أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء الموافق 31 ديسمبر 2024، تقريراً بعنوان ” جيل يمحى: أطفال غزة في أتون الإبادة الجماعية،” يسلط الضوء على جريمة الإبادة الجماعية الممنهجة والمقصودة التي ترتكبها إسرائيل بحق الأطفال في قطاع غزة، بما في ذلك القتل، الإيذاء الجسدي والنفسي الجسيم، وإخضاعهم لظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم كلياً أو جزئياً، مع التأكيد على غياب المساءلة الدولية ودور الدعم الغربي والتقاعس الدولي في استمرار هذه الجريمة بحقهم.
ووصف المحامي راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، جرائم الإبادة الجماعية بحق الأطفال قائلاً: “استهدفت هجمات الاحتلال القتل العمد للأطفال من خلال استهداف الأماكن السكنية ومراكز الإيواء، مما جعل الأطفال يشكلون النصيب الأكبر في القتل، حيث بلغ عددهم نحو 17 ألف طفل حتى الآن. كما مارست سياسة التجويع عبر منع الطعام والماء عنهم وعن أسرهم، مع تفاقم معاناتهم بشكل خاص لدى الأطفال والنساء الحوامل. وأدى التدمير الواسع للمنازل إلى تهجير نحو مليوني شخص من قطاع غزة، مما جعلهم بلا مأوى في برد الشتاء وحرارة الصيف. كما تم تدمير المستشفيات ومنع العلاج والدواء والتطعيم، وتدمير المدارس ومنع التعليم. كل ذلك ضمن سياسة منهجية وتخطيط ممتد، مما يجعل إسرائيل وجيشها المحتل بلا شك الجيش الأكثر سقوطًا أخلاقيًا في العالم، والعدو الأول للأطفال على الصعيد الدولي، والدليل القاطع على ممارستها قولا وفعلا لجريمة الإبادة الجماعية.”
يوثّق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بجهود مكثفة ودقيقة، ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق سكان غزة، بما يشمل الإبادة الجماعية للأطفال، آخذاً بعين الاعتبار تكرار هذه الجرائم وسياق العمليات العسكرية وآثارها المدمرة، الفورية وطويلة الأمد، التي يرتبط بعضها ببعض بجانب التصريحات العلنية الصادرة من أعلى المستويات والتي تحمل دعوات صريحة للقضاء على الشعب الفلسطيني بلا تمييز، واستهداف الجيل القادم بهدف تدميره ومحوه. ويرى المركز أن أطفال قطاع غزة، بعد السابع من أكتوبر 2023، يمثلون ضحايا مباشرين لهذه الجريمة التي تُنفَّذ بوحشية غير مسبوقة. فقتل الأطفال، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي الجسيم بهم، وإخضاعهم لظروف معيشية قاسية تُدمِّر حياتهم، لا يمكن اعتباره مجرد تبعات جانبية للهجمات العسكرية، بل هو جزء من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية والقضاء على الأجيال القادمة.
منذ السابع من أكتوبر 2023، أصبح أطفال غزة ضحايا مباشرين لجريمة الإبادة الجماعية، بدءًا بـفعل “القتل”، الذي تُنفّذه قوات الاحتلال الإسرائيلي بوحشية متعمدة وبنية واضحة لاستهدافهم كجزء من هذه الإبادة. فقد أكدت تصريحات القياداتالإسرائيلية هذا التوجه بوضوح، حيث أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى قصة التوراتية حول تدمير العمالقة على يد الإسرائيليين، في رسالة وجهها إلى الجنود والضباط الإسرائيليين قائلاً: “الآن اذهب، هاجم عماليق، وأحرم كل ما يخصه. لا تشفق على أحد، بل اقتل الرجال والنساء، الأطفال والرضع، الثيران والأغنام، الجمال والحمير.”
