مع دخول الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة شهره التاسع، تمعن قوات الاحتلال في قصف مراكز الإيواء والمنازل على رؤوس ساكنيها وتستمر في اقتراف جرائم قتل جماعي، في وقت زادت فيه مظاهر المجاعة والتدهور الإنساني خاصة شمال غزة، فيما لا يزال المجتمع الدولي عاجزاً عن إجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية أو الامتثال لقواعد القانون الدولي.
وبموازاة القصف الجوي والمدفعي وعبر الزوارق الحربية على جميع أرجاء قطاع غزة بما فيها مناطق سبق أن نفذت فيها قوات الاحتلال هجمات برية عدة مرات، أو مناطق أعلنتها كمناطق آمنة وإنسانية، تستمر معاناة قرابة مليوني نازح في أرجاء القطاع يعيشون في مراكز إيواء وخيام تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة.
ويواجه عشرات آلاف السكان والنازحين، في شمال غزة تحديدًا، أوضاعًا بائسة وكارثية مع تدمير وإحراق غالبية منازلهم ومراكز الإيواء التي كانت تؤويهم خاصة في جباليا ومخيمها، وتزداد مشاهد المأساة الإنسانية الصعبة التي يتعرض لها المدنيون، مع نفاد المواد الغذائية والسلع الأساسية مع توقف وصول المساعدات والبضائع منذ بداية مايو/أيار الماضي، مما ترك عشرات الآلاف على شفا المجاعة. وعاد الأغلبية ليعتمدوا على المعلبات فقط في غذائهم، التي يشتكي غالبية النازحين والسكان – وفق شكاوى تلقاها باحثونا- بأنها منتهية الصلاحية وتسبب لهم أمراضا معوية إلى جانب المغص والإسهال، ما ينذر بتداعيات صحية خطيرة نتيجة سوء التغذية خاصة على الأطفال والمرضى وكبار السن والنساء الحوامل والمرضعات.
وضمن سلسلة جرائم واسعة، كان أبرزها خلال اليومين الماضيين وفق ما وثقه باحثونا ما يلي:
في حوالي الساعة 12:16 ظهر الجمعة 7 يونيو/حزيران الجاري، قصفت طائرات الاحتلال، بصاروخين على الأقل مدرسة “أسماء بنت أبي بكر” الابتدائية للبنات، التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين “أونروا” بمخيم الشاطئ غرب غزة، والتي تضم مئات النازحين والنازحات. لم ينفجر الصاروخ الأول، فيما أصاب الصاروخ الثاني أحد الفصول المخصصة لإيواء النازحين في الطابق الأرضي. أسفر ذلك عن استشهاد أربعة فلسطينيين، وإصابة خمسة آخرين بجروح، نقلوا إلى مستشفى الأهلي العربي، ووصفت حالة عدد منهم بأنها حرجة.
وفي حوالي الساعة 11:20 صباح يوم الجمعة نفسه، قصفت طائرات الاحتلال منزلا لعائلة طبش في عبسان الكبيرة، شرق خانيونس. أسفر ذلك عن استشهاد ثمانية من سكانه بينهم سيدة و4 أطفال، إلى جانب إصابة آخرين بجروح.
وفي حوالي الساعة 3:30 فجر اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال منزلاً لعائلة الرفاتي، في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، دون انذار مسبق، وكان يوجد به عائلة نازحة من رفح. أسفر القصف عن تدمير المنزل واستشهاد ستة من سكانه، بينهم امرأة وثلاثة أطفال. كما أصيب عدد من السكان بجروح.
وفي حوالي الساعة 11:30 مساء الخميس 6 يونيو/حزيران الجاري، أطلقت طائرات الاحتلال صاروخًا واحدا ًعلى الأقل نحو محطة معالجة للمياه تقع خلف السوق الجديد في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، مما أسفر عن استشهاد 5 فلسطينيين، بينهم إياد أحمد المغاري، رئيس بلدية النصيرات، واثنين من أبناء شقيقه.
وفي حوالي الساعة 5 مساء اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال منزلا لعائلة محارب في منطقة الضابطة الجمركية جنوب خانيونس، دون إنذار مسبق. أسفر القصف عن استشهاد 9 من سكانه بينهم نساء وأطفال.
وقد دخل الهجوم العسكري على رفح شهره الثاني، وفيه وصلت قوات الاحتلال ساحل رفح على امتداد الحدود الفلسطينية المصرية، لتكون استكملت انتشارها التدريجي على امتداد الحدود. وطال هجوم قوات الاحتلال البري معظم أنحاء المدينة، متنافيا مع مزاعم الاحتلال التي تبنتها الإدارة الأمريكية وروجت لها بمحدودية الهجوم على رفح التي أجبر غالبية سكانها والنازحين فيها إلى مغادرتها قسرًا على مدار الشهر الماضي، ولا تزال أعداد إضافية ممن تبقوا غرب المدينة ينزحون قسرًا ويبحثون عن مأوى في خانيونس ودير البلح اللتان تتعرض الأطراف الشرقية منها لقصفًا مكثفًا منذ عدة أيام.
ووفقا لمنظمة أوكسفام، يقدر الآن أن أكثر من ثلثي سكان قطاع غزة متكدسين في منطقة تبلغ مساحتها 69 كيلومترا مربعًا – أي أقل من خمس مساحة قطاع غزة.
ووفق آخر تحديث لوزارة الصحة يوم الجمعة، 7 يونيو/حزيران 2024، ارتفعت حصيلة العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة إلى 36,731 شهيدا/ة، 83,530 منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، فيما لا يزال الآلاف مفقودون أو تحت الأنقاض.
تدق مؤسساتنا_ المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مركز الميزان، مؤسسة الحق_ ناقوس الخطر عن عودة مجاعة حقيقية ووشيكة إلى شمال غزة قد تؤدي إلى موت الكثير من الأشخاص جوعا خاصة مع انهيار المنظومة الصحية وافتقار المؤسسات للمواد الأساسية لعملها وللأدوية.
وحتى وقت إعداد هذا البيان، تواصل قوات الاحتلال قصفها الجوي والبري والبحري على جميع أنحاء قطاع غزة، ما يُوقع مزيداً من الضحايا ويتسبب بتدمير المباني والبنى التحتية، مع استمرار معاناة مئات آلاف النازحين والنازحات جراء انعدام مقومات الحياة وتوقف المساعدات وانهيار النظام الصحي.
نجدد دعوتنا للمجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإلزامها بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت تدابير مؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. كما نطالب الدول الأطراف الثالثة بالالتزام بمسؤوليتها القانونية لوضع حد لحصانة دولة الاحتلال وذلك من خلال وقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.
نسخة تجريبية