ر. ه ، 39 عامًا، متزوجة، أم لثلاثة أطفال، مريضة ضغط مزمن، سكان بيت لاهيا، نازحة الآن في رفح
عندما بدأت الحرب في 7 أكتوبر 2023، كنت في مستشفى كمال عدوان، لعلاج ابني، 5 أعوام، الذي كان يعاني من أزمة صدرية. وبعد ثلاث أيام تقريباً انتهيت من علاج ابني في المستشفى وخرجنا منها باتجاه مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين في معسكر جباليا، والتي تحولت إلى مركز إيواء.
مكثت في المدرسة إلى حين استهدف الاحتلال المدرسة كما أذكر في شهر نوفمبر 2023 (تعرضت المدرسة في 18/11/2023 إلى قصف إسرائيلي أدى إلى عدد كبير من الشهداء والجرحى)، وأدى ذلك إلى استشهاد زوجة زوجي الأخرى وثلاثة من أطفالها. أصابني بالذعر والخوف على نفسي وأولادي، فخرجت مسرعة إلى مدرسة أبو حسين التابعة لوكالة الغوث في معسكر جباليا. ولاحقًا قصفها جيش الاحتلال دون سابق إنذار. ورافق ذلك إلقاء منشورات بأن الممر الموصوف بالآمن مفتوح باتجاه جنوب وادي غزة، فأخذت أولادي وذهبنا عبر الممر لنبحث عن مأوى لنا أو خيمة في رفح.
بتاريخ 2/12/2023، تحركت ووصلت إلى الحاجز الذي يقيمه الاحتلال على طريق صلاح الدين بهدف النزوح عبر الطريق الآمن كما ذكر جيش الاحتلال. عند وصولي الحاجز، نادى الجنود عبر الميكروفون لي أن أذهب عندهم. قلت لهم: وأطفالي وأعمارهم تتراوح بين 13 و5 سنوات، أين اذهب بهم؟ قالو لي: اتركيهم يمشوا لحالهم. سألوني ما اسمك؟ قلت لهم اسمي، ثم سألوا مرة أخرى عن رقم هويتي فأعطيتهم إياه، من ثم قالوا لي اذهبي خلف الساتر الرملي، الذي أقاموه على أطراف الطريق. ذهبت خلف الساتر الرملي، فوجدت خيمة مفتوحة، أخذوني وقيدوني وفتشوني وعصبوا عيني. جاء محقق وبدأ بالتحقيق معي. سألني عن اسمي، ثم بدأ يسأل عن حماس وكان يريد أن يعرف إن كان من عائلتي من ينتمي لحماس.
مر حوالي 5 إلى 6 ساعات تقريباً وانا أنتظر لا اعرف ما مصيري وما مصير اطفالي وأين ذهبوا. وعندما حاولت أن أرفع عيني قليلاً لعلي أرى أين أنا، وجدت المكان معتما جداً، وكان معي في نفس المكان امرأة أخرى. ومن ثم قاموا بحملنا عبر شي لا أعرف ما هو هل هي رافعة أم شاحنة أم ماذا لا اعرف!
أخذونا إلى منطقة خالية لا يوجد فيها أحد أو أي شيء، مكثنا فيها ذلك اليوم. في اليوم التالي، أخذونا إلى منطقة أخرى قمنا بنزع ثيابنا وألبسونا بيجامات بدون أي ملابس داخلية، وبعدها اخذونا على معتقل اسمه “عان تود”، مكثنا في الطريق تقريبا 8 ساعات إلى أن وصلنا إلى هذا المعتقل.
مكثت في المعتقل 8 أيام تقريبا بين تحقيق وإذلال عن طريق تشليحي للصنادل وضربي على وجهي به وضربوني ببساطيرهم وأرجلهم على فخذيّ، وأخذوني للتحقيق 4 مرات. كانوا يأخذوني في الصباح باكراً ويرجعوني في المساء. كان التحقيق يمتد لساعات طويلة، تقريبا 8 ساعات في كل تحقيق. كانوا عندما يأخذوني للتحقيق يقومون بتفتيشي عن طريق تعريتي بالكامل، وكانت المجندات يقمن بحركات تحرشية بأفواههن وذلك عن طريق عض شفاههن بأسنانهن خلال تشليحنا، والجنود “يتبصبصوا” علينا وكانوا يقومون بتكبيل أرجلنا مع قيامهم بالمسخرة والضحك وشتمنا بشتائم نابية متعلقة بشرفنا والأعضاء الحساسة، مع القيام بحركات تحرشية.
وعندما ننتهي من التحقيق نُفتش مرة أخرى. كنت عندما أريد الذهاب إلى الحمام لا يرفعون القيود، فنبقى مكبلين، يقولون لنا: “دبرن حالكن”. كانت معي امرأة معتقلة تقوم بإنزال البنطلون وعندما أنتهي ترفعه، وهكذا نساعد بعضنا. كنا عندما نريد شرب ماء نطلع درجات عديدة حتى نشرب من الحنفية، يقوموا بإطعامنا ونحن معصوبي العينين، من ثم أخذونا إلى سجن الدامون في حيفا.
