يناير 14, 2024
التهجير فاقم معاناة طفلي المريض بطيف التوحد
مشاركة
التهجير فاقم معاناة طفلي المريض بطيف التوحد

ناريمان فهمي إبراهيم أبو شرخ، ٣٢عاما، متزوجة وأم لأربعة أطفال، سكان مدينة حمد في خانيونس.

لدي أربعة أطفال، أحدهم مريض بطيف التوحد، وهو بحاجة لرعاية خاصة، وتقيم والدة زوجي ووالده معنا وهما كبيران في السن وبحاجة إلى رعاية لأن والدته مقعدة ومريضة.

بعد أحداث 7/10/2023، وإعلان قوات الاحتلال الحرب على غزة، بدأت اشعر بالخوف والقلق على عائلتي من القصف وظروف الحرب، فقد شهدت أكثر من عدوان على قطاع غزة وغالبا ما كان الضحايا من المدنيين. وبالفعل بدأت طائرات الاحتلال في قصف منازل سكنية دون تحذير على رؤوس ساكنيها، وكنت أتابع الأخبار من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أشاهد الضحايا من الأطفال والنساء وهذا بشكل يومي.

وبدأت تداعيات العدوان تؤثر على ظروف حياتنا اليومية فقد أغلقت قوات الاحتلال المعابر، وخطوط المياه التي تزود قطاع غزة وبدأت أسعار المنتجات بالارتفاع بشكل جنوني مع توافد الآلاف من النازحين من غزة وشمال غزة الى مدينة خانيونس، بعد اقل من أسبوع من بداية الحرب. بدأت أعاني في أعمال المنزل اليومية من إعداد الطعام والغسيل ومتابعة ابني الذي توقف عن برنامج التأهيل في إحدى المؤسسات الخاصة وبدأت حالته في التراجع. وأصبح توفير المياه والخبز هم يومي مع عدم توفر الوقود والدقيق. وفي ساعات الليل لا أستطيع النوم من شدة الخوف من صوت الطائرات والقصف المتواصل، ومع قطع الاتصالات والانترنت أصبح من الصعب معرفة ما يحدث والاطمئنان على عائلتي وأقاربي.

في 1/11/2023، أعلنت قوات الاحتلال توسيع العملية البرية وأن منطقة خانيونس مستهدفة ونشرت خرائط توضح المناطق التي يجب اخلاؤها، وكان من ضمنها مدينة حمد. شعرت بالخوف وبدأنا نفكر في مكان آمن للإخلاء، علما بأن حالة والدة زوجي الصحية كانت في تدهور لعدم توفر عدد كبير من الأدوية في الصيدليات، وتوقفها عن متابعة العلاج مع طبيبها المعالج في غزة. بدأت في تجهيز بعض المستلزمات للخروج من مدينة حمد إلى منزل شقيق زوجي في منطقة حي الأمل بخانيونس، خلال ذلك قصفت طائرات الاحتلال عدة أبراج سكنية في المدينة وحدثت فوضى كبيرة وبدأ معظم سكان المدينة والعائلات التي لجأت إليها في محاولة الهروب والانتقال إلى مكان آخر. خرجنا من البرج ومعنا بعض المستلزمات وبقينا في الشارع لعدة ساعات خوفا من قصف الأبراج مجددا كما حدث في مدينة الزهراء. وبعد ساعات تمكن زوجي من توفير سيارة وانتقلنا إلى منزل شقيقه في حي الأمل، وسط حالة من الخوف والصدمة. وبعد وصولنا بساعات، نشرت قوات الاحتلال خريطة جديدة للمناطق التي يجب أن يخليها السكان وكان من ضمنها مناطق قريبة من حي الأمل حيث انتقلنا، الأمر الذي جعلنا نشعر بالخوف والبحث عن مكان آمن آخر. وفي ساعات الصباح قرر زوجي الانتقال إلى رفح مع إخوته والبحث عن مكان للإيواء، وبالفعل بعد ساعات أبلغني بأنه سيقوم بتجهيز خيمة في منطقة الحي السعودي بالقرب من مخازن الوكالة نظرا لعدم توفر أي مكان في المدارس أو مقرات الإيواء، ولخوفه من الإقامة في أي شقة سكنية نتيجة الاستهداف المتواصل للمنازل.

