ديسمبر 26, 2024
الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدمير الأحياء السكنية والمستشفيات وافراغ شمال قطاع غزة من السكان
مشاركة
الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدمير الأحياء السكنية والمستشفيات وافراغ شمال قطاع غزة من السكان

شهدت الأسابيع الأخيرة تسارعاً كبيراً في وتيرة عمليات التدمير واسعَ النطاق في قطاع غزة شملت الأحياء السكنية والمرافق المدنية كالمستشفيات والبنى التحتية الضرورية لاحتياجات السكان من طرق وشبكات الكهرباء ومياه وصرف صحي، حيث باتت مناطق وأحياء سكنية بأكملها غير صالحة للعيش، بل كومة من الركام، خصوصاً في مدينة رفح، ومحافظة شمال قطاع غزة التي أجبرت القوات المحتلة معظم سكانها على مغادرتها تحت تهديد القتل والجوع. 

يؤكد المركز أن ما ترتكبه القوات المحتلة يمثل سياسة مدروسة هدفها تعميق المعاناة الإنسانية للسكان من خلال تدمير مقومات حياتهم، واستئصال وجودهم وتهجيرهم ضمن جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال منذ أكثر من عام، وتهدف إلى إحداث أكبر قدر من التدمير المادي والمعنوي لسكان قطاع غزة، وإخضاعهم لتدابير تهدد مستقبل حياتهم واستقرارهم لأمد طويل.

ووفق متابعات المركز، كثفت القوات الإسرائيلية المحتلة، وبشكل متزامن،  من استهدافها للمستشفيات الثلاث في شمال قطاع غزة، المستشفى الاندونيسي ومستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة1، وما يحيطها من مبانٍ سكنية من خلال عمليات نسف وتدمير واسعة للمنازل والأحياء السكنية فوق رؤوس ساكنيها، وذلك لتحقيق أهداف العملية العسكرية القائمة على جريمة التطهير العرقي التي تتسبب بمجازر مروعة قُتل خلالها آلاف المدنيين، في الوقت الذي تتوقف فيه الخدمات الطبية المنقذة للحياة.  ووفق إفادة قدمها الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، لباحث المركز فأن القوات المحتلة تضغط باتجاه اخلاء المستشفى من خلال استهدافه المتكرر والمباشر، وتقويض خدماته بل وتدميرها، حيث نفذت مساء يوم أمس الأربعاء 25 ديسمير2024، أعمال تفجير عبر صناديق مفخخة زرعتها قبالة المستشفى بهدف تدمير مبانٍ سكنية محيطة،  ما شكل خطراً كبيراً على المرضى والطواقم الطبية المتبقية في المستشفى بعدما تسبب بأضرار كبيرة داخل أقسامه، وأسفر عن إصابة خطيرة لحقت بالممرض حسن الضابوس.  ووفق أبو صفية فهذه المرة الثانية التي تفجر فيها القوات المحتلة صناديق متفجرة بجوار المستشفى تماماً، حيث تم تفجير أحدها قبل يومين، ما أسفر عن اصابة 20 شخصاً، منهم خمسة من الكادر الطبي، ذلك عدا عن استهداف المستشفى مباشرة باستخدام الطائرات المسيرة التي تلقي قنابل حارقة على كل من يتحرك في ساحته، بالإضافة إلى تكرار استهداف المولدات ومصادر الطاقة الكهربائية لإرغام كل المتواجدين في المستشفى على مغادرته. 

ويضاف هذا التدمير الواسع والمكثف في محافظة شمال قطاع غزة إلى حجم الدمار الهائل الذي رصده طاقم المركزوطال جميع المناطق  التي انسحب منها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد عمليات عسكرية في شمال القطاع وجنوبه،  لكن ورغم ذلك فإن ما تتعرض له مناطق محافظة شمال قطاع غزة ومدينة رفح حالياً يعتبر موجة غير مسبوقة من التدمير العنيف باستخدام أسلحة ذات قوة تدميرية كبيرة، بما في ذلك الروبوتات المفخخة بالمتفجرات، لنسف مدن بأكملها وجعلها كومة ركام.

وتتسارع عمليات الهدم والتدمير الاسرائيلي، ولا سيما في ضوء  ما تنشره وسائل إعلامية إسرائيلية من صور تظهر حجم الدمار، وكذلك التقارير الإعلامية التي تتحدث عن تعاقد القوات المحتلة مع شركات مقاولات2 لتنفيذ أعمال تجريف وهدم للمنازل في محافظة شمال قطاع غزة ومدينة رفح، وهو ما أظهرته مقاطع فيديو3 لآليات ومعدات تابعة لإحدى شركات المقاولات الاسرائيلية الخاصة وهي تقوم بأعمال هدم للمنازل والمرافق المدنية في مخيم الشابورة للاجئين برفح.

