ظهور شلل الأطفال بعد 25 عاماً من القضاء عليه
الاحتلال يتعمد اغراق قطاع غزة بالأمراض والأوبئة ما يعكس نيته ارتكاب جريمة إبادة جماعية
27 أغسطس 2024
يحذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان من تجاهل دولة الاحتلال الاسرائيلي جميع المطالبات والدعوات الرامية للتدخل العاجل والمنقذ للمدنيين في قطاع غزة، والذين باتوا على مشارف كارثة إنسانية غير مسبوقة، لا سيما بعد الإعلان الأخير عن تسجيل أول حالة إصابة بفايروس شلل الأطفال من النوع الثاني، والذي نجحت المنظومة الصحية الفلسطينية بالقضاء عليه منذ 25 عاماً.
ويؤكد المركز أن الوقت بدأ ينفد دون أي إجراء يوقف انتشار الأمراض المعدية والوبائية، ما يشكل تغطية للنية التي تبيتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جريمة إبادة جماعية، وهو ما ظهر جلياً في وقت مبكر من العدوان الحالي خلال تصريحات أدلى بها قادة الاحتلال، ومنهم أحد أهم النخب الإسرائيلية الجنرال غيورا آيلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، في مقال نشر منتصف نوفمبر 2023 ” يحذرنا المجتمع الدولي من كارثة إنسانية وأوبئة شديدة، يجب ألا نخجل من ذلك. الأوبئة في جنوب قطاع غزة ستعجل من النصر”.
يرى المركز أن جهود مكافحة تفشي هذا الفايروس الخطير يجب أن تبدأ بالضغط على دولة الاحتلال للامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولي، إضافة ً إلى وقف عاجل لإطلاق النار لأغراض إنسانية وفق ما دعت إليه المنظمات الدولية، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية بما فيها الأدوية واللقاحات لا سيما لقاح فيروس شلل الأطفال الفتاك (nOPV2)، والعمل على توفير أجهزة التبريد اللازمة لحفظ هذه اللقاحات، ما يضمن تنظيم حملة عاجلة وفعالة لتطعيم أكثر من 640,500 طفل دون سن العاشرة.
وتخلق دول الاحتلال في عدوانها المستمر على قطاع غزة بيئةً خصبة ً لتفشي الأمراض بتعمدها تدمير كافة القطاعات الحيوية، ومنع ادخال المساعدات والمواد الأساسية والطبية اللازمة لإنقاذ حياة السكان، والاستهداف الممنهج للمنظومة الصحية، وتدمير أنظمة المياه والصرف الصحي، وانهيار آلية جمع النفايات، ومنع إدخال أدوات النظافة الشخصية، وخنق نحو 2 مليون مواطن في 15 ميلاً مربعاً فقط، وهي مساحة لا تتجاوز 11% من مساحة القطاع، تتعمد القوات المحتلة إغراقها بالأوبئة والامراض المعدية.
وقد شكل خروج ثلثي المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية في قطاع غزة عن الخدمة ضربة كبيرة لجهود برنامج تحصين الأطفال في قطاع غزة، والذي حقق نسبة تغطية عالية وصلت (99%) في السنوات الأخيرة وفق تقارير وزارة الصحة الفلسطينية1، وهو ما تسبب بفقدان السيطرة على الحالة الوبائية وتسجيل أكثر من مليون ونصف حالة إصابة بعدة أمراض وبائية ومعدية، منها أمراض كان الأطفال يتلقون لها لقاحات مجدولة في سنين حياتهم الأولى.
وقد أفاد الطبيب هاني الفيليت، رئيس قسم الأطفال في مستشفى شهداء الأقصى، لباحثي المركز أنه تم تسجيل أولى حالات الإصابة بشلل الأطفال بتاريخ 16 أغسطس 2024 لطفل نازح يبلغ من العمر 10 شهور، بعدما لم تتمكن عائلته من الوصول إلى مراكز التطعيم المعتمدة بسبب عمليات الإخلاء وصعوبة التنقل وتدهور الأوضاع الأمنية. وأضاف الدكتور الفليت: “تكمن خطورة تفشي فايروس شلل الأطفال بوجود شريحة كبيرة من الأطفال غير المحصنين منه، وهم الأطفال الذين نزحوا مع عائلاتهم من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، إضافة إلى المواليد الجدد الذين يحصلون على اللقاح على عمر الشهرين، ويكون انتشار الفيروس بوتيرة أعلى، وتأثيره مضاعفاً ووفق الظروف الحالية. وينتشر الفايروس إذا ما وصل بطريقة ما إلى طعام وشراب طفل لم يحصل على التطعيم، وهذا وارد جداً بسبب اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، والازدحام الشديد في مراكز الإيواء، إضافة إلى انتشار برك مياه الصرف الصحي بين الخيام وفي الطرقات، وتراكم أطنان النفايات في الشوارع. إن ما يثير القلق هو الخشية من انتشار الفايروس في محيط الطفل المصاب، وربما لو تم إجراء فحوصات قد نجد من 50-100 طفلاً مصاباً أو حاملاً للفايروس”.
