التقرير الرابع حول الإنتهاكات الإسرائيلية ضد الطواقم الطبية الفلسطينية 1 كانون الأول/يناير 2005 – 30 نيسان/إبريل 2007
يرصد هذا التقرير ويوثق الانتهاكات، التي نفذتها ولا تزال، قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضد أفراد الطواقم الطبية العاملة في ميدان تقديم الخدمات الطبية والإسعافات اللازمة للجرحى والضحايا. ويستعرض تلك الانتهاكات الجسيمة، والتي ترتقي لكونها جرائم حرب، وفقا لاتفاقية حنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949، والبروتوكولين الإضافيين الملحقين إلى اتفاقيات جنيف، والصادرين في العام 1977، ضد رجال المهمات الطبية وطواقم العمل الإنساني ووسائط نقلهم ومستشفياتهم ومراكزهم الصحية المختلفة. هذه الانتهاكات الجسيمة التي أثرت على دور الطواقم الطبية في تقديم خدمات الاستشفاء والرعاية الصحية اللازمة، وعلى حق الفلسطينيين المدنيين في التمتع بأفضل مستوى من الرعاية الصحية يمكن الوصول إليه، وذلك فقاً لما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ويغطي التقرير، إضافة إلى ذلك، أثر تلك الانتهاكات على واقع الصحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونتائجه على حياة الفلسطينيين الصحية. ويغطي التقرير تلك الانتهاكات، التي إرتكبتها القوات الحربية المحتلة، خلال الفترة الزمنية من 1 كانون الثاني/ يناير 2005 وحتى 30 نيسان/ أبريل 2007.[1]
فقد سقط خلال الفترة التي يغطيها التقرير ستة ضحايا من رجال المهمات الطبية والمسعفين. وبذلك ارتفع عدد القتلى من أفراد تلك الطواقم، منذ بدء الانتفاضة وحتى نهاية شهر نيسان/ أبريل الحالي، إلى خمسة وعشرين قتيلاً، قضوا بينما كانوا يحاولون تقديم خدمات الإسعاف والعلاج للمحتاجين من المرضى والجرحى.[2] جدير بالذكر أن هؤلاء الضحايا، والذين يحظون بنطاق حماية خاصة، بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، كانوا يتميزون عن غيرهم، ويلبسون ألبسة عليها الشارات الخاصة برجال المهمات الطبية، والتي تشير إلى عملهم في مجال الخدمات الصحية. كما أصيب، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، نحو ستين من أعضاء الفرق الطبية، أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني. ويرتفع بموجب ذلك عدد الجرحى والمصابين في صفوف الطواقم الطبية، منذ بدء الانتفاضة وحتى نهاية الفترة التي يغطيها التقرير، إلى حوالي خمسمائة وعشرة أشخاص.
يشير التقرير إلى أن سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي استمرت في سياستها السابقة، والتي استهدفت عربات الإسعاف ووسائط النقل الطبية المختلفة، رغم وضوحها وتميزها عن المركبات الأخرى المدنية والعسكرية منها. ومنذ بدء إنتفاضة الأقصى تعرضت أكثر من ثلاثين سيارة إسعاف لعملية تدمير كامل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أصيب، خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير، أكثر من 13 سيارة إسعاف ووسيلة نقل طبية إلى أضرار جسيمة جراء تعرضها لعمليات إطلاق النيران وإصابتها شظايا القذائف الصاروخية التي أطلقتها القوات الحربية المحتلة تجاهها. وتعرضت، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، أكثر من عشرين من المستشفيات الميدانية والثابتة والعيادات والمستوصفات الطبية والمراكز الصحية لعمليات اقتحام وتدمير وتخريب وأضرار جسيمة. وقد تضررت تلك المؤسسات، رغم أن كافة المؤسسات الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواءً تلك التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، أو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أو الأخرى التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أو المؤسسات الأهلية الفلسطينية أو القطاع الخاص، تظهر وبشكل واضح ومميز عبر يافطات مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية، وأعلام مرفوعة في أعلى مبانيها، تشير إلى طبيعة تلك المؤسسات وعملها في المجال الصحي، وتقديم الخدمات الإنسانية في مجال الرعاية الصحية.
ويوضح التقرير أثر فرض سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي الحصار الشامل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنع المرور الآمن لطواقم الخدمات الطبية والإنسانية، من الوصول للمحتاجين من الجرحى والمرضى لتقديم الخدمات العلاجية اللازمة. ويشير التقرير إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وتردي الأوضاع الصحية للسكان الفلسطينيين المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.[3] فقد شهدت الفترة التي يغطيها التقرير نقصاً غير مسبوق في مرور رسالات الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة عامة، ولسكان قطاع غزة خاصة، ما هدد حياة المرضى بصورة جدية، وأسفر ذلك عن تردي صحة العديد منهم، ووفاة عدد آخر.
