تدين مؤسساتتنا الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي استهدف منطقة مكتظة بالنازحين والنازحات في مواصي خانيونس والتي أعلن عنها بأنها منطقة آمنة، ومصلى في مخيم الشاطئ، غرب غزة، ما أدى إلى استشهاد وإصابة المئات بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، في تصعيد خطير لجرائم القتل الجماعي والاستهتار بحياة المدنيين والمدنيات. وتعتبر مؤسساتنا هذه الجرائم إمعانا في سلسلة جرائم إسرائيل بما فيها جريمة الإبادة بحق الشعب الفلسطيني وتحديدا في قطاع غزة.
أستهداف المواصي المعلنة عنها بأنها “منطقة إنسانية”
ووفق المعلومات التي جمعها باحثونا، ففي حوالي الساعة 10:30 من صباح اليوم السبت 13 يوليو/تموز الجاري، أطلقت طائرات الاحتلال ما لا يقل عن 4 صواريخ تجاه مصيف محيط منزل لعائلة الشوربجي في منطقة شارع النصف في مواصي خانيونس. كما شنت طائرات الاحتلال عدة غارات تجاه الأراضي ومنطقة تجمع خيام النازحين المحيطة بالمصيف. تسبب القصف بتدمير المصيف والعديد من خيام النازحين ودفنهم في الرمال وتحت الأنقاض. وتشير المعلومات الأولية إلى استشهاد وإصابة المئات. بعد حوالي 5 دقائق توجهت سيارات الدفاع المدني لمكان الحادث في محاولة لانتشال جثامين الشهداء وإجلاء المصابين، ومجرد أن وصلت سيارة الدفاع المدني وترجل الطاقم منها أطلقت طائرة مسيرة للاحتلال صاروخا أمام مركبتهم مما أدى إلى استشهاد اثنين من الدفاع المدني أحدهما متطوع، وإصابة ثمانية آخرين بجروح، وصفت حالة ثلاثة منهم بأنها خطيرة، واستشهد أحدهم لاحقا.
وأسفر القصف في حصيلة أولية لوزارة الصحة عن استشهاد 90 فلسطينيا، نصفهم من الأطفال والنساء وإصابة 300 آخرين بجروح، بينهم عشرات الاطفال والسيدات، بينهم حالات حرجة وخطيرة.
يؤكد باحثونا أن عدد الشهداء مرشح للارتفاع نظرا لتواصل عمليات البحث عن شهداء تحت الأنقاض والرمال، فيما أشاروا إلى أن بين الضحايا الذين وصلوا للمستشفى أطفال، وأن عددا من الضحايا تحولوا إلى أشلاء وهناك حالات بتر أطراف بين المصابين.
يذكر أن المنطقة التي جرى استهدافها هي منطقة مكتظة بالنازحين وخيامهم، ويوجد بها تكية إعداد طعام لهم، وكذلك يوجد بها محطة للمياه، يأتي إليها النازحون للحصول على الماء، وتزامن القصف مع حركة نشطة لهم في المنطقة.
ورغم أن الاحتلال يدعى أن الغارة استهدفت في عملية مشتركة للجيش والشاباك هدفين بارزين من حماس، فإن ذلك لا يبرر بأي شكل من الأشكال استخدام هذه القوة غير المتناسبة وغير الضرورية التي أدت إلى استشهاد وإصابة المئات من المدنيين والمدنيات. إن تفاصيل تنفيذ الهجوم بما في ذلك إطلاق عدة صواريخ ذات قدرة تدمير هائلة، يدلل أن الاحتلال استخدم قوة نارية غير متناسبة في منطقة يعلم أنها تأوي عشرات الآلاف من النازحين المدنيين الذين يعيشون في خيام بالية في منطقة أعلنتها إسرائيل كمنطقة إنسانية، ووجهت النازحين إليها، بالتالي كان يعلم بحجم الخسائر المحتملة لهجوم من هذا النوع وبهذه الكثافة.
ومع تأكيد مؤسساتنا أن القتل المستهدف يعد من الجرائم التي تنتهك قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فإنها تشير إلى أن إسرائيل وفق ما أعلن جيشها تملك معلومات استخبارية دقيقة عن تحركات الأشخاص وأماكنهم ولديها صواريخ دقيقة مخصصة للأفراد، ورغم ذلك لم تستخدمها، إنما استخدمت قوة نارية هائلة وتوسعت في استهداف خيام النازحين وطواقم الإنقاذ دون أي اعتبار أو قيمة لحياة المدنيين والمدنيات بما فيهم الأطفال ما أدى إلى استشهاد واصابة هذا العدد الكبير من المدنيين والمدنيات. وتشير مؤسساتنا لتكرر مثل هذه الجرائم على مدار التسعة أشهر الماضية.
