جلسات علاج طبيعي مما أدى إلى تدهور حالة قدمي إلى الأسوأ وتصلبت بحيث لا أشعر بها نهائيا، بالإضافة إلى علاج خاص كنت استعمله للأعصاب لأن قدمي اليمنى العصب فيها ضعيف. تراجع وضع قدمي إلى الأسوأ وأصبحت في خمول وكسل وضعف حركة بنسبة 99%
الآن لأنا بحاجة إلى كرسي متحرك أقدامي ملقاة على الأرض بسبب عدم وجود أقدام لكرسي المتحرك بالإضافة إلى أن الكرسي عجلاته تعطلت ولا يمكنني استعماله لوحدي إلا عن طريق مساعدة أحد أبنائي بالإضافة إلى أنني بحاجة إلى سرير طبي، فالسرير المتوفر لدي حاليا عبارة عن بضعة أخشاب قام أبنائي بتجميعها على هيئة سرير وتربيط فرشة بها ولكني وقعت أكثر من مرة عنه أثناء نومي. عدا عن معرفتي بأن المنزل الذي احتواني انا وابنائي قد دمر من جيش الاحتلال الإسرائيلي ولم يتبق منه شيء، أوراقنا الشخصية بقيت في المنزل، وأبنائي لا يزالون صغار السن لا يقدرون لا على إعادة بناء ما تدمر ولا على إعالة عائلة. كنا نقوم بالإنفاق من المال الذي كنا نحصل عليه راتب زوجي الشهيد. ولكن منذ شهر 12/2024 لم ينزل راتب الشهيد ولم نحصل عليه ولكن أتدبر أمري وأمر ابنائي عن طريق أقارب لنا من الخارج يقومون بإرسال بعض الأموال لنا وبالإضافة إلى اعتمادنا الكبير على ما توفره لنا المدرسة من مساعدات.
تضاءلت أمنياتي في التحسن والسير إلى عودتي للحصول على العلاج الطبيعي والشعور مرة أخرى بقدمي لو1%.
لا أستطيع شراء الملابس لي ولأبنائي بسبب الغلاء غير الطبيعي في الأسعار بالإضافة إلى عدم توفر الملابس المناسبة للتواجد في مدرسة مكتظة بالنازحين، لا يوجد احذية، الوضع المادي سيء جدا خاصة في ظل عدم وجود معيل للأسرة
أبنائي هم الداعم الوحيد لي في هذه الحياة، كبروا قبل أوانهم، قاموا بفترة من فترات الحرب ببيع المعلبات لإعالتنا وتوفير المال. أبنائي دائما ما احتضنوني وقاموا بمساعدتي، والآن لا أعلم ما نهاية هذا الوضع المأساوي. لا يمكننا توقع ما سيحدث في الأيام القادمة ومخاوفي تزداد مع تزايد وتيرة هذه الحرب، وخوفي على أبنائي من حدوث شيء أو حتى النزوح من المكان في وضعي هذا.
نسخة تجريبية