ولا تزال العديد من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية تعاني أوضاعاً صحية خطيرة بسبب منع وصول الإمدادات الطبية اللازمة للسكان المدنيين. ويخشى على حياة السكان المدنيين فيها، وخاصة الأطفال المواليد والرضع والنساء الحوامل والمرضعات والمرضى، الذين يعانون من أمراض مزمنة كأمراض السكر والضغط والقلب والسرطان، من مضاعفات خطيرة بسبب تعذر حصولهم على العلاجات اللازمة في الوقت المناسب. لقد تسبب الحصار الجائر المفروض على الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى وفاة العديد من السكان، خاصة النساء الحوامل اللاتي وضعن أطفالهن على الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي منعت مرور عربات الإسعاف، والمرضى الذين كانوا في طريقهم إلى تلقي العلاج في العيادات الطبية والمستشفيات.
ورغم تنفيذ خطة الفصل الأحادي عن قطاع غزة، وإنهاء الوجود العسكري والاستيطاني في داخلها في 12/9/2005، إلا أن الانتهاكات ضد الطواقم الطبية فيه تصاعدت بصورة ملفتة، بسبب العمليات الحربية التي شنتها قوات الاحتلال عليه. فقد سقط القتلى الستة، المشار لهم في هذا التقرير، وجزء كبير من جرحى أفراد الطواقم الطبية في القطاع، بعد تنفيذ خطة الفصل المشار إليها. كما شهد القطاع حصارا غير مسبوقا، حيث أغلقت كافة معابره لفترات طويلة ومتواصلة، ما انعكس بشكل خطير على حرية تدفق الإمدادات الطبية، والمستلزمات الصحية، والأدوية الضرورية التي شهدت نقصا ملحوظا. هدد ذلك حياة مئات المرضى من ذوي الحالات الحرجة، وكذلك حياة الآلاف من المرضى المصابين بأمراض مزمنة.
وأدى تقطيع أوصال المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية إلى وفاة العديد من السكان المدنيين، بسبب إعلان قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي عن العديد منها كمناطق عسكرية مغلقة، وفرض نظام منع التجول عليها لفترات، ما حال دون خروج السكان من مناطق سكنهم التي تفتقر لوجود مؤسسات الرعاية الصحية. ووفقاً لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ارتكبت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي خلال الفترة التي يغطيها التقرير ما يزيد عن 450 انتهاكاً لحق الطواقم الطبية في حرية التنقل والحركة. أدى ذلك إلى تدهور خطير في الأوضاع الصحية للجرحى والمصابين والنساء الحوامل والمرضى، وهو ما عكس حالة الاستخفاف بحياة المرضى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا بأمس الحاجة للعلاج والرعاية الصحية.
ورغم ما تعرضت له، فقد تعاملت الطواقم الطبية الفلسطينية المختلفة بقدر عال من المسؤولية في تقديم خدمات الرعاية الصحية لكافة محتاجيها، سواء كانوا من الجرحى والمصابين، الذين سقطوا خلال الاعتداءات المختلفة التي نفذتها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، أو من المرضى من النساء الحوامل والنفاس والأطفال وكبار السن. ومنذ بدء الانتفاضة، في التاسع والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2000 وحتى الفترة التي يتناولها التقرير، سقط على أيدي قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي 4076 قتيلاً فلسطينياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من بينهم 3259 قتيلاً مدنيا. كما أصيب الآلاف منهم بإصابات مختلفة. وقد تلقى جل الضحايا من القتلى والجرحى والمصابين خدمات الإسعاف والطوارئ على أيدي رجال المهمات الطبية، وبشكل عاجل سواء في سيارات الإسعاف أو في المستشفيات الميدانية التي أقيمت في العديد من مناطق الأحداث، نظراً لبعد العيادات والمستشفيات النسبي عن هذه المناطق. إن ضخامة الأرقام المشار إليها، حول عدد القتلى والجرحى، تشير وبشكل لا يدع مجالاً للشك أن هذه الطواقم قد تحملت مسؤوليات ضخمة تفوق إمكانياتها الفعلية من حيث مواردها المادية والبشرية التي تتوفر لديها، والتي يمكن أن تؤمن قيامها بمهامها الإنسانية.