توطئـــــة
يولي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أهمية خاصة للانتخابات، باعتبارها جوهر العملية الديمقراطية ومحورها الرئيس. وإذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، فإن الانتخابات الحرة والنزيهة هي الوسيلة التي يختار الشعب من خلالها من ينوب عنه في ممارسة الحكم.
وتعتبر الرقابة على الانتخابات صمام الأمان لضمان حسن سير العملية الانتخابية والتأكد من نزاهتها وسلامتها، وتعني إجراء تلك العملية بكافة مراحلها في ظروف علنية تتسم بالشفافية، من شأنها أن تساهم في توفير الثقة بالعمليات الانتخابية والاطمئنان لنتائجها، أكان ذلك من قبل عموم المواطنين والناخبين أم من قبل المرشحين والهيئات الحزبية، وغيرهم من الهيئات المحلية والدولية. وفي إطار دعمه لعملية التحول الديمقراطي وتشجيعه لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، فإن الرقابة على الانتخابات تشكل محوراً أساسياً من محاور العمل بالنسبة للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، خاصة وأن مراقبة الانتخابات حق يكفله القانون للهيئات المحلية والدولية على حد سواء .
وقد تابع المركز باهتمام كافة مراحل العملية الانتخابية التي شهدتها أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية خلال الأشهر الماضية، ونفذ حملة مراقبة واسعة النطاق في محافظات قطاع غزة، بدأت بالرقابة على مرحلة التسجيل للانتخابات التي نفذتها لجنة الانتخابات المركزية خلال الربع الأخير من العام 2004، وذلك بجهود ذاتية وفي نطاق محدود، وفقاً للمعطيات القائمة في حينه، أي قبل الإعلان عن موعد إجراء انتخابات رئاسية.
وفي ضوء التطورات التي شهدتها السلطة الوطنية الفلسطينية في الآونة الأخيرة، والإعلان رسمياً عن التاسع من يناير 2005، موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، كثف المركز الفلسطيني جهوده ورفع وتيرة عمله وجاهزيته لتنفيذ حملة مراقبة واسعة على تلك الانتخابات بكافة مراحلها، بما فيها الدعاية الانتخابية، وعمليات الاقتراع والفرز.
وإيماناً منه بأهمية دور المجتمع المدني وتأكيداً على دعم ومساندة هذا الدور لعملية التحول الديمقراطي بشكل عام، وعلى تشجيع الانتخابات الحرة والنزيهة بشكل خاص، سعى المركز جاهداً من أجل إيجاد حاضنة مجتمعية لتنفيذ حملة الرقابة. كان توجه المركز يتمثل في تجنيد نحو 200 مراقب يتم اختيارهم من بين نحو 2000 شخص تلقوا دورات تدريبية في مواضيع الديمقراطية وحقوق الإنسان من قبل المركز الفلسطيني، عقد الكثير منها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء قطاع غزة. ومن منطلق إيمان المركز بأهمية العمل الجماعي، بادر بالتنسيق مع عدد من هذه المنظمات من أجل تنفيذ حملة الرقابة بالتعاون معها. وفي وقت مبكر من الاتصالات انضمت نقابة محامي فلسطين؛ ومركز شؤون المرأة؛ ومعهد كنعان التربوي النمائي لحملة الرقابة التي ينفذها المركز. وخلال تلك العملية تواصلت الاتصالات مع منظمات المجتمع المدني، ليصل عدد المنظمات التي اشتركت مع المركز في حملة الرقابة إلى 26 منظمة.[1]
وشرع المركز في اختيار المراقبين وتدريبهم على كافة مراحل العملية الانتخابية. كما قدم المركز إلى لجنة الانتخابات المركزية قائمة من 194 شخص لاعتمادهم كمراقبين، إلى جانب 18 مراقباً كانوا قد اعتمدوا للرقابة على عمليات التسجيل من طاقم موظفي المركز. وقد اعتمدت اللجنة جميع المراقبين بدون استثناء، وأصدرت لهم بطاقات اعتماد خاصة. وقبل أيام من إجراء الانتخابات انضم إلى فريق الرقابة 75 مراقباً من مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، ليصل قوام فريق المراقبين إلى 287 مراقباً.