ومنذ بداية الهجمات الإسرائيلية، قُتل أكثر من 17,000 طفل في قطاع غزة، بمعدل طفل كل عشر دقائق. وهذه الإحصائية لا تشمل الوفيات الناتجة عن الأمراض والجوع والأوبئة. وقد أكد توثيق المركز لفعل القتل في شهادات قتل الأطفال، والتي ذكر بعضها في التقرير، على الاستهداف الممنهج والواسع النطاق للأطفال. فقد أبرز أن أشلاء الأطفال الممزقة تُجمع في أكياس، وتُحرق أجسادهم الحية بفعل النيران المتعمدة. ويلقى العديد منهم حتفهم أثناء نومهم في لحظات من الأمان الزائف، أو خلال محاولاتهم المحفوفة بالمخاطر للحصول على المساعدات الإنسانية، أو أثناء نزوحهم عبر الطريق الذي ادعى الجيش الإسرائيلي أنه آمن. كما يقتل الأطفال جراء استهداف المستشفيات، مما يؤدي إلى تعطيل أجهزة الأوكسجين بسبب انقطاع الكهرباء، فتتحول الحاضنات إلى مقابر صامتة لهم. هذه الشهادات ليست سوى نماذج من الجرائم المنهجية والواسعة النطاق التي يتعرض لها الأطفال في غزة، في ظل غياب أي تمييز بين المدنيين وتقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة الجناة.
في سياق الفعل الثاني من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، يتطلب قيام المسؤولية أن يكون الجاني قد تعمد إلحاق أذى جسدي أو عقلي بليغ بأحد أفراد المجموعة، بحيث يكون الضرر ناتجًا عن قصد واضح. ويُعرَّف الأذى الجسدي البليغ، وفقًا للاجتهادات القضائية الدولية، بأنه يشمل الأذى الجسيم الذي يلحق بالصحة، مثل التشويه أو الإصابات الخطيرة التي تصيب الأعضاء، والتي تؤدي إلى تدمير أو عجز دائم، أو تُسبب تأثيرات بالغة على الحالة البدنية أو النفسية للضحية.
وقد وثّق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إصابات جسيمة ومروّعة تعرّض لها أطفال قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي والانفجارات الهائلة. شملت هذه الإصابات فقدان الأطراف، وتشوهات حادة في الوجه ناجمة عن إصابات مباشرة أو حروق بالغة. كما سُجّلت إصابات في العمود الفقري أدت إلى الشلل الكامل أو العجز الحركي، بالإضافة إلى إصابات دماغية خطيرة أثّرت على القدرات الإدراكية والسلوكية للأطفال. وإلى جانب ذلك، عانى العديد من الأطفال من إصابات في العين تسببت في فقدان البصر كليًا أو جزئيًا، ما أدى إلى إعاقة قدرتهم على التعلم والمشاركة في الأنشطة اليومية.
هذه الإصابات والتشوهات المدمّرة لا تقتصر على الأذى الجسدي وحده، بل تمتد لتغرس آثارًا نفسية واجتماعية عميقة تعيق تعافي الأطفال وتحدّ من قدرتهم على العيش بكرامة وبشكل طبيعي. وتعد إصابات بتر الأطراف للأطفال الأعظم في أي صراع مسجل في الحروب الحديثة، حيث يترك أثرًا دائمًا لا يمكن تجاوزه على حياتهم اليومية ومستقبلهم. هذه المعاناة تمتد طوال حياتهم، وتجعلهم يعيشون تحت وطأة تجربة مريرة لا تفارقهم، خاصة أولئك الذين باتوا يعانون من إعاقة دائمة تحرمهم من أبسط حقوقهم في حياة طبيعية ومستقرة.
ومن جانب آخر، وثّق المركز تعرض أطفال غزة لاعتقالات تعسفية يتعرضون خلالها لأساليب تعذيب قاسية وغير إنسانية. يبدأ التعذيب بترهيب الأطفال باستخدام الكلاب البوليسية، وتكبيلهم، وعصب أعينهم لساعات طويلة، قبل نقلهم إلى مراكز احتجاز تفتقر لأبسط مقومات الكرامة. هناك، يواجهون تعذيبًا جسديًا ونفسيًا، يشمل الضرب الوحشي، وإطفاء السجائر على أجسادهم، والإجبار على الوقوف في أوضاع مؤلمة مع الحرمان من النوم والطعام. تترك هذه التجارب آثارًا نفسية طويلة الأمد، بما في ذلك القلق، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، مما يعيق فرصهم في بناء مستقبل مستقر.
