تقرير حول أعمال الإعدام خارج نطاق القانون التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين خلال الفترة بين 29/4/2001-28/9/2001
حقائـــق:-
مقدمـــة
هذا هو التقرير الثاني من نوعه، الذي يصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، حول عمليات الاغتيال التي نفذتها قــوات الاحتلال بحـــق الناشطين الفلسطينيين خلال انتفاضـــة الأقصى. ويغطي هــــذا التقرير الفترة بين 29/4/-28/9/2001، أي فترة الخمسة شهور الأخيرة من العام الأول لانتفاضة الأقصى.[1] وكان المركز قد اصدر، في وقت سابق، تقريره الأول، حول تلك العمليات، غطي الفترة بين 29/9/2000-28/4/2001، ووثّق خلاله 13 عملية اغتيال، طالت 13 مستهدفاً من قبل قوات الاحتلال، إلى جانب ستة فلسطينيين غير مستهدفين، كانوا يتواجدون في منطقة الحادث.[2] ويتزامن إصدار هذا التقرير مع مرور عام على انتفاضة الأقصى الذي بلغ حصاده 41 عملية اغتيال[3]، طالت حياة 53 فلسطينياً، بينهم 35 فلسطينياً مستهدفاً، إلى جانب 18 فلسطينياً، كانوا يتواجدون صدفة في منطقة الحادث. كما أصيب خلال تلك العمليات 65 فلسطينياً، بينهم 13 مستهدف، و52 من غير المستهدفين الذين تواجدوا مصادفة في مكان الحادث، أو كانوا مرافقين للضحية.
وقد شهدت الفترة قيد البحث تصعيداً كمياً ونوعياً خطيراً في عمليات الاغتيال، التي نفذتها قوات الاحتلال بحق الناشطين الفلسطينيين. فعلى المستوى الكمي، نفذت قوات الاحتلال، خلال الفترة قيد البحث، 26 عملية اغتيال، طالت 22 فلسطينياً مستهدفاً، إلى جانب 12 فلسطينياً غير مستهدفين، بينهم أطفال، كانوا يتواجدون في منطقة الحادث. كما أصيب في تلك العمليات 50 فلسطينياً، بجروح، تراوحت بين متوسطة وخطيرة. بينهم 13 مستهدفاً، و37 آخرين تواجدوا مصادفة في مكان وقوع الجريمة. كذلك، نفذت قوات الاحتلال، خلال الفترة قيد البحث أيضاً، 10 عملية اغتيال فاشلة، لم تؤد إلى مقتل الأشخاص المستهدفين، ولكنها أصابت بعضهم بإصابات مختلفة، ونجا البعض الآخر دون أية إصابات. في هذا الصدد، أصيب 11 مستهدف بجروح مختلفة، أربعة منهم بجروح خطيرة، جراء تلك العمليات، ونجا ثلاثة آخرون، دون أن يصابوا بأذى.
أما على المستوى الكيفي، فقد شهدت الفترة قيد البحث تطوراً خطيراً في نوعية وطبيعة الأشخاص، الذين استهدفتهم قوات الاحتلال. فبعدما كان الأمر يقتصر على الفلسطينيين، الذين تتهمهم قوات الاحتلال بالضلوع في التخطيط أو تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية، وسعّت قوات الاحتلال من شريحة الفلسطينيين المستهدفين، لتشمل القادة والكوادر السياسيين للأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية. في هذا السياق، نفذت قوات الاحتلال، خلال الفترة قيد البحث، اثنتين من أبشع عمليات الاغتيال، التي استهدفت قيادات وكوادر سياسية فلسطينية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في التاسع والعشرين من سبتمبر 2000. فبتاريخ 31/7/2001، قصفت قوات الاحتلال، مستخدمة الصواريخ، الموجهة، المنطلقة من طائرات الأباتشي، “المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام”، الواقع في بناية سكنية وسط مدينة نابلس، فقتلت ثمانية مواطنين، من بينهم اثنان من أبرز القادة السياسيين لحركة حماس في نابلس، وهما جمال منصور، 41 عاماً من نابلس وجمال سليم،41 عاماً من نابلس.[4] وبتاريخ 27/8/2001، قصفت قوات الاحتلال، مستخدمة الصواريخ، الموجهة، المنطلقة من طائرات الأباشتي، مكتب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مصطفى الزبري “أبو على مصطفى” في رام الله، فقتلته على الفور، وأصابت عدداً آخر من العاملين في المكتب وسكان المبنى بجروح تراوحت بين خطيرة ومتوسطة.[5]
كما شهدت الفترة قيد البحث الكثير من حوادث التفجير، التي وقعت في مبانٍ سكنية، محال تجارية، وسيارات، علاوة على ظروف أخرى، وجد فيها نشطاء فلسطينيون في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية وقطاع غزة ويشتبه في ضلوع أجهزة الأمن الإسرائيلية في تنفيذها. وقد أودت تلك التفجيرات، التي بلغ عددها 13 حادثاً، بحياة 28 فلسطينياً، بينهم طفلان شقيقان. فعلى سبيل المثال، وقع بتاريخ 19/8/2001، انفجار في أحد البيوت السكنية في مدينة رفح أودى بحياة أحد النشطاء الفلسطينيين، وحياة أثنين من أطفاله. وبتاريخ 30/7/2001، وقع انفجار شديد، في أحد المحال التجارية في وادي الفارعة في جنين أودى بحياة ستة من النشطاء الفلسطينيين. أما بتاريخ 28/9/2001، فقد وقع انفجار في إحدى الضواحي السكنية في وادي الهرية، جنوبي مدينة الخليل، أدى إلى مقتل أحد عناصر الجهاد الإسلامي، بعد إصابته بعدة شظايا في الجهة الخلفية من الرأس، وفي البطن.