وبالتوازي مع جهوده على المستوى المحلي، كثف المركز اتصالاته مع عدد من المنظمات الدولية لتشجيعها على المشاركة في الرقابة على الانتخابات انطلاقاً من أهمية وجود هيئات دولية لمراقبة هذه الانتخابات، وقد أوفد عدد من المنظمات الدولية التي تربطها بالمركز علاقات شراكة وتعاون عشرات المراقبين، وفي مقدمتها لجنة الحقوقيين الدوليين؛ والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان؛ وكريستيان أيد؛ واتحاد المدنيين من أجل السلام. ولعب المراقبون الدوليون دوراً هاماً في الرقابة، حيث ساهموا ليس فقط في ضمان شفافيتها ونزاهتها، ولكن أيضاً كشهود عيان عليها.
يقدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التعاون الخلاق من كافة المنظمات الأهلية التي شاركته في حملة الرقابة على الانتخابات الرئاسية 2005. لقد كان هذا الجهد نموذجاً جاداً وهاماً في العمل الأهلي المشترك. وقد أظهر تأييد ومساندة منظمات المجتمع المدني لعملية التحول الديمقراطي، وتشجيعها لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ودورية في السلطة الوطنية الفلسطينية. وبالتأكيد فإنها تجربة هامة وغنية للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، يستمد منها الخبرة والتشجيع للشراكة مع منظمات المجتمع المدني المختلفة في الرقابة على أي انتخابات تجري في المستقبل، بما فيها الانتخابات التشريعية، التي أعلن عن موعد إجرائها في يوليو 2005.
في التاسع من يناير 2005، توجه الناخبون الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية تجري في السلطة الوطنية الفلسطينية منذ تسعة أعوام. وجاء هذا التطور الهام ليضاف إلى سلسلة من الخطوات التي شرعت القيادة الفلسطينية بتنفيذها في أعقاب وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، والتي تندرج في إطار عملية انتقال هادئ وسلمي للسلطة.
شكلت الانتخابات حدثاً تاريخياً هاماً للشعب الفلسطيني، وبرغم الأجواء السلبية المزمنة الناجمة عن استمرار وجود الاحتلال الحربي الإسرائيلي وما ينفذه من جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين، عكست نفسها على جميع مراحل العملية الانتخابية طوال الأسابيع الماضية، أصر الفلسطينيون على الإدلاء بأصواتهم، في تظاهرة تعكس روح التحدي والإصرار على ممارسة حقهم الانتخابي رغم الاحتلال.
فمنذ ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد الموافق 9 يناير 2005 توجه ما يقرب من 800000 مواطن فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس إلى 1077 مركز اقتراع، بينهم 70 مركز اقتراع للسجل المدني، يحتوون على 2316 محطة اقتراع، إضافة إلى 524 محطة اقتراع موزعين على مراكز السجل المدني، لاختيار مرشحهم لمنصب الرئاسة.
ساند المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ولا يزال كل مبادرة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في السلطة الوطنية الفلسطينية. و بالتعاون مع 26 مؤسسة أهلية، قام المركز بمراقبة جميع مراحل العملية الانتخابية، بما فيها يوم الاقتراع، وذلك من خلال طاقم من المراقبين المعتمدين قوامه نحو 300 مراقب، كان من بينهم 75 مراقباً من مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان. وقد تم توزيع كافة المراقبين على جميع مراكز الاقتراع في قطاع غزة، فيما تم تجنيد عدد محدود من المراقبين للرقابة على الانتخابات في محافظات الضفة الغربية، بما فيها القدس.