وفيما يتعلق بالأذى النفسي الجسيم، فإنه لا يتطلب بالضرورة حدوث اعتداء جسدي، وهو يتجاوز الأعراض الضعيفة، ويتطلب تأثيرًا طويل الأمد على قدرة الفرد على العيش بشكل طبيعي. ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن هذا الضرر ليس شرطًا أن يكون دائمًا أو غير قابل للعلاج. وقد وثّق المركز شهادات مؤلمة تكشف حجم الأذى النفسي الجسيم الذي يُلحقه الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر بالأطفال. وتشمل هذه الشهادات معايشتهم لمشاهد العنف والدمار المروّعة الناتجة عن الهجمات العسكرية، وفقدان الأهل والأحباء في ظروف مأساوية تفطر القلوب، فضلاً عن التهجير القسري المتكرر في أوضاع لا تراعي أدنى مقومات الكرامة الإنسانية. هذه التجارب المروّعة تترك ندوبًا نفسية عميقة ويحد من عيشهم بشكل طبيعي.
الفعل الثالث من أفعال الإبادة الجماعية يتمثل في فرض ظروف معيشية تهدف إلى التدمير التدريجي لجماعة معينة جسديًا، دون القتل الفوري. وقد ارتكبت دولة إسرائيل هذا الفعل من أفعال الإبادة الجماعية بشكل متعمد، حيث أخضعت سكان قطاع غزة، بما في ذلك الأطفال، لظروف مروعة تهدف إلى تدميرهم ماديًا بشكل كامل. وقد صرح العديد من المسؤولين الإسرائيليين بنواياهم الواضحة في هذا السياق، منهم وزير الدفاع الإسرائيلي، في حينه، يوآف غالانت الذي صرح قائلاً: “قطاع غزة لن يعود كما كان أبدًا، سنقضي على كل شيء وسيتغير الوضع 180 درجة إلى الوراء.” وتؤكد هذه التصريحات وغيرها بوضوح على نية المسؤولين الإسرائيليين تدمير جماعة سكان قطاع غزة بأكملها، بما في ذلك الأطفال الأبرياء.
منذ السابع من أكتوبر، فرضت إسرائيل على سكان قطاع غزة ظروفًا معيشية قاسية تهدف إلى إلحاق دمار تدريجي بالسكان، ما يعادل الموت البطيء. تجلت هذه السياسات الممنهجة في استخدام التجويع كسلاح حرب، وحرمان أطفال غزة من العلاج الطبي الضروري والمساعدة الإنسانية الكافية. كما تعمدت إسرائيل نشر الأوبئة والأمراض المعدية نتيجة انهيار البنية التحتية الصحية، مع فرض التهجير القسري للسكان تحت ظروف إنسانية مروعة شملت انعدام الغذاء والرعاية الطبية والمأوى. علاوة على ذلك، حُرم أطفال غزة من حقهم الأساسي في التعليم، مما يعمّق الأثر المدمر على حاضر ومستقبل الأجيال القادمة في القطاع.
يُعد الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل أو المرضعات الأكثر عرضة لخطر سوء التغذية، بسبب حاجتهم المتزايدة للعناصر الغذائية في فترات نموهم الحساسة. حتى إذا نجا الطفل من سوء التغذية الحاد، فإن التأثيرات الصحية تكون طويلة الأمد، حيث يعاني من تقزم وتأخر في النمو العقلي والجسدي، بينما يؤدي سوء التغذية الحاد إلى الهزال، مما يعرض حياته للخطر. وتزيد احتمالات وفاة الأطفال الذين يعانون من التقزم والهزال، حيث تكون أجسامهم أضعف في مواجهة الأمراض. منذ بدء سياسة التجويع الممنهجة التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، فقدت حياة 27 طفلاً، علماً بأن العديد من هذه الحالات لا تُوثق في المستشفيات. ومنذ منتصف يناير 2024، تم فحص أكثر من 319 ألف طفل في غزة، حيث تم تشخيص حوالي 22 ألف حالة سوء تغذية حادة، والعشرات منهم يواجهون مضاعفات طبية تهدد حياتهم ومن جانب آخر، رافق تدمير قوات الاحتلال للمرافق الصحية في غزة سياسة تهدف إلى منع سفر المرضى والجرحى لتلقي العلاج، بما في ذلك الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة مثل مرضى السرطان والفشل الكلوي وذوي الإعاقة. كما ارتفع عدد الجرحى بشكل كبير، مما دفع الأطباء إلى فرز الحالات الطارئة بسبب الضغط على النظام الصحي ونقص الموارد، تاركين العديد من الأطفال في مواجهة موت بطيء.