مكثت في السحن 45 يوما، كل يوم تحقيق ليتأكدوا من كلامنا ومن المعلومات التي لديهم. كل هذه المدة وأنا مكبلة الأيدي، كان السجن في الدامون عبارة عن غرفة تتكون من خمس أسرة وبطانية واحدة وفرشة خفيفة والحمام موجود من غير مياه، كانت الغرفة صغيرة كانوا يقومون بوضع عدد كبير فيها. في جلسة تحقيق اخبرت المحقق أنني بتاريخ 7 أكتوبر كنت في المستشفى، فقال لي كل بنات غزة كذابات ومنافقات، الإسرائيليات جزمهن عليكن وقال لي كلاماً بذيئاً لا أستطيع التلفظ به. وقد كان يحدث تحرش ببعض الأسيرات وذلك بالتحسيس على رقابهن وصدورهن وقرصهن من صدورهن وكانوا ينزعون الحجاب عنا دائما.
أذكر في يوم عندما سمعنا في صفقة الهدنة قالو لنا المجندات تنبسطوش كتير الصفقة ليست لكم الصفقة لنا نحن. أنتم لا تخرجون بصفقات أنتن هنا مختطفات والعديد من الكلام الاستفزازي.
ارتفع ضغطي خلال فترة اعتقالي كوني مريضة ضغط مزمن. قمت بالصراخ على الباب، ومر مدير السجن، ورفض طلبي للعلاج. أغمى علي ووقعت على الأرض، ثم قيدوا يديّ ورجليّ وأخذوني أفحص ضغطي.
كانوا يستفزونا إن كنا نريد شرب الماء، فهو فقط من الحنفية، والحنفية كلور وملوثة، فنقوم بتعبئة الماء بالزجاجة ونتركها لمدة نصف ساعة إلى أن تتصفى. أصبحت المعتقلات يعانين من مغص وحرقان في الحلق وإمساك غير مسبوق ويشكين من المعدة.
وعندما يأتي الممرض كان يقوم بإعطائنا الدواء، وعندما نقوم بطلب الدواء منه يقول” انتو كلوا دوا دوا” كان شديد العصبية ويشتمنا. كنا نقول له وفروا لنا مياه نظيفة. أما الأكل فكان عبارة عن أرز أبيض نيء، والمعكرونة تقدم نصف استواء، النقانق نيئة، وكمية الأكل محدودة على قدر المعلقة. الخبز ثلاث شرائح في اليوم من الخبز الرقيق، الحلو ممنوع، القهوة ممنوعة، الشاي دافي دفا، معاناة كبيرة، وكان ممنوع أن يسمعوا صوت، كنا نصلي وكنا ندعي كانوا يفتح السجن كأنه بدهم يعدونا لنسيب صلاتنا وكنا نكمل صلاتنا ولما يعاقبونا كانوا يقطعوا المياه عنا. أصعب شيء كان في السجن المياه والأكل وكان ممنوع البكاء إذا بكينا كانوا يزيدون التعذيب مثلا أنا أيدي كانت محفرة من الكلبشات ومريضة ضغط أقول للمجند ايدي وأوردتي أنا معي ضغط كان يزيد في شد الكلبشات، يقطعون المياه علينا.
من أشكال التعذيب في التحقيق، كانوا يجبرونني على أن أنحني على الأرض وتصعد الجنديات بركبهن على ظهورنا أو يجعلوا جندية سمينة ترتمي علينا.
كانوا يلقون لنا الأكل مثل الكلاب وكان ممنوع نأخذ الأكل لحد ما يسكروا، وبعدها نفتح ونأخذه. خلال احتجازنا ممنوع النوم نهائيا وكانوا دائما يشتموننا بألفاظ غير لائقة. كانت الفرشة رقيقة والبطانية سوداء اللون، كنا نموت من البرد ولا كأنهم شايفينا، محارم للتواليت كانوا ينشفوا ريقنا لما يعطونا إياها. كنا نتبول على أنفسنا، قبل الذهاب الى التواليت، ناهيك عن الإهانات والتهديد. كانوا يقومون بتهديدي “والله لنحرمك أولادك وأخوتك”.
بتاريخ 12/1/2024، خرجت من المعتقل إلى معتقل آخر فيه كثير من جنود جيش الاحتلال وقناصة، مكثنا فيه ليلة واحدة. وفي اليوم التالي، أرسلونا إلى معبر كرم ابو سالم في قمة الذل وهم يضحكون علينا ويطلقون النار فوقنا إلى أن وصلنا إلى خيمة تابعة لموظفين من الأمم المتحدة. ومن ثم نقلونا على مدرسة الطائف في رفح عبر الباص. لم أكن أفكر في شيء إلا في أطفالي الذين مشوا عبر الممر الآمن والرصاص من حولهم ولم أكن أعرف مصيرهم.
فور وصولي تركت كل شيء، وخرجت أفتش عن أطفالي الثلاثة إلى أن وجدني شخص وتعرف عليّ وقال لي أولادك مع شخص أخذهم إلى مخيم النصيرات، ومن ثم عثرت عليهم في جامعة القدس المفتوحة. لم أصدق نفسي أصبحت أصرخ وأقوم باحتضانهم من شدة شوقي وخوفي عليهم.
نسخة تجريبية