وفي هذا الصدد أشار مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى وجود نمط من الانتهاك المتعمد لتجاهل القانون الدولي الإنساني ومبادئ التمييز والتناسب وأخذ الحيطة والحذر وأن الادعاء بوجود جماعات مسلحة لن يلغي التزامات الجيش الإسرائيلي بالامتثال لهذه المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي المتمثلة في التناسب والتمييز وضرورة أخذ الحيطة والحذر.
وتشير مؤسساتنا، إلى أن استهداف تجمعات النازحين، في منطقة المواصي ليس حادثا منعزلاً، بل هو تعبير عن سياسة إسرائيلية ممنهجة، فهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها قوات الاحتلال منطقة المواصي، غربي خانيونس ورفح جنوب قطاع غزة، رغم إعلانها منطقة إنسانية وتوجيه مئات آلاف النازحين إليها.
فظهر الجمعة 12 تموز/يوليو الجاري، قصفت طائرات الاحتلال بركسًا للتنمية الاجتماعية غرب خانيونس، حيث أسفر القصف عن استشهاد ثلاثة من العاملين في توزيع المساعدات وإصابة آخرين بجروح.
وفي مساء 27 حزيران/يونيو 2024، استشهد 20 من السكان وأصيب أكثر من 50 آخرين بجروح مختلفة بعدما تقدمت قوات الاحتلال تحت غطاء قصف من الدبابات في شارع المحررات وتسببت بحرق الخيام في المواصي غرب مدينة رفح.
وفي مساء الأحد 26 مايو/أيار الماضي، استشهد 23 من النازحين، بينهم 5 نساء و9 أطفال، واحترقت وتقطعت أجساد بعضهم، وأصيب عشرات آخرين بجروح وحروق مختلفة، بعدما أطلقت طائرات الاحتلال عدة صواريخ مستهدفة منطقة مخصصة للنازحين وقريبة من مخازن الأونروا شمال غربي رفح. وأظهرت صور ومقاطع فيديو مشاهد مروعة لجثامين الضحايا ومنهم أطفال وهي متفحمة ومقطعة.
وفي 10 مارس/آذار الماضي، استشهد 14 مدنيًّا/ة، منهم مسنان، أحدهما من ذوي الإعاقة الحركية، و3 نساء، إحداهن من ذوي إعاقة النطق والسمع، و4 أطفال. كما أصيب آخرون بجروح، منهم مسنون ونساء وأطفال، بعدما أطلقت قوات الاحتلال المتمركزة غرب مدينة حمد غربي خانيونس، عدة قذائف مدفعية على خيام النازحين والنازحات في مواصي خانيونس.
ومساء 20 فبراير/شباط الماضي، نفذت قوات الاحتلال هجومًا بريًّا في منطقة المواصي غرب خانيونس، تحت غطاء من القصف الجوي المكثف. وانسحبت قوات الاحتلال فجر اليوم التالي، بعدما قتلت 11 فلسطينيا، من بينهم 3 طفلات شقيقات و3 نساء. اثنان من الشهداء إلى جانب 8 جرحى استهدفوا داخل مقر أطباء بلا حدود الذي يقع على شارع الرشيد غرب خانيونس، الذي تعرض للقصف من تلك القوات.
استهداف مخيم الشاطئ
وبعد أقل من ثلاث ساعة، من جريمة القصف في خانيونس، قصفت طائرات الاحتلال في حوالي الساعة 1:00 ظهرا، مصلى قرب المسجد الأبيض في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، بالتزامن مع أداء المصلين صلاة الظهر. أسفر ذلك عن استشهاد 19 من المصلين وتحول بعضهم إلى أشلاء، إلى جانب إصابة أكثر من 30 آخرين بجروح، بينهم عدد من الحالات الخطيرة. وأظهر مقطع فيديو للحظات الأولى بعد القصف جثامين الشهداء المقطعة على سجاد المصلى، الذي أقامه السكان بعد تدمير الاحتلال مسجد المنطقة. وينذر التعطل شبه التام للمستشفيات وعدم توفر الأدوية والمعدات اللازمة لإجراء عمليات جراحية بارتفاع حصيلة الشهداء.
وحتى وقت إعداد هذا البيان، تواصل قوات الاحتلال قصفها الجوي والبري والبحري على جميع أنحاء قطاع غزة، ما يُوقع مزيداً من الضحايا ويتسبب بتدمير المباني والبنى التحتية، مع استمرار معاناة مئات آلاف النازحين والنازحات وتفشي المجاعة في شمال القطاع.
تعتبر مؤسساتنا بأن هذا الصمت الدولي الرسمي واستمرار ارسال السلاح لإسرائيل هو تواطؤ مع الجرائم المرتكبة بحق شعبنا خاصة في ظل إمعان الإحتلال في ارتكابه جريمة الإبادة الجماعية. نطالب كافة الجهات للتحرك الفوري والعاجل لفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإلزام الإحتلال الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية. كما نطالب الدول الأطراف الثالثة بالالتزام بمسؤوليتها القانونية لوضع حد لحصانة دولة الاحتلال وذلك من خلال وقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الابادة الجماعية.
نسخة تجريبية