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد اتخذت بتاريخ 21/6/2001، قراراً باستئناف عمليات الاغتيال وتكثيفها بحق النشطاء الفلسطينيين، واعتبرت أن العمليات، المزمع تنفيذها، لا ينطبق عليها وقف إطلاق النار، الذي كان قد أعلن عنه بتاريخ 13/6/2001. على ضوء ذلك، نفذت الحكومة الإسرائيلية خلال الفترة بين 21/6/-29/9/2001، 21 عملية اغتيال، طالت 20 مستهدفاً، إلى جانب 11 من المدنيين، الذين وجدوا في منطقة الحادث. هذا إلى جانب تنفيذها لثماني عمليات اغتيال فاشلة، لم تؤد إلى مقتل المستهدفين. وشهدت الفترة نفسه أيضاً، وقوع 7 عمليات تفجير، استهدفت مباني سكنية، محال تجارية، وسيارات، كان يتواجد فيها نشطاء فلسطينيين، وأودت بحياة 16 فلسطينياً بينهم طفلان شقيقان. تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية، كانت قد نفذت، خلال الفترة ما بين 7/3/-21/6/2001، أي منذ تاريخ تولى شارون مقاليد الحكم في إسرائيل حتى تاريخ اتخاذ ذلك القرار، تسعة عمليات اغتيال أودت بحياة أربعة نشطاء فلسطينيين مستهدفين، وأحد المدنيين الذي وجد، صدفة، في مكان وقوع الحادث. وشهدت الفترة نفسها خمس عمليات تفجير في مباني سكنية، محال تجارية، وسيارات، أودت بحياة ستة نشطاء فلسطينيين، وأربعة مدنيين آخرين.
وتدعي إسرائيل أن تلك الأعمال تأتي في سياق سياسة الدفاع عن النفس، التي تنتهجها قواتها بهدف منع تنفيذ عمليات “إرهابية” ضد أهداف إسرائيلية عسكرية ومدنية. هذا ما عبر عنه موشيه كتساب، رئيس دولة إسرائيل، عندما وصف تلك العمليات بأنها “عمليات دفاع عن النفس ضد الذين يخططون ويعملون ضد أهداف إسرائيلية.”[6] ولهذا ليس مستغرباً، أن يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون، في تصريح خاص نشرته صحيفة القدس بتاريخ 14/5/2001 بأن “إسرائيل تعترف ببعض الأعمال وتلتزم الصمت إزاء أخرى وتنفي أخرى.” ويضيف شارون، في إحدى المقابلات التي أجراها التلفزيون الإسرائيلي معه بتاريخ 2/7/2001، أن “قواته نفذت مجموعة من عمليات التصفية خارج إطار القانون في كل من طولكرم، نابلس، وجنين، وأدت إلى مقتل الكثير من النشطاء الفلسطينيين، وأن إسرائيل لن تتردد مستقبلاً في تصفية كل من تشتبه به إذا رأت أن ذلك يخدم المصلحة الإسرائيلية.”[7] وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 4/7/2001، خبراً، يؤكد أن الجيش الإسرائيلي وضع لائحة تضم 26 اسما فلسطينيا ناشطاً وافقت على الحكومة على تصفيتهم، وتضم القائمة أعضاء في حركة فتح والجبهة الشعبية، إضافة إلى حركتي الجهاد الإسلامي وحماس.
والواقع أن ملابسات وظروف عمليات الاغتيال، التي نفذتها قوات الاحتلال بحق الناشطين الفلسطينيين تنفي، وبشكل قاطع، الادعاءات الإسرائيلية بأن تلك العمليات، تأتي في سياق الدفاع عن النفس. فعلى سبيل المثال، أقدمت قوة خاصة من الجيش الإسرائيلي بتاريخ 23/7/2001 على تصفية مصطفى ياسين، 26 عاماً من جنين، على مرأى زوجته وطفله،بعد أن أفرجت عنه قبل يومين فقط من تاريخ تصفيتها له، حيث كانت قد احتجزته على أحد الحواجز العسكرية. وتشير الأدلة أن قوات الاحتلال أطلقت النار على ياسين، وتركته ينزف، حتى توفى، دون أن تقدم أو تسمح لزوجته بتقديم الإسعافات اللازمة له، الأمر الذي يؤكد أن هناك نية مسبقة لقتل ياسين، وليس الدفاع عن النفس، خصوصاً أنه كان بمقدور قوات الاحتلال اعتقال ياسين وعدم الإفراج عنه إذا كانت بالفعل تهدف إلى منعه من تنفيذ أي عمل ضد أهداف إسرائيلية عسكرية ومدنية، هذا إذا كان بالفعل هناك ما يثبت أن لدى ياسين نية للقيام بذلك.
على صعيد آخر، تؤكد ظروف وملابسات حوادث أخرى بأن إسرائيل لا تعر أي اهتمام لإمكانية مقتل مدنيين أم لا أثناء استهدافها للنشطاء الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، لم تتردد قوات الاحتلال الإسرائيلي عن قصف البناية السكنية، التي يقع فيها مكتب جمال منصور وجمال سليم، من أبرز قادة حماس في نابلس، بصواريخ من طائرات الأباتشي، الأمر الذي أدى إلى مقتلهما، ومقتل ستة مدنيين أبرياء، بينهم طفلان وصحفيان، وإصابة عدد آخر من المدنيين.