مايو 30, 2006
الفقـــر في قطـــاع غـــزة
مشاركة
الفقـــر في قطـــاع غـــزة

مقدمــة

في السابع والعشرين من آذار/ مارس 2006 شكلت حركة المقاومة الإسلامية حماس الحكومة الفلسطينية العاشرة، وذلك بعد حصولها على أغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، والتي جرت في أجواء من الشفافية والنزاهة أشادت بها كافة وفود الرقابة الدولية والإقليمية والمحلية التي قامت بأدوار مختلفة في الإشراف على تلك العملية.  وفي أعقاب ذلك سارعت سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي لإعلان مقاطعة الحكومة الفلسطينية الوليدة، ووقف تحويل عائدات السلطة من الضرائب والجمارك.  كما خطت العديد من الدول المانحة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، دول الاتحاد الأوروبي واليابان عن وقف المساعدات المالية المقدمة للشعب الفلسطيني ولسلطته الوطنية. 

الموقف الدولي، وخاصة موقف الدول المانحة للمساعدات المالية للشعب الفلسطيني، ولسلطته الوطنية الفلسطينية، تزامن مع تدهور كارثي في الأوضاع الإنسانية لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي نجم أساساً عن سياسات السلطات الحربية الإسرائيلية المحتلة، وخاصة سياسة فرض عملية خنق اقتصادي واجتماعي للسكان المدنيين الفلسطينيين، شمل محاربتهم في وسائل عيشهم، وتضييق الخناق على حرية مرور رسالات الأغذية والأدوية، بما فيها الأغذية المخصصة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، كالحليب ومشتقاته، والتطعيمات والعلاجات الخاصة بالمرضى والنساء الحوامل والنفاس، وكبار السن والمصابون بأمراض مزمنة.  هذا الوضع الذي جاء في أعقاب تنفيذ خطة الفصل الإسرائيلية أحادية الجانب، عن قطاع غزة في 12/9/2005 قد خلف آثاراً خطيرة على مستوى تمتع السكان الفلسطينيين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأدى إلى تفاقم حدة الفقر والبطالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمتدهورة أصلاً.  وقد بات يخشى أن يشكل قرار الدول المانحة عراقيل إضافية جديدة أمام تمتع السكان المدنيين، والمحميين بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، خاصة حقهم في مستوى معيشي مناسب، بما في ذلك الماء والغذاء والدواء والمأوى الملائم. 

وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، خاصة الأوضاع المعيشية للسكان الفلسطينيين المدنيين، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية المحتلة ارتفاعاً مذهلاً وغير مسبوق.   فقد بلغت نسبة العاطلين عن العمل نحو 34% في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما ارتفعت لتصل حوالي 44% في قطاع غزة، لترتفع إلى نحو 55% في فترات الإغلاق الشامل للأراضي المحتلة.  وفي المقابل قفزت نسبة الفقر في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حوالي 50%، فيما سجلت قرابة 70% في قطاع غزة  كما انعكس ذلك على مداخيل القوى البشرية الفلسطينية العاملة، حيث انخفضت معدلات الدخل الفردي، خلال السنوات الثلاثة الأولى للانتفاضة، إلى حوالي 32%، وبلغ الانخفاض ذروته اليوم ليصل إلى نحو 40%.  وعلى الصعيد الاقتصادي تدنى الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى مستويات خطيرة، باتت تهدد كافة قطاعات الزراعة، الصناعة، التجارة، النقل العام والمواصلات والسياحة.

ومما زاد حدة الفقر والبطالة في قطاع غزة قيام قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بتدمير البنية التحتية للمدن والقرى الفلسطينية، وتدمير العديد من المؤسسات الإنتاجية والخدمية، بما فيها مؤسسات السلطة الأمنية.  ورافق ذلك اقتلاع وتدمير القطاع الزراعي بما فيه من أشجار معمرة مثمرة وحقول فواكه وخضار وثروة زراعية وحيوانية ومناحل للعسل، كانت تشكل أكثر من 40% من حجم الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني.

وتشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة تراجعاً شديداً في الأوضاع الحياتية للسكان المدنيين، خاصة بعد توقف تدفق المساعدات الدولية له، والتي زادت عن تسعة مليارات دولار أمريكي خلال السنوات الماضية.  ويزداد الأمر تعقيداً وصعوبة مع عجز السلطة الفلسطينية عن دفع رواتب وأجور موظفيها، والعاملين في الوظيفة المدنية والأجهزة الأمنية على السواء.   وتقدر الأوساط المختلفة احتياجات السلطة الوطنية الفلسطينية إلى حوالي 165 مليون دولار، منا حوالي 60% لدفع رواتب وأجور موظفيها، والذين يعيلون أكثر مليون فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي حوالي 25% من الفلسطينيين القاطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.  ويتوقع أن ترتفع نسبة الفقر إلى ما يزيد عن 74% في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام في حال استمرت الأوضاع على حالها، كما يتوقع انخفاض الدخل المحلي للفرد إلى 25% عما كان عليه في العام 2005.

هذه الورقة تحاول أن تبرز مخاطر توقف المساعدات الدولية على الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي قطاع غزة بشكل خاص، والتي يمكن أن يخلفه قرار الدول المانحة على تعزيز واحترام وحماية حقوق المدنيين الفلسطينيين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في حال استمراره.  كما تمثل دعوة لكافة البلدان المانحة إلى التوقف الفوري عن فرض عقوبات جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وإعمال قواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، والخاصة بحماية السكان المدنيين في أوقات الحرب، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، والمواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية الشراكة الأوروبية مع حكومة الاحتلال الحربي الإسرائيلي.