يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات هجوم مليشيات مستوطنين إسرائيليين مسلحين على قرية واد رحال، جنوبي مدينة بيت لحم، في الضفة الغربية، والذي تخلله إطلاق نار أسفر عن استشهاد مدني فلسطيني وإصابة 3 آخرين، وتدمير ممتلكات في القرية، ومن ثم جرى تأمين انسحابهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتأتي هذه الجريمة بعد هجوم مماثل قبل 12 يومًا في قرية جيت شمالي قلقيلية، أسفر أيضًا عن استشهاد مدني فلسطيني. ويحذر المركز من التعاظم غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والذي ينفذ بحماية ورعاية رسمية إسرائيلية.
وتأتي هذا الجريمة في سياق واسع من أعمال عنف يرتكبها مستوطنون نتيجة لسياسة التحريض المستمرة من وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهي تتكرر بسبب سياسة الإفلات من العقاب، والحماية التي يحظى بها العنف الذي يمارسه المستوطنون، برعاية أعلى المستويات السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال، ضمن سياسة أوسع نطاقاً تستهدف الإبقاء على سيطرة إسرائيل وهيمنتها على الضفة الغربية واستكمال مخطط التطهير العرقي للفلسطينيين.
ووفق المعلومات التي توفرت لطاقم المركز، وإفادات شهود العيان، ففي حوالي الساعة 8:30 مساء الاثنين الموافق 26\8\2024، اقتحمت مجموعة من المستوطنين المسلحين، قدموا من مستوطنة افرات المقامة على أراضي قرية وادي رحال، شارع المدارس في القرية الذي يبعد حوالي 100 متر عن بوابة المستوطنة، وهو شارع رئيسي وحيوي يستخدمه المستوطنون للوصول إلى بؤر استيطانية جديدة أقاموها على أراضي القرية وفي قرى مجاورة. تمركز المستوطنون الذين كانوا بملابس مدنية ومسلحين بالقرب من مدرسة ذكور واد رحال في الشارع المذكور، وشرعوا بإلقاء الحجارة تجاه المنازل المجاورة للمدرسة. ثم قدمت أعداد أخرى من المستوطنين إلى المكان ذاته على عدة مراحل، حيث بلغ مجموعهم التقريبي الإجمالي حوالي 50 مستوطناً مسلحاً بالمسدسات والأسلحة الرشاشة بالإضافة إلى العصي والحجارة. إثر ذلك احتشد العشرات من أهالي الحي أمام منازلهم محاولين الدفاع عنها، في حين فتح المستوطنون النار عشوائيًا وبكثافة تجاه الأهالي الذين حاولوا ترك مسافة بينهم وبين المستوطنين واكتفوا برشق المستوطنين بالحجارة عن بعد. استمر هجوم المستوطنين 40 دقيقة تواصلت خلالها عملية إطلاق النار، دمروا خلالها مركبتين بالكامل وأطلقوا النار باتجاه منزلين ما أدى إلى تحطيم نوافذهما وتدمير خزانات المياه على سطحيهما. وأسفر إطلاق النار عن إصابة 4 من الأهالي، أحدهم خليل سالم زيادة، 41 عاماً، أصيب بعيار ناري في ظهره أثناء تواجده مع أقربائه أمام أحد منازل عائلته في المنطقة، وكان يبعد مسافة 50 متراً عن المستوطن الذي أطلق النار باتجاهه. وجرى نقل المصابين إلى المركز الطبي في القرية عقب منع قوات الاحتلال مركبات الإسعاف من الدخول إلى القرية، حيث اقتحمت تلك القوات القرية عقب 40 دقيقة من اقتحام المستوطنين وأغلقت مداخلها ومنعت الدخول اليها، وأمنت انسحاب المستوطنين بأمان. ووفق شهود عيان، كانت قوات الاحتلال طوال فترة اعتداءات المستوطنين متواجدة عند مدخل مستوطنة افرات القريبة من مكان الحدث ولم تقم بالتدخل لمنع اعتداءاتهم. وعقب انسحاب المستوطنين وقوات الاحتلال، تم نقل المصابين الى مستشفى بيت جالا الحكومي في بلدة بيت جالا، وهناك أعلن على الفور عن استشهاد خليل سالم زيادة متأثراً بإصابته، وتبين أن حالة باقي المصابين متوسطة وأصيبوا في أطرافهم السفلية.