يتضمن هذا التقرير نتائج حملة الرقابة التي نفذها المركز الفلسطيني بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني على عمليات الاقتراع والفرز. ويعد هذا التقرير ثالث تقرير يصدره المركز في هذا الإطار، حيث أصدر المركز الفلسطيني تقريرين تقيميين حول بعض مراحل العملية الانتخابية، وقد اعتمد فيهما على ملاحظات وتقارير مراقبيه، واتصالاته المستمرة مع لجنة الانتخابات المركزية. وقد اختص التقرير الأول في عملية تسجيل الناخبين واستعدادات اللجنة، وقد صدر في 28 ديسمبر 2004 بعنوان ” الانتخابات الفلسطينية تقرير تقييمي لمرحلة ما قبل الانتخابات يتضمن نتائج الرقابة التي نفذها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على عمليات إعداد سجل الناخبين خلال الربع الأخير من العام 2004 (حالة قطاع غزة) “. فيما اختص التقرير الثاني الصادر في 8 يناير 2005 بالحملة الدعائية للمرشحين ويحمل عنوان ” حملات الدعاية الانتخابية لانتخابات الرئاسة الفلسطينية 2005 تقرير تقييمي خاص بنتائج الرقابة على الدعاية الانتخابية التي نفذها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بالتعاون مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني”.
وفقاً لنتائج عملية الرقابة، والتي كانت أقرب إلى المسح الشامل في جميع مراكز الاقتراع في دوائر قطاع غزة الانتخابية، جرت الانتخابات منذ ساعات الصباح بصورة هادئة، تعكس درجة عالية من التنظيم، رغم تسجيل عدد من المخالفات والتجاوزات، سواء من قبل لجنة الانتخابات المركزية وأطقمها أو من قبل أنصار بعض المرشحين والهيئات الحزبية. ولكن قبل ساعات معدودة من موعد انتهاء الاقتراع المقرر في الساعة السابعة مساءً من يوم الاقتراع، وفقاً للقانون، فوجئ المركز الفلسطيني ومراقبوه بإقدام لجنة الانتخابات المركزية على اتخاذ إجراءين جديدين وتعميمهما على جميع الدوائر الانتخابية، هما: 1) توجيه تعليمات جديدة إلى طواقم الاقتراع تقضي بقبول الناخبين الذين لم ترد أسماؤهم في سجلات الناخبين، والاكتفاء ببطاقة الهوية من أجل السماح لهم بالاقتراع؛ و2) تمديد فترة الاقتراع لمدة ساعتين، أي حتى الساعة التاسعة مساءً في جميع مراكز التسجيل.
إن هذه التعليمات تشكل مخالفة واضحة وغير مبررة للقانون الناظم لهذه الانتخابات، رقم (13) لسنة 1995وتعديلاته. كما أنه أثر بشكل سلبي على الجهود التي بذلتها لجنة الانتخابات المركزية طول مراحل العملية الانتخابية، لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة، خاصة وأن هذه التعليمات صدرت نتيجة ضغوط هائلة تعرضت لها لجنة الانتخابات المركزية من قبل السلطة التنفيذية، وأفراد من مختلف الأجهزة الأمنية، ومن قبل ناشطين وكوادر من حركة فتح، يفترض أن لا يتدخلوا في عمل اللجنة بأي شكل من الأشكال. ومع ذلك لم تمس هذه المخالفات جوهر العملية الانتخابية ونتائجها، ولا بد هنا من تسجيل التقدير والإعجاب على قدرة شعب يرزح تحت نير الاحتلال على خوض تجربة انتخابات لاختيار قيادته السياسية. وإذ يشير المركز في تقريره هذا إلى تلك المخالفات، فإنه يعرب عن أمله أن تؤخذ بعين الاعتبار وأن يتم تجاوزها في أية انتخابات قادمة. كما ويشيد المركز بجهود لجنة الانتخابات المركزية، وبجاهزيتها العالية، وبإدارتها المنظمة والمخططة، إضافة إلى تعاونها واستجابتها لملاحظات المركز الفلسطيني وردها على استفساراته بكل سرعة ودقة وموضوعية.