شنت القوات المحتلة الإسرائيلية يوم أمس الجمعة،27 ديسمبر2024 هجوماً شرساً ودموياً طال مستشفى كمال عدوان، الأهم في محافظة شمال قطاع غزة الذي يقدم خدماته الصحية بإمكانيات بشرية وطبية محدودة نتيجة الحصار والاستهداف المتكرر طوال عام وشهرين من العدوان. وكتتويج لجريمة الإبادة الجماعية المستمرة، وتحدٍ للأعراف والقوانين الدولية أخلت القوات المحتلة المستشفى بالقوة وأحرقت أقسامه بشكل وحشي، بعد القيام بهجمات دموية وتفجير المباني المحيطة بواسطة الروبوتات المفخخة، ما أسفر عن قتل وإصابة العشرات من بينهم كوادر طبية.
إزاء هذه الجريمة الخطيرة، يستنكر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان الصمت الدولي وازدواجية المعايير حيال الممارسات الإسرائيلية التي تخالف أبسط مبادئ القانون الدولي الانساني، وما يشكله ذلك من تواطؤ دولي مع جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون دون اتخاذ أي اجراء يردع مرتكبيها. ويؤكد المركز أن ذلك يمنح دولة الاحتلال غطاءً سياسياً بمستوى من يقدم لها الأسلحة لمواصلة تنفيذ هدفها بإفراغ محافظة شمال غزة من سكانها، ليس فقط من خلال أعمال القصف والقتل والتدمير الوحشي للأحياء السكنية والتجويع وحرمان السكان من أدنى مقومات الحياة، انما أيضاً من خلال القضاء على ما تبقى من المنظومة الصحية، وحصر الخيارات أمام المدنيين بالمغادرة قسراً أو الموت بلا مستشفيات وخدمات منقذة للحياة.
يتابع المركز بقلق كبير مصير الكوادر الطبية والمرضى الذي بات مجهولاً بعد اعلان وزارة الصحة1 عن اعتقال الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة، وعدد من طواقمه الصحية والمرضى. ووفق المعلومات المتوفرة للمركز، فقد حاصرت قوات الاحتلال مستشفى كمال عدوان يوم أمس الجمعة، وعمدت إلى إحراق جميع أقسام المستشفى بما فيها المستودعات الطبية، اعقبها اقتحام المستشفى واحتجاز طاقم إدارة المستشفى وجزء من الكادر الصحي والمرضى من الحالات الحرجة بينما أمرت بنقل بعض المرضى والمصابين مع الكوادر الطبية من النساء إلى المستشفى الإندونيسي الذي يفتقر لأدنى الإمكانيات الطبية، ولا يتوفر فيه مصادر للطاقة الكهربائية. وبحسب بيان وزارة الصحة الصادر صباح اليوم السبت 28 ديسمبر 2024، فقد عاش المرضى والمصابون ليلة قاسية بعد اجلائهم قسراً إلى المستشفى الإندونيسي، في ظروف إنسانية صعبة، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا غطاء ولا طعام ولا مستلزمات طبية، وهو ما يشكل خطراً على حياتهم وبدء العد التنازلي لفقدان حياتهم.
ووفق تصريحات إعلامية أدلت بها الممرضة شروق صالح2، العاملة في مستشفى كمال عدوان، فور وصولها مدينة غزة وبعد إجبارها وزملائها على إخلاء المستشفى قسراً، فإن القوات المحتلة مارست التنكيل بكل من المرضى ومرافقيهم، حيث أفادت: “تفاجئنا بمحاصرة المستشفى وحرق قسم الأرشيف الطبي فجراً، وقامت القوات بالمناداة على مدير المستشفى لإخلائه من المصابين الذين يستطيعون المشي مع مرافقيهم، خرجت أنا وجزء من الكادر الطبي معهم. قام الجنود بتوجيهنا للمشي عبر طرق مدمرة غرباً نحو صالة الفريد بالمقرب من مدرسة الفاخورة، وقاموا بفصل الرجال عن النساء، وأخذوا النساء في مجموعات، السيدات اللاتي رفضن خلع ملابسهن تعرضن للضرب، قام الجنود بمصادرة الهواتف وكل من يرفض يتعرض للضرب. قام الجنود بتفتيش الجميع، حتى النساء تعين عليهن خلع الملابس لإجراء التفتيش والانتظار لساعتين، بعدها قام الجنود بتوجيه من سمح لهم للمغادرة عبر طريق طويل ووعر باتجاه مدينة غزة. لا أعلم شيئاً عن باقي زملائي الذين تركناهم في المستشفى مع بعض المرضى.”
وقبيل اخلاء المستشفى بساعات، أقدمت القوات المحتلة على قصف مبنى مجاور للمستشفى قتل فيه ما يقارب 50 شخصاً، بينهم ثلاثة من الكوادر الطبية، وفق تصريحات مدير المستشفى الطبيب حسام أبو صفية3. وتزامن ذلك أيضاً مع تفجير القوات المحتلة عدة روبوتات مفخخة في محيط مستشفى العودة بمنطقة تل الزعتر، ما أدى إلى إصابة مديره و6 من طواقمه الطبية بجروح طفيفة، وإلحاق أضرار كبيرة في مرافق وأقسام المستشفى.
وترفض القوات المحتلة منذ يوم أمس الجمعة 27 ديسمبر2024، محاولات طواقم الأمم المتحدة الوصول إلى أجزاء من محافظة شمال قطاع غزة، حيث ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية4 أنه ومنذ أوائل شهر اكتوبر2024 تم رفض معظم المحاولات التي تنسقها الأمم المتحدة للوصول إلى هذه المناطق، فيما واجهت الاستثناءات القليلة عوائق كبيرة، والتي غالباً ما تمنع الطواقم من إنجاز مهامها المحددة.
يؤكد المركز بأن خروج المستشفيات في شمال قطاع غزة عن الخدمة بعد استهدافها من قبل القوات المحتلة، يمثل حكماً بالإعدام على آلاف الجرحى والمرضى، ويندرج ضمن الأفعال التي تجرمها المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، لا سيما البند ج الذي يحظر اخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
وفي ضوء ذلك فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يطالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لحماية المدنيين في قطاع غزة، وإنقاذهم من خطر الإبادة الجماعية التي تواصل قوات الاحتلال اقترافها ضد نحو 2.3 مليون فلسطيني، والتحرك لوقف المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير المدنيين عن مناطق سكناهم، والتي يجري تنفيذها على قدم وساق دون أي رادع أو جهد دولي ضاغط لوقفها ومنعها. كما يطالب المركز بضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة لإجبار دولة الاحتلال على التوقف عن استهداف المنشآت الطبية بشكل فوري، والافراج عن الأطقم الصحية المعتقلة. ويدعو المنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي وعلى رأسهم منظمة الصحة العالمية للتحلي بمسؤولياتها والضغط من أجل حماية المستشفيات واستمرار عملها في تقديم الخدمات الصحية في مناطق شمال قطاع غزة، وتقديم المساعدة والدعم الكامل لها.