إن التهجير القسري بحد ذاته لا يُعد إبادة جماعية، لكنه يصبح كذلك عندما يُرافقه حرمان الأفراد من الغذاء والرعاية والمأوى، ما يؤدي إلى تدميرهم جسديًا. في غزة، أجبرت العمليات العسكرية 1.9 مليون شخص، نصفهم أطفال، على النزوح القسري دون توفير أي ملاذ آمن. حتى المناطق التي زعم الجيش الإسرائيلي أنها “آمنة” تحولت إلى أهداف للقصف، ما جعل غزة بأكملها بلا مأوى يحمي سكانها. وتعيش العائلات في ظروف مأساوية، سواء في العراء، أو مبانٍ مهجورة، أو خيام مؤقتة، أو مراكز إيواء مكتظة، حيث تفتقر جميعها إلى مقومات الحياة الأساسية مثل الطعام والمياه النظيفة. ويفاقم هذا الوضع النقص الحاد في النظافة وأدوات التعقيم، مما أدى إلى تفشي الأمراض وسط انعدام شبه كامل للرعاية الطبية، خصوصًا للأطفال. إلى جانب ذلك، يعاني الأطفال من قسوة الطقس، إذ يُجبرون على تحمل حرارة الصيف وبرودة الشتاء، ويضطرون لجمع الحطب أو البحث عن مياه غير صالحة للاستخدام تحت تهديد القصف. هذه الظروف تجسد التدمير البطيء كجزء من سياسة الإبادة الجماعية التي تستهدف سكان غزة.
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية على غزة منذ أكثر من عام، مستهدفة المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية، بشكل منهجي. تسبب هذا الاستهداف في حرمان مئات الآلاف من الطلاب من حقهم الأساسي في التعليم، مع تدمير المدارس وقتل آلاف الطلاب والمعلمين، مما يهدد مستقبل جيل كامل ويخلّف أثرًا مدمرًا طويل الأمد على حقوق الأطفال في التعليم والتعبير. حتى 9 نوفمبر 2024، قُتل 12,700 طالب و750 معلمًا وموظفًا تربويًا، فيما تعرضت 92.9٪ من المدارس لأضرار، و84.6٪ منها تحتاج إلى إعادة بناء أو إصلاحات كبيرة. أُغلقت المدارس أمام 625 ألف طالب، مما حرم 39 ألفًا من إجراء امتحانات التوجيهي، وحال دون بدء 45 ألف طفل في عمر السادسة عامهم الدراسي الأول. وقد حذر خبراء أمميون من أن تدمير البنية التعليمية في غزة يشكل تهديدًا مباشرًا للمعرفة والهوية الفلسطينية، مع انعدام كامل للأمان. حتى مع وقف إطلاق النار وإعادة البناء الفورية، يُتوقع أن يخسر الطلاب عامين دراسيين، وقد تصلالخسائر إلى خمس سنوات إذا استمر الصراع حتى 2026 . ورغم محاولات إطلاق التعليم الافتراضي، تواجه هذه المبادرات تحديات كبرى بسبب النزوح المستمر، وانعدام الأمان، ونقص الكهرباء والإنترنت، والجوع المتفشي. بالإضافة إلى ذلك، يعاني مليون طفل من آثار نفسية واجتماعية خطيرة، مثل الصدمات، وفقدان الأحبة، والقلق المزمن، مما يهدد تطورهم وسلوكهم، ويزيد من خطر التسرب الدراسي، والعمل القسري، والزواج المبكر.