وأفاد شاهد عيان لباحثة المركز:
“رأينا المستوطنين المعتدين وهم يطلقون النار، المستوطن الذي أطلق النار كان يرتدي ملابس مدنية، ويقف على بعد 50 متراً عن مكان تواجد قريبي خليل سالم زيادة، 37 عاما، الذي أصيب بعيار ناري في ظهره أثناء تواجده مع مجموعة من المواطنين أمام منزل أحد أقاربنا، ولاحقا أعلن عن استشهاده. وحضرت قوات الاحتلال فقط بعد 40 دقيقة من اقتحام المستوطنين، وخلال تلك الفترة كانت تتواجد أمام مدخل مستوطنة افرات التي تبعد فقط 100 متر عن مكان الحدث وكانت شاهدة على جميع اعتداءات المستوطنين، وحين حضورها أمنت انسحاب المستوطنين ووفرت لهم كامل الحماية، حيث أغلقت جميع مداخل القرية ومنعت مركبات الإسعاف من الدخول وعرقلت إسعاف المصابين الذين أصيبوا برصاص المستوطنين”.
يذكر أن خليل سالم زيادة، 41 عاما، يحمل الهوية المقدسية، وهو من سكان بلدة بيت صفافا، يمتلك منزلاً في قرية وادي رحال وهي مسقط رأسه، ويتردد عليها باستمرار لزيارة أقاربه، وهو متزوج ولديه عدد من الأطفال.
يشار إلى أن مستوطني إفرات وعدد من البؤر الاستيطانية الجديدة جنوبي مدينة بيت لحم، كثفوا اعتداءاتهم مؤخرا على القرى الفلسطينية في المنطقة، وهاجموا المواطنين وممتلكاتهم بشكل متكرر، كان أبرز اعتداءاتهم مساء يوم الأربعاء الموافق 31 تموز الماضي، حيث أطلق المستوطنون النار تجاه المواطنين ومنازلهم في قرية خلة النحلة المجاورة لقرية واد رحال، ما أدى إلى إصابة 5 مواطنين بالرصاص.
وعلى غرار ما حدث في قرية جيت قبل أيام، تظهر المعلومات الأولية عن الشكل والطريقة التي جرى فيها تنفيذ الهجوم، أن الأمر يتعلق بهجوم منسق من مجموعة كبيرة من المستوطنين المسلحين، وجرى دون وقوع أي أحداث في المنطقة يمكن أن تتخذ ذريعة لشن مثل هذه الهجمات كما جرت العادة.
وتأتي هذه الجريمة امتدادا لتصاعد العنف بما في ذلك جرائم القتل التي يرتكبها مستوطنون في الضفة الغربية والتي شهدت تصاعدًا كبيرًا في الأشهر الماضية، بحماية ورعاية رسمية إسرائيلية، مع الإعلان المتكرر عن تسليح المستوطنين وتشكيل مليشيات مسلحة منهم بدعم وزراء من الحكومة الإسرائيلية. وقد وثقت طواقمنا استشهاد 5 مدنيين فلسطينيين على الأقل برصاص مستوطنين منذ بداية العام الجاري.
جدير بالذكر أن غالبية اعتداءات المستوطنين تجري داخل المنطقة c التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، وتضم أغلب المستوطنات والبؤر الاستيطانية، والمواقع العسكرية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، بموجب اتفاق أوسلو. وفي غالب الأحيان تواجه طواقمنا صعوبات في الوصول إلى هذه المناطق لتوثيق الانتهاكات والجرائم، نتيجة القيود أو الاعتداءات من قوات الاحتلال أو المستوطنين.
وتجري غالبية هذه الاعتداءات بحماية من قوات الاحتلال التي تتدخل لتأمين المستوطنين خلال تنفيذ هجماتهم وانسحابهم لاحقًا، وتقمع الفلسطينيين الذين يحاولون حماية أنفسهم.
وإذ يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عنف المستوطنين فإنه يحذر من أن تصبح مثل هذه الاعتداءات معتادة مع استمرار وزراء الاحتلال ومسؤولوه بالتشجيع على ارتكاب جرائم قتل جماعي مع استمرار ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ أكثر من 10 أشهر دون أي رادع أو مساءلة جدية.
ويدعو المركز المجتمع الدولي والهيئات الأممية لتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والتدخل الفاعل لوقف جرائم قوات الاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين، والعمل على توفير الحماية لهم.
نسخة تجريبية