وقد وثق المركز جرائم قصف منازل على رؤوس ساكنيها، كان أفظعها مجزرة عائلة أبو النصر ، بمشروع بيت لاهيا، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 مدنياً، بقي أكثر من نصف الضحايا عالقين تحت الأنقاض بسبب استحالة وصول فرق الإنقاذ لهم. وكررت القوات المحتلة استهداف المدنيين ممن تبقوا في تلك المناطق للضغط عليهم وإجبارهم على مغادرتها.  وقد أفاد المواطن أ. ن، 32 عاماً، والذي تم اعتقاله بتاريخ5 نوفمبر2024 والافراج عنه إلى مدينة دير البلح بعد 37 يوماً من الاعتقال، لباحث المركز بما يلي: “في مساء يوم الثلاثاء 29 أكتوبر قصفت طائرات الاحتلال منزل العائلة بعد لجوء معظم أفراد العائلة إليه ونزوحهم من مناطق مخيم جباليا في شمال قطاع غزة، نجوت أنا وبعض أفراد أسرتي، وبقينا نحاول اخراج جثامين أفراد العائلة حتى توقفنا بسبب اشتداد القصف واستهدافنا من الطائرات المسيرة “الكواد كابتر” وذلك بعد اخراج 126 منهم.  لجئنا لمنازل أقربائنا بالقرب من مستشفى كمال عدوان، وبعد كل ليلة نسمع فيها تفجيرات قريبة نتحرك في صبيحة اليوم التالي لنتفاجئ بحجم الدمار خصوصاً في منطقة الأحياء الغربية لمشروع بيت لاهيا، حيث كانت القوات المحتلة تمطرها بقذائف المدفعية، وتسيّر روبوتات تقوم بوضع صناديق متفجرة على مفترقات الطرق وبين المنازل وتفجيرها بعد وقت، ما يحدث دمار كبير ويهوي بعمارات سكنية لحي كامل، ومن ينجو يقرر دفن قتلاه ويتوجه للحاجز تحت تهديد الجوع والقتل.  مضيت أنا وعائلتي شهراً كاملاً نحتمي في منازل أقاربنا إلى ان اشتد بنا الحال وقررنا النزوح لمناطق غرب مدينة غزة بتاريخ 5 نوفمبر2024، إلا أن قوات الاحتلال اعتقلتني وأفرجت عني بتاريخ12 ديسمبر إلى مناطق جنوب قطاع غزة فيما بقيت عائلتي نازحة في مدينة غزة. “

كما تؤكد شهادات جمعها باحثو المركز من سكان نزحوا عن هذه المناطق إلى استخدام القوات الإسرائيلية المحتلة شتى الوسائل في تدمير الأحياء السكنية، منها استحداث أساليب نسف وتدمير باستخدام روبوتات مفخخة، حيث أفادت المواطنة صباح نعيم الدقس، 44 عامًا، من سكان مخيم جباليا، لباحث المركز بما يلي: “منذ بداية الحرب ونحن نعاني من حصار مشدد إلا ان هذه المرة كان الحصار أعنف وأقوى وأشد بكثير، صاحبه قصف مدفعي وتدمير للمباني  بشتى الوسائل كان أحدثها استخدام  الروبوتات المتفجرة، وما تسببه من دمار واسع.  ففي كل يوم كنا نسمع صوت هذه الروبوتات تتحرك بجوار المنزل الذي لجأنا إليه، كنا نشعر أن الموت يقترب شيئاً فشيئاً، فخلال هذه العملية العسكرية فقدت 15 شخصاً من العائلة بسبب قصف منزل مجاور، وبسبب الحصار والجوع أجبرنا على الخروج عبر حواجز الجيش بعد طلبه لنا الإخلاء عبر تسجيلات صوتية بثتها طائرات “الكواد كابتر”، وذلك أيضاً نتيجة خشيتنا تنفيذ التهديدات بقصف مربعات سكنية بالكامل على رؤوس ساكنيها، وهو ما شاهدته عند الخروج باتجاه مدينة غزة، الدمار كبير ولم يبق بيت لم يلحق به التدمير الكلي أو الجزئي.”

أمام ذلك، يُعرب المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن بالغ قلقه إزاء استمرار ازدواجية المعايير الدولية والصمت الدولي حيال هذه الجرائم المتواصلة، واستمرار إخفاق المجتمع الدولي ومؤسساته في وضع حد لسياسة العقاب الجماعي التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلية وتُجرمها المواثيق الدولية، وهو يشكل تواطئاً ضمنياً من دول العالم مع جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون دون اتخاذ أي اجراء يردع مرتكبيها، بل ويمنحهم  غطاءً سياسياً استثنائياً يستطيعون معه مواصلة ارتكاب المزيد من الجرائم التي تطال أرواح وممتلكات الفلسطينيين، والسعي الكبير لتجويعهم وتهجيرهم عن أحيائهم السكنية.

وفي ضوء ذلك، يؤكد المركز أن سعي القوات الإسرائيلية المحتلة لتوسيع رقعة تدمير الأحياء السكنية وبنيتها التحتية على نحو متسارع يندرج ضمن نهج الاحتلال المتعمد لإلحاق أكبر قدر من الضرر المادي والمعنوي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، بهدف تدميرهم والقضاء على وجودهم، وهو ما تحظره المادة (2) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وبناءً على ذلك فإن المركز:

  • يدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، والتحرك بشكل عاجل لحمل اسرائيل على وقف عدوانها وإنهاء جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والامتثال لتدابير محكمة العدل الدولية المؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الابادة الجماعية، وتنفيذ وقف فوري ومستدام لإطلاق النار.
  • يكرر المركز دعوته للمجتمع الدولي، خصوصاً الدول الأعضاء في ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، بتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق.
  • يطالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف معاناة مئات الآلاف من المدنيين العزل المتواجدين في شمال قطاع غزة، وإنقاذهم من خطر الإبادة والتطهير العرقي، والتحرك لوقف المخططات الإسرائيلية والتي أخطرها “خطة الجنرالات” المخالفة لأبسط قواعد القانون الدولي، والتي يجري تنفيذها على قدم وساق دون أي رادع أو جهد ضاغط للحد من عمليات الترحيل القسري التي تمارس بحق السكان.
  1. https://www.facebook.com/watch/?v=449494214873973 ↩︎
  2. https://www.dropsitenews.com/p/israeli-private-construction-company-beit-lahia-northern-gaza ↩︎
  3. https://x.com/ytirawi/status/1860800681096904786 ↩︎