وعلى الرغم من ضعف منظومة الرصد الوبائي، وعدم قدرتها على تتبع الاحصائيات في كامل قطاع غزة إلا أنه تم تسجيل أكثر من مليون ونصف حالة لأمراض معدية في مناطق وسط وجنوب القطاع تتمثل بأمراض جلدية والتهاب الجهاز التنفسي العلوي والتهاب الكبد الوبائي أ، ومرض السحايا والزحار والإسهال المائي وغيرها، والتي أدت لوفاة عدد كبير من الأطفال.
وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية فقد سُجل خلال 10 شهور من العدوان نحو 974253 حالة مرضية تعاني من التهابات في الجهاز التنفسي، فيما يُسجل أسبوعياً نحو 3500 حالة جديدة، كذلك تم رصد 562753 حالة اسهال، منهم 122338 حالة لأطفال أقل من 5 سنوات، مع تسجيل وتيرة إصابة لنحو 18000 حالة جديدة أسبوعياً. كما تم تسجيل نحو 500 حالة من الاسهال الدموي، و103385 حالة من الجرب والقمل، و65368 من الطفح الجلدي، و11214 حالة من جدري الماء، و104766 حالة من اليرقان الحاد، ويُسجل أسبوعياً نحو 1500 حالة جديدة كونه شديد العدوى.
وتشهد المستشفيات المتبقية في شمال قطاع غزة بإمكانياتها المحدودة للغاية حالة من الترقب الكبير، مع خشية طواقمها التعامل مع وباء في ظل استمرار العدوان والحصار المشدد على مدينة غزة وشمالها، حيث أفاد الطبيب حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، لباحثي المركز بما يلي: “تسجيل أول إصابة بشلل الأطفال في وسط وجنوب القطاع يعد انذاراً لكارثة حقيقية تهدم فيه القوات الإسرائيلية المحتلة مسيرة كبيرة من النجاح في برنامج التحصين والتطعيمات الفلسطيني الذي قضى على مثل هذه الأمراض خلال العقدين الماضيين. إذ تخلق دولة الاحتلال بيئة حاضنة لتفشي الأوبئة والامراض المعدية، بعد تدميرها المتعمد للبنية التحتية وأنظمة المياه والصرف الصحي، وحرمان الفلسطينيين من الحصول أدوات النظافة الشخصية. وهنالك خشية كبيرة أن نتعامل مع فايروس سريع العدوى والانتشار في ظل ما نعانيه من نقص في الإمدادات الطبية وحتى العجر في العاملين الصحيين المدربين والمتخصصين. هذا الفايروس يحدث تلف في الوصلات العصبية داخل جذع الدماغ، وهو معدٍ بدرجة عالية جداً، وقد لا ينتبه الأطباء والأهالي على أعراضه، لذا فإن أفضل اجراء لمكافحة المرض هو وقف العدوان أولاً وإعادة تفعيل نظام التطعيمات لكافة الفئات العمرية والسماح للطواقم الطبية للعمل بحرية وبشكل آمن، وتمكين الأهالي من التحرك بأمان وصولاً لمراكز التطعيم. نحن أمام أيام صعبة، ولا نعلم عدد الحالات المصابة، والتي لا توجد عليها علامات واضحة، حتى ان كثير من الأهالي لا يعلمون الأعراض للتنبؤ بها والذهاب إلى المستشفى. عالمياً متعارف على الفايروس أنه يصيب الأطفال في سن أقل من خمس سنوات، ولكن قد يصيب الكبار أيضاً”.
يرى المركز أن ما تقوم به إسرائيل بصفتها “القوة القائمة بالاحتلال” من استهداف ممنهج للمدنيين والبنى التحتية الأساسية في قطاع غزة، ودفع المنظومة الصحية للانهيار التام، وخلق بيئة قسرية عمقت من الكوارث الإنسانية، وتسببت في انتشار الأمراض الوبائية بين مئات آلاف النازحين، يشكل انتهاك صارخ وخرق جسيم لالتزامات إسرائيل القانونية، وفقاً لقواعد لاهاي عام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة 1949، وخاصة المواد 55 و56 من ذات الاتفاقية والتي تلزم دولة الاحتلال بكفالة حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية، عدا عن عدم منعها أي نشاط يتضمن توفير الأدوية والمواد الطبية.
كذلك يمكن إدراج الانتهاكات الإسرائيلية ضمن جرائم الحرب المرتكبة التي ينطبق عليها ما ورد في المادة (3) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، حيث يواجه السكان خطرًا متصاعداً يطال كافة جوانب حياتهم وكرامتهم الإنسانية بسبب التدمير الكامل للبنية التحتية الصحية، والإجراءات القسرية التي تمنع وصول المساعدات الطبية الضرورية إلى سكان القطاع المحاصرين في ظروف غير إنسانية، ما يجعل القطاع بيئة خصبة تتنامى فيها الأمراض والاوبئة دون القدرة على وقفها، وهو ما يمكن اعتبارها إجراءات تهدف إلى القضاء جزئيًا على مجموعة سكانية معينة، وهذا يعد تكريساً لجريمة الإبادة الجماعية. وفي ضوء ما سبق، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
_________________________________________________
نسخة تجريبية