الخلاصة والتوصيات:
يعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن تصرفات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة تشكل انتهاكًا واضحًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. هذا يشمل استهداف الأطفال الفلسطينيين بشكل مباشر واعتبارهم جزءًا من محاولة إسرائيلية ممنهجة للقضاء على الوجود الفلسطيني. ويشمل الانتهاك الفشل في منع الإبادة الجماعية، وارتكاب أفعال تصنف ضمن الإبادة الجماعية، والتحريض عليها، فضلًا عن التآمر والمشاركة في هذه الأفعال، إضافة إلى عدم معاقبة المسؤولين عنها.
وقد دعمت محكمة العدل الدولية في قرارها الصادر بتاريخ 26 يناير 2024 هذه الادعاءات، حيث رأت أن هناك أدلة معقولة على أن إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، بمن فيهم الأطفال، دون تمييز أو حماية. وقد أصدرت المحكمة قرارًا يلزم إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع الإبادة الجماعية، بما في ذلك اتخاذ إجراءات فورية لوقف جرائم الإبادة، منع التحريض عليها، وتوفير المساعدات الإنسانية للمحتاجين في غزة، بالإضافة إلى الحفاظ على الأدلة ذات الصلة بالجريمة. كما أكدت المحكمة على ضرورة أن تلتزم إسرائيل بشكل كامل بالقانون الدولي، بما في ذلك ضمان سلامة الفلسطينيين في قطاع غزة، وأنه لا يمكن تنفيذ تدابير المحكمة إلا من خلال وقف إطلاق النار الكامل، وهو ما أكده المجتمع الدولي وأعضاء الأمم المتحدة.
يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على ضرورة محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ضد الشعب الفلسطيني أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشددًا على أهمية إنهاء سياسة الإفلات من العقاب التي تساهم في استمرار الانتهاكات. ويطالب المركز بتفعيل آليات القانون الدولي بشكل جاد لضمان تحقيق العدالة. إن التقاعس المستمر والمخجل من المجتمع الدولي على مدار أكثر من عام في الضغط على إسرائيل لوقف جرائمها في قطاع غزة، بدءًا من تأجيل الدعوات لوقف إطلاق النار وصولًا إلى استمرار توريد الأسلحة، يُعد وصمة عار على ضمير العالم ويسهم في تفاقم هذه الانتهاكات. ورغم ذلك، فإن صدور أوامر من المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي باعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُعتبر بارقة أمل للضحايا في تحقيق العدالة المنتظرة. لذا، يجب على الدول الالتزام باحترام قرار المحكمة وتطبيق المبادئ الأساسية للقانون الدولي، من خلال تنفيذ أوامر الاعتقال وتسليم المتهمين للمحكمة الجنائية الدولية لضمان تحقيق العدالة الفعلية.
إلى جانب ذلك، يطالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، من خلال احترام قرار محكمة العدل الدولية في القضية المقدمة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار فورًا، ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي تُمارس ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، واتخاذ إجراءات فورية تنفيذاً للتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة. كما يطالب الدول بفرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، بما في ذلك وقف جميع الاتفاقيات المتعلقة بتجارة الأسلحة، ومنع نقل العناصر ذات الاستخدام المزدوج التي قد تُستخدم في ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، ويشدد المركز على أن أي امتناع عن اتخاذ هذه الإجراءات يُعد مشاركة في الجريمة ويستوجب محاسبة الدول وفقًا للمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. كما على الدول، وخصوصًا الأوروبية، الالتزام بمسؤولياتها القانونية بموجب نظام روما الأساسي، عبر تنفيذ مذكرتي الاعتقال الصادرتين عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت بتاريخ 21 نوفمبر 2024، ويشمل ذلك اعتقالهما وتسليمهما للمحكمة في لاهاي لتحقيق العدالة.
كما يُطالب المركز بمواصلة التحقيقات مع جميع مرتكبي الجرائم الدولية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتوجيه اتهامات إضافية ضد القادة الإسرائيليين المتورطين في ارتكاب هذه الجرائم وعلى رأسها جريمة الإبادة الجماعية. أخيرًا، يدعو المركز المجتمع الدولي إلى احترام الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الوضع غير القانوني لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل الجاد لإلغاء هذا الوضع من خلال اتخاذ إجراءات قانونية وسياسية فعالة على مستوى الأمم المتحدة والدول الأعضاء، لضمان احترام حقوق الشعب الفلسطيني وحمايتها في إطار القانون الدولي.