أكتوبر 1, 2024
الموت يهدد حياة آلاف المرضى إن لم يفتح ممر إنساني لاجلائهم من قطاع غزة لتلقي العلاج
مشاركة
الموت يهدد حياة آلاف المرضى إن لم يفتح ممر إنساني لاجلائهم من قطاع غزة لتلقي العلاج

يستنكر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان حرمان آلاف المرضى والجرحى من حقهم في السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة، ويؤكد أن منع الحالات الحرجة من السفر الفوري تسبب بوفاة المئات منها بصمت مؤلم بعد رحلة عذاب داخل أروقة المرافق الصحية المنهارة نتيجة استمرار العدوان الحربي، حيث كان بالإمكان انقاذ حياتهم لو سُمح لهم بالسفر والوصول إلى العلاج في الوقت المناسب.

مرة أخرى، وبحلول عام كامل من العدوان على قطاع غزة، يُجدد المركز نداءه للمجتمع الدولي بضرورة ممارسة ضغط حقيقي على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل فتح ممرات آمنة لإخلاء مرضى قطاع غزة، وتمكينهم من السفر لتلقي العلاج دون أي قيود، بما في ذلك حرية التنقل إلى المستشفيات الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة.

ويرى المركز أن دولة الاحتلال خلقت واقعاً كارثياً وبيئةً غير إنسانية تقتل مرضى قطاع غزة بلا أي رحمة، فلا مستشفيات مجهزة تستقبلهم بعد تدمير معظمها، وقتلها والتنكيل بالعاملين الصحيين فيها، وترك المتبقي منها بلا دواء ومستلزمات وأجهزة طبية بسبب القيود على دخولها، فهي عن سبق إصرار وترصد تمنع إخلاءهم للعلاج خارج قطاع غزة تكريسا لسياسة العقاب الجماعي المخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي تعتبر جريمة حرب وفقاً لميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

ويؤكد المركز أنه لا يمكن فصل كل هذه الانتهاكات عن جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق سكان قطاع غزة، فوفق منظمة الصحة العالمية يتم حرمان قرابة 14 ألف مريض وجريح فلسطيني من السفر لتلقي العلاج، ما يعني أن الاحتلال حكم عليهم بالموت البطيء والمؤلم، ومارس عمداً أذى جسدي ونفسي عليهم، من خلال عرقلة وصولهم للخدمات المنقذة لحياتهم، وحرمهم من إجراء عمليات نوعية ومتخصصة لا تتوفر في مستشفيات القطاع.

فمع بدء هجماتها الحربية في أكتوبر 2023، منعت قوات الاحتلال آلاف المرضى من السفر عبر معبر بيت حانون “ايرز” للعلاج أو لاستكمال العلاج في مستشفيات الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس المحتلة، ما تسبب بتدهور أوضاعهم الصحية. وقد تمكن عدد محدود من المرضى يقدر بـ 4895 مريضاً من السفر عبر معبر رفح وفق آلية كانت تتحكم بها القوات الإسرائيلية قبل سيطرتها عليه وإغلاقه بشكل كلي في شهر مايو من العام الحالي.[1]

في الوقت الراهن تتبع سلطات الاحتلال آلية سفر عقيمة، حيث سمحت خلال الشهور الخمسة الماضية بسفر 216 مريضاً فقط، رافقهم 318 من ذويهم إلى دول عربية كالإمارات ومصر والأردن[2]، ويعتبر هذا العدد ضئيل جداً مقارنة بعدد المرضى ممن هم بحاجة للعلاج في الخارج، ما يعني أن آلاف المرضى والجرحى يفقدون فرص نجاتهم الوحيدة خلال انتظارهم الموافقة البطيئة والمحدودة من قوات الاحتلال.  وبحسب الآلية المتبعة حالياً، يضطر المرضى للقيام برحلة طويلة وخطيرة أولًا داخل غزة، ثم إلى إسرائيل، وبعدها إلى بلد ثالث، نتيجة رفض إسرائيل السماح للمرضى بالمغادرة لتلقي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية والقدس المحتلة.

يفيد الطبيب هاني الفليت رئيس قسم الأطفال في مستشفى شهداء الأقصى، حول أهمية تحويل حالات حرجة من الأطفال تعجز المستشفيات في قطاع غزة عن علاجهم[3] بما يلي: “لدينا داخل قسم الأطفال عدد من الحالات المرضية لأطفال يحتاجون خدمات علاجية متقدمة غير متوفرة في قطاع غزة حتى في الفترة التي سبقت العدوان الحالي. الآن هنالك تهديد حقيقي على حياة الحالات الموجودة في القسم، خصوصاً الأطفال الذين يُولدون بعيب خلقي في القلب، حيث كان يجري تحويلهم مباشرةً إلى مستشفيات الضفة الغربية، لعدم توفر جراحين متخصصين في مستشفيات القطاع. وأيضاً كان يجري تحويل مرضى السرطان من الأطفال، والأطفال الذين يعانون من الروماتيزم، فهم بحاجة لعلاج كيميائي وبيولوجي غير متوفر في قطاع غزة. على أثر ذلك توفى العديد من الأطفال نتيجة عدم توفر علاجات لهم أو تدخلات جراحية مناسبة لحالاتهم، نظراً لعدم وجود أطباء متخصصين والإمكانيات المحدودة بسبب انهيار منظومة عمل المستشفيات، لذا فنحن نتعامل مع الحالات الحرجة بما هو متوفر على المستوى الدوائي إلى حين حصول هؤلاء الأطفال على موافقة للسماح بسفرهم لتلقي العلاج في الخارج.”

