سمير محمود ابراهيم ابو شرخ، 43 عاما، سكان مشروع بيت لاهيا، شمال قطاع غزة
في حوالي الساعة 9:00 من صباح يوم الاربعاء الموافق 6/12/2023، كنت داخل منزلي في مشروع بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، أنا وزوجتي وأولادي ووالدتي المسنة، 88 عاماً، والتي تعاني من أمراض مزمنة، وشقيقي الأكبر جلال، 70 عاماً، وزوجته. كنا جميعا نقيم في الطابق الأرضي من بناية سكنية مكونة من أربعة طبقات بسبب كثافة قصف طائرات الاحتلال والمدفعية في المنطقة منذ عدة أيام، وخصوصا خلال ساعات الليل.
في ذلك اليوم سمعنا صوت صراخ وضجيج في منزل مجاور لنا لعائلة نصار وتبين لنا أن جنود الاحتلال هم من يتواجدون في المنزل المذكور بعد ان اقتحموا المنطقة بالآليات العسكرية، وكانوا يحققون مع جارنا ناصر نصار وكانوا يصرخون ويسبون عليه. استمر الأمر لنحو ساعة ونحن في حالة ورعب شديد ولا نستطيع القيام بأي حركة، حتى سمعنا جنود الاحتلال ينادون على جميع السكان في الحي عبر مكبرات الصوت بالخروج من منازلهم وأن يتوجهوا للشارع وهم يرفعون أيديهم للأعلى. بالفعل خرجت أنا وجميع من كان معي في المنزل إلى الشارع، وهناك شاهدت عددا كبيرا من جنود الاحتلال ينتشرون في الشارع ويصوبون بنادقهم تجاه المواطنين وكانت تتواجد عدة آليات عسكرية، ما بين دبابات وجيبات همر. كان الشارع مليئا بالمواطنين من أطفال ورجال ونساء وكبار السن.
وكان الجنود قد طلبوا من الجميع رفع أيديهم إلى الأعلى، كما طلبوا من الرجال ما بين سن 15-60 عاماً بخلع ملابسهم ما عدا الملابس الداخلية، وطلبوا من النساء والأطفال وكبار السن السير في الشارع الرئيسي في مشروع بيت لاهيا والمعروف باسم شارع السوق والتوجه إلى مستشفى كمال عدوان. طلب أحد الجنود مني أن تتحرك والدتي المقعدة على كرسي متحرك، فيما قام شقيقي بدفع الكرسي المذكور والسير بوالدتي مع باقي المواطنين. وطلب الجنود من كل الرجال الجلوس على الأرض على شكل صف طويل على الركبتين في الشارع المذكور. كان الجنود المحيطون بنا يصوبون البنادق تجاهنا وهم يصرخون علينا ويشتموننا بألفاظ نابية، ويقولون لنا أنتم تستحقون الإعدام أنتم حيوانات بشرية. وجرى تعصيب أعيننا بقطع من القماش، وتقييد أيدينا من الخلف وكذلك تكبيل الأقدام ومكثنا مكاننا نحو 5 ساعات متتالية في نفس المكان. كنت والبقية في حالة إرهاق وتعب شديدين، وحضرت شاحنات عسكرية ونقلنا إليها بهذه الوضعية المؤلمة، وكان الجنود يتعمدون إهانتنا وتكديسنا فوق بعضنا، وتعرضنا للضرب من الجنود أثناء الصعود والتواجد في الشاحنات المذكورة.
سارت بنا الشاحنات في طرق وعرة نتيجة تجريفها من الاحتلال حتى وصلنا إلى منطقة قريبة من شاطئ البحر، كنت أسمع صوت أمواج البحر، وأجبرنا على النزول من الشاحنات في منطقة رملية، واعتدوا علينا بأعقاب البنادق والصفعات بالأيدي والركل بالأرجل، كان الضرب في كل أنحاء جسدي وخصوصا الساقين والرأس والصدر. كان الجو باردا جدا خصوصاً ونحن عراة. ولاحقا نقلت أنا والبقية إلى منطقة لها أرضية من الحصى وأجلسنا هناك وتعرضنا للضرب بنفس الآلية. لاحقا جرى نقلي إلى غرفة حديدية (كرفان) كان بها ضابط وطبيب عسكري، قاموا بتصويري، وسألني الطبيب هل تعاني من أي امراض فأجبته إنني أعاني من ألم في صدري وقد تكون هناك كسور نتيجة الضرب، ومن ثم جرى إعطائي ترنج عبارة عن بلوزة وبنطال. وبعد أن ارتديت الملابس نقلت مع مجموعة أخرى من المعتقلين إلى سيارة جيب تحركت بنا ونحن في وضع صعب للغاية.
