يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات الهجوم الذي قامت به عصابات مستوطنين إسرائيليين مسلحين على قرية جيت، شمالي قلقيلية في الضفة الغربية، والذي تخلله إطلاق نار أسفر عن مقتل مدني فلسطيني وإصابة آخر بجراح وإحراق منازل ومركبات للسكان في القرية، وجرى تأمين انسحابهم من قوات الاحتلال الإسرائيلي. ويحذر المركز من التعاظم غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والذي ينفذ بحماية ورعاية رسمية إسرائيلية.
وتأتي هذا الجريمة في سياق واسع من أعمال عنف يرتكبها مستوطنون نتيجة لسياسة التحريض المستمرة من وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهي تتكرر بسبب سياسة الإفلات من العقاب، والحماية التي يحظى بها العنف الذي يمارسه المستوطنون، برعاية أعلى المستويات السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال، ضمن سياسة أوسع نطاقاً تستهدف الإبقاء على سيطرة إسرائيل وهيمنتها على الضفة الغربية واستكمال مخطط التطهير العرقي للفلسطينيين.
ووفق المعلومات التي توفرت لطاقم المركز، ففي حوالي الساعة 7:30 مساء الخميس الموافق 15/8/2024، وصلت عدة مركبات تقل مجموعة مستوطنين قوامها نحو 150 مستوطنًا، أغلبهم ملثمون ويرتدون ملابس سوداء ومسلحون بمسدسات وأسلحة رشاشة، من مستوطنة جلعاد، المقامة جنوب قرية جيت، إلى القرية الفلسطينية الواقعة ضمن المنطقة c في الضفة الغربية، ورشقوا الحجارة تجاه المنازل السكنية والسكان، وشرعوا بإحراق عدد من المنازل والمركبات، بالتزامن مع إطلاق عدد من المستوطنين النار عشوائيًا تجاه المدنيين الفلسطينيين. إثر ذلك بدأت مكبرات الصوت تنادي عبر المساجد على أهالي القرية، للتجمع والدفاع عن المنازل والمركبات، فتجمع عدد من الأهالي، خلال ذلك أطلق مستوطنون النار تجاه الشاب رشيد محمود عبد القادر السدة، 23 عامًا، ما أدى إلى استشهاده على الفور جراء إصابته بعيار ناري في صدره. كما أطلقوا النار تجاه الشاب مهدي محمد الساخن، 23 عامًا، ما أدى إلى إصابته بعيار ناري في كتفه. وخلال هجومهم، أشعل المستوطنون النار في ثلاثة منازل واعتدوا على عدة مركبات وأشعلوا النار في عدد منها.
بعد نحو ساعة من اقتحام المستوطنين القرية، وصلت قوة من جيش الاحتلال إلى المكان الحادث، وبدأت بإبعاد السكان الفلسطينيين وإعاقة محاولتهم إطفاء النيران في المنازل والمركبات، وأطلقت النار وقنابل الغاز في الهواء ولم تفعل شيئا حيال اعتداءات المستوطنين، وعملت على تأمين انسحابهم من القرية. ولدى اقتحامها القرية، أغلقت قوات الاحتلال مدخلها، ومنعت دخول سيارات الدفاع المدني والإسعاف التي كانت تحاول الوصول إلى القرية لإطفاء النيران وإجلاء الضحايا.
وأفاد المواطن عمر السدة لباحثة المركز بما يلي:
“كنا في منازلنا ومع أذان المغرب سمعنا فجأة صوت صراخ ومآذن مساجد تنادي وعلمنا بدخول المستوطنين هكذا فجأة دون مقدمات، فتوجهت لمنزل ابني في ذلك الحي وأخرجته مع عائلته الصغيرة ونقلتهم لمنزلي لأنه أكثر أمانا وبعيدا عنهم، ثم بدأ الشبان بالتوافد نحو مكان الاعتداء، لحماية الناس والمنازل من المستوطنين، فتقدم الشاب رشيد سدة وكان في مقدمة الشبان الذين حاولوا إخماد النار، وإبعاد المستوطنين، فأطلق أحد المستوطنين النار تجاهه، وأدى ذلك إلى استشهاده. وأشعل المستوطنون النار في كل شيء تمكنوا منه وأطلقوا الرصاص عشوائيا، حتى غادروا بحماية قوات الاحتلال التي وصلت لاحقا، وكانوا قد عاثوا خرابا وفسادا في القرية”.
وتظهر المعلومات الأولية عن الشكل والطريقة التي جرى فيها تنفيذ الهجوم، أن الأمر يتعلق بهجم منسق من مجموعة كبيرة من المستوطنين المسلحين، وجرى دون وقوع أي أحداث في المنطقة يمكن أن تتخذ ذريعة لشن مثل هذه الهجمات كما جرت العادة.
وتأتي هذه الجريمة امتدادا لتصاعد العنف بما في ذلك جرائم القتل التي يرتكبها مستوطنون في الضفة الغربية والتي شهدت تصاعدًا كبيرًا في الأشهر الماضية، بحماية ورعاية رسمية إسرائيلية، مع الإعلان المتكرر عن تسليح المستوطنين وتشكيل مليشيات مسلحة منهم بدعم وزراء من الحكومة الإسرائيلية.
فقد وثقت طواقمنا استشهاد 4 مدنيين فلسطينيين برصاص مستوطنين منذ بداية العام الجاري، فيما استشهد 9 آخرون خلال آخر ثلاثة أشهر من العام الماضي برصاص مستوطنين أيضًا في الضفة الغربية.
جدير بالذكر أن غالبية اعتداءات المستوطنين تجري داخل المنطقة c التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتضم أغلب المستوطنات والبؤر الاستيطانية، والمواقع العسكرية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، بموجب اتفاق أوسلو. وفي غالب الأحيان تواجه طواقمنا صعوبات في الوصول إلى هذه المناطق لتوثيق الانتهاكات والجرائم، نتيجة القيود أو الاعتداءات من قوات الاحتلال أو المستوطنين.
وسجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، في الفترة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و12 آب/أغسطس 2024، ما يقرب من 1,250 هجمة شنها المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين، وقد أسفر نحو 120 هجمة منها عن سقوط قتلى وجرحى بين الفلسطينيين، ونحو 1,000 هجمة عن إلحاق أضرار بممتلكات تعود للفلسطينيين ونحو 130 هجمة عن سقوط ضحايا وإلحاق الأضرار بالممتلكات معًا.
وتجري غالبية هذه الاعتداءات بحماية من قوات الاحتلال التي تتدخل لتأمين المستوطنين خلال تنفيذ هجماتهم وانسحابهم لاحقًا، وتقمع الفلسطينيين الذين يحاولون حماية أنفسهم.
وإذ يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عنف المستوطنين فإنه يحذر من أن تصبح مثل هذه الاعتداءات معتادة مع استمرار وزراء الاحتلال ومسؤولوه بالتشجيع على ارتكاب جرائم قتل جماعي مع استمرار ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ أكثر من 10 أشهر دون أي رادع أو مساءلة جدية.
ويدعو المركز المجتمع الدولي والهيئات الأممية لتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والتدخل الفاعل لوقف جرائم قوات الاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين، والعمل على توفير الحماية لهم.
نسخة تجريبية