ويؤكد ذلك حالة الطفل الرضيع محمد تيسير دياب نعيم، الذي وُلد بعيّب خلقي في القلب، ويحتاج للسفر العاجل لعدم إمكانية اجراء عملية جراحية له داخل مستشفيات القطاع، وعن معاناته أفاد والده لباحث المركز[4]، بما يلي: “طفلي محمد يبلغ من العمر 5 أشهر، يعاني منذ الميلاد من ثقب في القلب، بالإضافة إلى ثقب آخر في الرئتين، وهو بحاجة للسفر بشكل عاجل لإجراء عدة عمليات جراحية تنقذ حياته. خلال الفترة الماضية حصلنا على التحويلة الطبية وما زلنا ننتظر الموافقة على السفر من قبل السلطات الإسرائيلية.  الحالة الصحية لإبني تتدهور، وأخشى كثيراً أن أفقد حياة إبني قبل السماح له بالسفر.

من بين هؤلاء المرضى أيضاً نحو 10 آلاف مريض بالسرطان بحاجة لاستكمال علاجهم، منهم 4200 سيدة مريضة بالسرطان، ونحو 750 طفلاً مصاباً بالسرطان وأمراض خطيرة أخرى، ذلك في الوقت الذي يتم تشخيص نحو 200 حالة مرضية شهرياً بالسرطان.[5]  وقد سُجل وفاة 436 مريضاً بالأورام حتى نهاية يوليو 2024[6]،  فيما توفي نحو 650 من أصل 1400 مريضاً بالكلى، بعد عدم تمكنهم من إجراء عمليات الغسيل الكلوي، وعدم تحويلهم للعلاج بالخارج، بالإضافة إلى كثير من المرضى ماتوا بصمت دون التمكن من رصد حالتهم.[7]  ويرقب ما لا يقل عن ألفي مريض بأمراض أخرى ورود أسمائهم ضمن قوائم المرضى المسموح لهم بالسفر إضافةً إلى الآلاف من جرحى العدوان الحربي المستمر، منهم نحو 5 آلاف مصاب يحتاجون لزراعة أطراف علوية أو سفلية.[8]

كذلك يفيد الجريح سامح صالح سعد، 41 عاماً، من سكان حي التفاح شرق مدينة غزة، لباحث المركز بما يلي[9]:أصبت بتاريخ 3/1/2024، بشظايا قذيفة دبابة إسرائيلية أثناء تواجدي في منزلي في منطقة الشعف، نقلت على أثرها لمستشفى الشفاء لتلقى العلاج، تبين أنني بحاجة لإجراء عمليات جراحية في قدمي اليسرى، نتيجة إصابتها بشظايا تسببت في حدوث تهتك في العظام، نتج عنها قصر بطول 15 سم عن القدم اليمنى.  لم يتمكن الأطباء في مستشفى الشفاء من إجراء العملية الجراحية لعدم توفر الإمكانيات، وقد تم تحويلي لعدة مستشفيات جراء التهديد بالاجتياح والمطالبة بالإخلاء، وما زلت انتظر الموافقة على السفر للعلاج وزراعة عظم في قدمي اليسرى.

يُشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي نفذت نحو 1000 من الهجمات الحربية على المنشآت الصحية في قطاع غزة،[10] وساهمت بفرض ظروف مأساوية لما تبقى من هذه المنشآت، تضمنت انقطاع التيار الكهربائي، ونقصاً مزمناً في الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات، إضافةً إلى العجز  في الادوية والأهزة الطبية المتخصصة الدوائي والأدوات المساعدة في العمليات الجراحية، بحيث تعمل الآن 17 مستشفى جزئياً من أصل 35 كانت تعمل قبل العدوان، بنسبة إشغال أسرة بلغت 439%. [11]   كما أوقعت هذه الهجمات نحو 986 قتيلاً من العاملين الصحيين، منهم 146 طبيباً، ونحو 260 ممرضاً في مختلف التخصصات  الصحية.[12] وكان من بين الأطباء القتلى اثنين من أصل خمسة أطباء متخصصين في الباثولوجي، وهو أهم التخصصات في تشخيص وعلاج مرضى الأورام السرطانية، بالإضافة إلى مقتل 39 أخصائي علاج طبيعي.[13] كذلك اعتقلت 310 عاملاً صحياً في ظروف احتجاز قاسية، ومارست أنواع التعذيب بحقهم.[14]  