كنا نتعرض للضرب والإهانات اللفظية طوال الطريق من الجنود. كما أن الجنود قاموا بإطفاء أعقاب السجائر في جسدي وخصوصا في منطقة الساقين. سرنا بالآلية العسكرية لنحو 3 ساعات متواصلة ووصلنا إلى منطقة يوجد بها بركس كبير يشبه بركسات الأبقار وكان محاطا بجدار من السلك، وعلمت من شخص كان معتقل في وقت سابق أنه مركز اعتقال في النقب، وهناك جرى إعطائي فرشة رقيقة وبطانية. كانت الأجواء باردة جداً، وأجبرنا على الجلوس على تلك الفرشات لمدة أربعة ايام متتالية، لم يقدم لنا سوى قطعة خبز وخيارة، ووجبة أخرى كانت من الخبز والجبن، وأخرى كانت الخبز والبندورة. لم يسمح لنا بالذهاب إلى الحمام إلاّ مرة واحدة في اليوم، بعد صعوبة ومطالبات كثيرة. كان الجنود يقدمون لنا شربة مياه واحدة طوال تلك المدة. كنت أشاهد عددا من المعتقلين يتعرضون للضرب، وكان أحدنا وهو مسن يرتجف من البرد الشديد وعندما حاول بعض الرجال مساعدته جرى ربطهم من الجنود في السياج المحيط بالبركس الحديدي لعدة ساعات متتالية عقابا لهم. كان الجنود يطلبون منا التوقف على شكل طابور عدة مرات في اليوم، وخصوصا في ساعات الليل، وكان الغرض منه المنع من النوم.
جرى اقتيادي للتحقيق من ضباط المخابرات وكان التحقيق حول نشاط المقاومة ومكان إطلاق الصواريخ من منطقة السكن الخاصة بنا، وأوضحت له أنه لا يوجد لي أي انتماء سياسي، وأنني أعمل في إسرائيل وأملك تصريحا ساري المفعول. بعد أربعة ايام من تواجدنا هناك نقلت مع بقية المعتقلين، في الباص إلى مكان آخر علمت لاحقا أنه في منطقة القدس، وجرى وضعنا في بركس كبير يشبه مكان الاعتقال الاول، وبقينا في البرد القارص بدون غطاء أو فرشة حتى الساعة 2:00 فجرا، ومن ثم جرى نقلنا إلى بركس آخر سيرا على الأقدام يشبه الأول، وأعطوني هناك معطف وبدأت أشعر بالدفيء، وأعطوني كالبقية فرشة وغطاء وكان هناك عدد كبير من المعتقلين من قطاع غزة، وخصوصا العمال الذين تم اعتقالهم من داخل اسرائيل، ويقدر عددهم نحو 200 شخص. في نفس المكان بقينا أربعة أيام متتالية، حيث حضر أحد الضباط وطلب منا تسليم الفرشات والباطنيات، وخلع المعطف الذي أعطي لنا. وبعد أن سلمنا تلك الأغراض، جرى تكبيل أيدينا وأرجلنا ونقلنا إلى الباص سار بنا حتى وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم، وهناك أنزلنا من الباصات وجرى فك وثاقنا وطلبوا منا الركض بسرعة تجاه معبر رفح، بعد إعطائي الهوية وتصريح العمل. حاليا أنا في منطقة رفح أتواجد مع أحد أشقائي مع عائلته في الخيمة التي يمكثون بها بعد أن استلمني من معبر رفح بالقرب من مدرسة دار الفضيلة، لا زلت أعاني من ألم في مختلف أنحاء جسدي وخصوصا في الصدر والساقين وحروق في القدمين من آثار إطفاء السجائر في جسدي.