تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، بأشد العبارات مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي سياسة قصف المنازل السكنية على رؤوس قاطنيها دون إنذار مسبق في رفح جنوب قطاع غزة، كجزء من عملية الترويع الرامية لتهجير السكان والنازحين قسرًا من المدينة الحدودية، تمهيدًا لهجوم بري واسع محتمل فيها.
وأسفرت أحدث الغارات الإسرائيلي، عقب البيان الأخير الصادر عن مؤسساتنا، في 29 إبريل/نيسان الماضي، عن استشهاد 16 فلسطينيًّا، منهم 9 أطفال و4 نساء، أغلبهم عبارة عن أسر، فضلا عن إصابة آخرين بجروح، جراء استهداف مباشر لستة منازل.
ويأتي تكثيف الغارات الإسرائيلية على المنازل السكنية بالتزامن مع اشتداد وتيرة القصف المدفعي الذي يستهدف المنطقة الشرقية من رفح ما يدلل على أن كل ذلك جزء من عملية الترهيب بالقتل والتدمير العشوائي ضد المدنيين والمدنيات، لدفعهم على النزوح القسري مجددًا من المدينة التي تؤوي ما لا يقل عن 1.3 مليون نازح/ة ومقيم/ة، وهو ما عبر عنه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عندما أعلن أن عملية إجلاء المدنيين من رفح قد بدأت، رغم عدم وجود أوامر إسرائيلية رسمية للسكان والنازحين في المدينة بإخلائها. وفي تصريحاته تمسك بالهجوم العسكري الواسع على رفح، متجاهلا الكلفة الإنسانية الباهظة المتوقعة لهذا الهجوم على المدنيين والمدنيات.
ووفق متابعة باحثينا، فإن أبرز الهجمات العسكرية على رفح كانت على النحو الآتي:
في حوالي الساعة 02:11 صباح يوم الجمعة، 3 مايو/أيار 2024، قصفت طائرات الاحتلال منزل علاء عبد القادر شاهين، في حي الزهور في رفح، فوق رؤوس ساكنيه دون سابق إنذار. أسفر القصف عن استشهاد زوجته هيام سعد أحمد شاهين (زعرب) 41 عاماً، وأبنائهما الستة، منهم 5 أطفال، وهم: يوسف 18 عاماً، ويامن 16 عاماً، ويزن 14 عاماً، وبسملة 13 عاماً، وياسين 10 أعوام، وبيسان 7 أعوام، إضافة إلى إصابة آخرين بجروح مختلفة.
وفي حوالي الساعة 17:59 يوم الخميس، 2 مايو/أيار 2024، قصفت طائرات الاحتلال منزلين لعائلة اشتيوي في حي السلام جنوب رفح. أسفر القصف عن تدمير المنزلين بالكامل واستشهاد مدنيين كانا يقفان قرب بقالة مجاورة. كما أصيب آخرون بجروح متوسطة.
وفي حوالي الساعة 23:00 يوم الثلاثاء، 30 أبريل/نيسان 2024، أطلقت قوات الاحتلال قذائف مدفعية تجاه بلدة النصر شرق مدينة رفح، ما أدى إلى استشهاد السيدة رحاب محمد عبد ربه أبو الحصين، 54 عاماً، داخل منزلها.
وقبل ذلك بنحو نصف ساعة، قصفت طائرات الاحتلال منزل محمد مصلح أبو غالي في مخيم الشابورة في رفح فوق رؤوس ساكنيه من عائلة جرادة النازحين من مدينة غزة دون سابق إنذار. أسفر القصف عن استشهاد الطفلين الشقيقين منى، وكريم عامر محمود جرادة، عامان، و5 أعوام. كما أصيب آخرون بجروح مختلفة.
وفي حوالي الساعة 12:25 يوم الاثنين، 29 أبريل/نيسان 2024، قصفت طائرات الاحتلال منزل عبد الفتاح العفيفي في حي تل السلطان غرب رفح فوق رؤوس ساكنيه دون سابق إنذار. أسفر القصف عن استشهاد 4 من بناته بينهن طفلتان، وهن: حنان، 21 عامًا، وأماني، 19 عامًا، وحلا، 17 عامًا، وأميرة، 11 عامًا. كما أصيب آخرون بجروح مختلفة.
كما يتواصل الهجوم العسكري الإسرائيلي في مختلف أرجاء قطاع غزة، مع استمرار القصف الجوي والمدفعي على المنازل وتجمعات النازحين والنازحات. وارتفعت حصيلة ضحايا الهجوم العسكري منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حتى ظهر اليوم الجمعة، إلى 34,622 شهيدًا/ة، و77,867 إصابة وفق وزارة الصحة الفلسطينية بغزة. ومن بين الشهداء قرابة 15 ألف طفل، ونحو 10 آلاف سيدة. ولا يزال يدور الحديث عن آلاف الجثامين تحت الأنقاض، يتعذر على الطواقم المختصة انتشالهم لعدم توفر إمكانيات ومعدات لازمة، أو لوجودهم في مناطق تشهد تمركزًا لقوات الاحتلال.
تؤكد مؤسساتنا، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق، أن استمرار الاحتلال في ارتكاب هذه الجرائم المروعة هو نتيجة لسياسة الإفلات من العقاب التي تحظى بها إسرائيل في ظل الحصانة التي توفرها لها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية مع غياب آليات تنفيذية تلزمها بقواعد القانون الدولي الإنساني.
كما ونجدد تحذيرنا من مخاطر شن هجوم عسكري شامل على رفح، ونحذر بأن مئات آلاف السكان والنازحين لا يزالون في المدينة ويتعذر عليهم العودة لمنازلهم، خاصة النازحين قسرًا من محافظة غزة ومحافظة الشمال، حيث يواصل الاحتلال منعهم من العودة إلى منازلهم.
وبناء عليه، تطالب مؤسساتنا المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على الالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية الملزمة بمنع ارتكاب إبادة جماعية تستهدف 2.3 مليون فلسطيني/ة في قطاع غزة، من خلال سياسة القتل الجماعي وإيقاع الأذى الجسدي والنفسي البليغ، والتدمير الشامل للمنازل والبنى التحتية ومقومات الحياة، والعقاب الجماعي المتمثل بالتجويع والتعطيش والحرمان من العلاج ودفعهم إلى النزوح بعيداً عن أماكن سكناهم في ظروف تفتقر لأبسط حقوق الانسان ومن ثم استهدافهم في مكان نزوحهم وقتلهم.
كما تحذر مؤسساتنا شركاء اسرائيل في جريمة الإبادة الجماعية، سواء بدعمهم العسكري والسياسي غير المحدود لدولة الاحتلال أو بصمتهم، وتطالبهم بالوفاء بالتزاماتهم القانونية قبل فوات الأوان، وتطالبهم باتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين والمدنيات الفلسطينيين ووقف القتل الجماعي ومنع استكمال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة. تؤكد مؤسساتنا ضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقت أي هجوم قادم على رفح والعمل على تأمين عودة النازحين إلى مناطق سكناهم وتوفير مقومات الحياة الأساسية اللازمة لهم من خدمات مياه وفتح الطرق المغلقة وغيرها.
نسخة تجريبية