وبعد مرور نحو عام على العدوان، وفي ظل غياب أي رادع حقيقي، تواصل دولة الاحتلال تنكرها لقرارات محكمة العدل الدولية، الصادرة بتاريخ 28 يناير2024، التي تلزمها باتخاذ تدابير كافية تضمن عدم ارتكاب جريمة إبادة جماعية.   يؤكد المركز على أن عامل الوقت في إجلاء المرضى حاسم وضروري جداً لإنقاذ حياتهم، لذا فإنه يحذر من خطورة استمرار الوضع الراهن وتداعياته على إعمال الحق في الصحة للمرضى في قطاع غزة وفقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وفي ضوء ذلك:

  • يوصي المركز بضرورة الضغط على السلطات المحتلة من أجل عودة العمل بآلية تحويل المرضى لتلقي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية والقدس المحتلة، والسماح لهم باجتياز معبر بيت حانون “ايرز”، دون قيود أو تعقيدات، نظراً لأوضاعهم الصحية الخطيرة..
  • يرحب بأي جهد إضافي يتم فيه تمكين المرضى من السفر للعلاج خارج قطاع غزة، غير أنه يحذر من اتباع سلطات الاحتلال الآلية الحالية البطيئة، والتي يتم السماح فيها لفئات محدودة من المرضى والجرحى وحرمان الكم الأكبر منهم، وفق سياسة العقاب الجماعي المعهودة والتي اعتادت عليها سلطات الاحتلال حتى قبل العدوان، باعتمادها معايير مجحفة تخالف اتفاقية جنيف الرابعة وتحرم المرضى من حقهم في التنقل والسفر لتلقي العلاج وإنقاذ حياتهم.
  • كما يجدد المركز دعوة المقرر الخاص بالصحة، وكافة المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية بعدم ادخار أي جهد يخفف من معاناة آلاف المرضى والجرحى الفلسطينيين، ويضمن إخلاءهم بطرق آمنة لتلقي العلاج الضروري والعاجل.

[1] تقرير المركز، مرضى قطاع غزة ضحايا الإبادة الجماعية، يونيو 2024، رابط إلكتروني: https://pchrgaza.org/ar/?p=22723

[2] معلومات حصل عليها باحث المركز من منظمة أطباء لحقوق الانسان، بتاريخ28/09/2024.

[3] حصل باحث المركز على هذه الإفادة داخل مستشفى شهداء الأقصى، بتاريخ 25 سبتمبر2024.

[4] إفادة حصل عليها الباحث بتاريخ 25/09/2024.

[5] تقرير المركز، مرضى قطاع غزة ضحايا الإبادة الجماعية، يونيو 2024، رابط إلكتروني: https://pchrgaza.org/ar/?p=22723

[6] بيان المركز، الاحتلال يمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحرمانه مرضى قطاع غزة من حقهم في السفر لتلقي العلاج، يوليو2024، رابط إلكتروني: https://pchrgaza.org/ar/?p=22070

[7] معلومات حصل عليها باحث المركز في مقابلة مع زاهر الوحيدي، مدير وحدة المعلومات بوزارة الصحة، بتاريخ 23/9/2024.

[8] منظمة الصحة العالمية، تقدير احتياجات إعادة التأهيل للمصابين في غزة باستخدام بيانات الإصابات الواردة من الفرق الطبية للطوارئ، سبتمبر2024، رابط إلكتروني: http://www.emro.who.int/images/stories/palestine/Rehab-injury-estimate-Gaza.pdf?ua=1

[9] إفادة حصل عليها باحث المركز بتاريخ 25/09/2024.

[10] مجموعة الصحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رابط الكتروني: https://healthcluster.who.int/newsroom/news/item/08-08-2024-300-days-of-war-health-crisis-in-the-occupied-palestinian-territory

[11] المرجع السابق.

[12] وزارة الصحة الفلسطينية، تقرير تفصيلي شهداء القطاع الصحي حتى 31يوليو، اغسطس2024، رابط إلكتروني:

[13] منظمة الصحة العالمية، تقدير احتياجات إعادة التأهيل للمصابين في غزة باستخدام بيانات الإصابات الواردة من الفرق الطبية للطوارئ، سبتمبر2024، رابط إلكتروني: http://www.emro.who.int/images/stories/palestine/Rehab-injury-estimate-Gaza.pdf?ua=1

[14] مركز عمليات الطوارئ الصحية، تقرير طوارئ القطاع الصحي لليوم (305)، نشرة وزعتها وزارة الصحة عبر منصات التواصل الاجتماعي، بتاريخ:06/08/2024م.