في اليوم التالي عاد زوجي وأحضر سيارة ونقلنا إلى رفح وكان لا يزال يقوم بإعداد الخيمة، وفوجئت عند وصولي من عدد النازحين في المكان من رجال ونساء وأطفال وعدد الخيام، وخلال الطريق شاهدت عائلات تتجه إلى رفح من خلال وسائل النقل المختلفة. عند وصولنا فوجئت من طبيعة المكان الرملية وعدم توفر المياه أو دورة مياه، وكان زوجي لا يزال يواصل العمل على تجهيز الخيمة.

في الأيام الأولى كانت ظروف الحياة سيئة وقاسية جدا في الخيمة، حيث لم يكن معنا الفراش الكافي والأغطية، وكان النهار شديد الحرارة في الخيمة، والليل شديد البرودة وكانت ظروف الحياة صعبة، وبشكل خاص على والدة زوجي وابني زين المريض بالتوحد، وقد اصيب ابنائي بعدة منها النزلات المعوية، ونزلات البرد. كنت اعتقد بأن الامر لن يطول وبأني سأعود بعد ايام الى المنزل.

بتاريخ 14/12/2023  تلقيت اتصالا من شقيقتي زهرة وفوجئت بخبر قصف منزل اختي ايمان حيث لجأت والدتي واخواتي إلى دير البلح وادى القصف الى استشهاد ٩ من أفراد عائلتي من بينهم والدتي وأخي محمود ٣٠ عاما، واختي أماني وأختي آلاء وطفليها صهيب ومالك، وزوج أختي ايمان، وابنها كريم وابنتها تالا. أصبت بالإغماء بعد سماعي الخبر ودخلت في حالة من الصدمة. كنت قبل ساعات أتحدث معهم وأبلغوني بأنهم يفكرون بالانتقال إلى رفح لشعورهم بالخوف لتواصل القصف على دير البلح. شعرت بالألم ولم يكن باستطاعتي أن اودع أمي وإخوتي، حتى التواصل مع باقي إخوتي كان صعبا، ومجبرة على متابعة احتياجات عائلتي وأبنائي في الخيمة، والاهتمام بوالدة زوجي وانا في حالة نفسية سيئة جدا ومتعبة جدا من هول الصدمة.

بعد 5 أيام تدهورت حالة والدة زوجي الصحية وتم نقلها إلى نقطة طبية في مقر الوكالة القريب (مخازن الوكالة)  وتم تحويلها بواسطة سيارة لوكالة الغوث إلى مستشفى أبو يوسف النجار، نظرا لعدم توفر سيارة إسعاف، وعند حوالي الساعة 5 مساء وفور وصولها إلى المستشفى فارقت الحياة، وعاد زوجي وأبلغنا بالخبر وسط حالة من الحزن والألم. لقد تدهورت حالتها الصحية نتيجة عدم توفر الأدوية اللازمة وظروف الحياة في الخيمة غير الصحية، حيث حرمت من الكثير من مستلزمات الرعاية التي كانت تتوفر لها في  المنزل من إسطوانة أوكسجين وسرير طبي وجهاز تبخيرة وغيرها من المستلزمات. في اليوم التالي تم دفنها في مقبرة رفح الشرقية، وحتى هذه اللحظة لازلنا نعيش في الخيمة منذ ما يقارب الشهر والنصف وما زال أبناؤنا يعانون من الأمراض التي أرهقتهم ولا تفارقهم رغم سعينا اليومي لتوفير العلاج لهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *