في الوقت الذي تشن فيه حرب إبادة جماعية في قطاع غزة منذ أكثر من 14 شهرًا، تعمل قوات الاحتلال الإسرائيلي بوتيرة متصاعدة على مصادرة أراضٍ فلسطينية وإقامة مستوطنات وبؤر استيطانية جديدة لتفرض وقائع جديدة على الأرض بما فيها تغيير الطبيعة الديمغرافية والتخطيطية، تكريسًا لخطة الضم التي تنفذها بخطوات متسارعة.
وتظهر متابعة باحثي المركز أن سلطات الاحتلال توسعت في الآونة الأخيرة في إصدار قرارات مصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية، فيما شرعت في تنفيذ المزيد من مشاريع شق الطرق الاستيطانية وتوسيع المستوطنات وإقامة مستوطنات وبؤر استيطانية جديدة.
وتشير معطيات ميدانية حول أبرز المشاريع الاستيطانية بين مدينتي بيت لحم والقدس الشرقية المحتلة، أن سلطات الاحتلال تسعى عبر مشاريع الطرق والإعلان عن توسعات في المستوطنات إلى ضم كل الكتل الاستيطانية بداية من مستوطنة غوش عتصيون، جنوب مدينة بيت لحم، وصولا الى مدينة القدس، مروراً بكل التجمعات الاستيطانية غرب وشمال مدينة بيت لحم تحت مسمى “القدس الكبرى”، وهو ما يعني عزل الكثير من التجمعات الفلسطينية التي يحاصرها جدار الضم من الناحية الغربية.
ووفق متابعة باحثينا، أصدرت سلطات الاحتلال في 10/12/2024 قرارًا بمصادرة 94 دونما من أراضي منطقة خلة سمعان، شمال غربي مدينة بيت لحم، من أجل استكمال خطة توسيع الطريق الالتفافي 60، ومن أجل إقامة محطة حافلات مركزية وترتيب طريق إضافي لمستوطنة جيلو المقامة على اراضي منطقة الولجة وبيت جالا. ويخدم الطريق والموقف المركزي للحافلات مستوطنات جيلوا وهار جيلو، وهو يخدم جميع الكتل الاستيطانية في المنطقة الغربية من مدينة بيت لحم وصولا إلى مدينة القدس عبر طريق موصل الى مستوطنة “غوش عتصيون”.
وأفاد المواطن نعيم ابو سمعان 59 عاما، لباحث المركز، أن عائلته تملك نحو 18 دونما مزروعة بأشجار الزيتون في منطقة خلة سمعان في مدينة بيت جالا والقريبة من حاجز النفق، وتقع في منطقة مغلقة منذ سنوات طويلة بسبب إجراءات الاحتلال منذ عام 2000. وذكر أن عائلته حاولت الوصول إلى الأرض طوال السنوات الماضية من خلال محاولة الحصول على تصاريح أو تنسيقات إلاّ أن الاحتلال كان يرفض. وأفاد أن العائلة علمت بقرار الاحتلال مصادرة الأرض من خلال قرار علقته سلطات الاحتلال بالقرب من الأرض، وأنها تقدمت بطلب اعتراض مع عدد من العائلات المالكة في المنطقة كعائلة ابو هدوان التي تملك 27 دونما إلى الجهات المختصة في الإدارة المدنية.
صورة عن المخطط ومرفق مع التقرير الأمر الصادر الذي جرى وضعه في أراضي المواطنين
وفي إطار سعي الاحتلال فرض وقائع جديدة في المنطقة، أعلن1 وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، بتاريخ 14/8/2024، عن إقامة مستوطنة اسرائيلية جديدة على راضي مدينة بيت لحم. واعتبر سموتريتش أن “ربط غوش عتصيون بالقدس من خلال إنشاء مستوطنة جديدة هو لحظة تاريخية،” مشددا على أن “أي قرار مناهض لإسرائيل ومعادٍ للصهيونية لن يوقف مواصلة تطوير المستوطنة.”
يذكر أن قرار إقامة المستوطنة صدر2 في نهاية يونيو/ حزيران 2024 من حكومة الاحتلال الإسرائيلي والذي نص على تشريع/تقنين خمس بؤر استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، منها موقع نحال حيليتس (مزرعة نيفي أوري)، بؤرة استيطانية في منطقة المخرور- غرب مدينة بيت لحم.
ووفق المخططات الإسرائيلية، فإن موقع المستوطنة الجديدة التي تحمل اسم “ناحال حيلتس” يقع على 602 دونم من أراضي بيت جلا وبتير، غربي مدينة بيت لحم، في التجمع الاستيطاني الذي يطلق عليها الإسرائيليون اسم “غوش عتصيون،” وهذا التجمع سيشمل 11 مستوطنة يصل تعداد سكانها نحو 80 ألف مستوطن.
ويتوسط موقع المستوطنة المستهدف منطقة وادي كريمزان وقرية الولجة من جهة الشرق وقرية بتير من جهة الغرب، على أراضي منطقة المخرور التي تعتبر المنطقة الخضراء الوحيدة المتبقية في بيت لحم بعد منطقة وادي كريمزان المهددة فعلياً بالعزل والفصل بفعل جدار الضم والتوسع الاستيطاني الذي يلتهمها ويعزل الأراضي عن أصحابها.
ويهدد موقع المستوطنة الجديد بقطع التواصل الجغرافي بين التجمعات الفلسطينية في المنطقة في الوقت الذي سوف يخلق حلقة تواصل جغرافية بين هذه المستوطنة الجديدة وتجمع غوش عتصيون الاستيطاني، وهو ما سيهدد حياة المواطنين الفلسطينيين في المنطقة، من خلال مصادرة أراضيهم.
ووفق المتابعة الميدانية للمركز، فإن المستوطنة الجديدة تقع على بعد حوالي 500 متر من قرية بتير، ويأتي وجودها في إطار محاولة إنشاء منطقة عازلة بين مدينة بيت لحم وقراها الغربية (حوسان وبتير)، بهدف منع تواصل التجمعات الفلسطينية في المنطقة.
كما أن المستوطنة مقامة على أراضي المنطقة التي جرى تصنيفها على قائمة التراث العالمي، وفق إعلان3 منظمة اليونسكو.
يذكر أن المستوطنين أقاموا4 في أوائل سبتمبر/أيلول 2019 بؤرة استيطانية على قطع أراضٍ استولوا عليها في المنطقة (بالقرب من بيت جالا وبتير، غرب بيت لحم). وأقيمت البؤرة الاستيطانية في حينه على بعد 70 مترًا فقط من منزل عائلة كاسيا الفلسطينية، الذي هدمته سلطات الاحتلال لاحقاً، إلى جانب مطعم مجاور تديره العائلة، بعد ضغوط من الصندوق القومي اليهودي.
وفي إطار فرض الوقائع في المنطقة، شرعت سلطات الاحتلال منذ منتصف عام 2023، بتوسعة الطريق الموصلة من التجمع الاستيطاني “غوش عتصيون،” جنوبي مدينة بيت لحم إلى حاجز النفق، المؤدي الى مدينة القدس، من خلال أوامر المصادرة التي أصدرتها بحق أراضي المواطنين الفلسطينيين الخاصة على جانبي الطريق الالتفافي 60 وربط كل التجمعات الاستيطانية جنوبي مدينة بيت لحم بشمالها عبر طرق موصلة لها وصولا إلى مدينة القدس، وما زال العمل مستمرا في توسعة الطرق وفق توثيق باحث المركز.
صور من العمل الجاري في الشارع الرابط بين مستوطنة ” غوش عتصيون” ونفق جيلو جنوب القدس، صورها باحث المركز بتاريخ 24/12/2024
وتأتي هذا الخطوات في ظل الحملة الشرسة التي تقوم بها الادارة المدنية لقوات الاحتلال ضمن حملة هدم المنازل ومصادرة الاراضي في المنطقة المصنفة (سي) في الضفة الغربية، بما في ذلك مدينة بيت لحم، حيث هدمت سلطات الاحتلال 5 منازل و8 منشآت تجارية وزراعية منذ بداية كتوبر الماضي، وفق توثيق باحثي المركز.
وتؤشر هذه الخطوات على توجهات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في المرحلة المقبلة، نحو تنفيذ خطة ضم الضفة الغربية، وهو ما عبر5 عنه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، في نوفمبر 2024، بأن انتخاب دونالد ترامب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية يفتح فرصة لضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة، وإنه أمر وزارته بالفعل بالاستعداد لهذا الضم. وفي مؤتمر صحفي قبل اجتماع لحزبه الصهيونية الدينية في الكنيست، قال سموتريتش إن “الوقت قد حان لتطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في يهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية)”.
يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السياسة الاستيطانية التوسعية، وما يرافقها من مصادرة أراضٍ وهدم منازل فلسطينية، وتهجير للسكان الفلسطينيين، لإقامة مستوطنات وبؤر استيطانية، وهو ما يشكل جريمة حرب وفق قواعد القانون الدولي.
يطالب المركز المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي بما فيها جريمة الاستيطان، وإلزام دولة الاحتلال على التراجع عن سياسة قضم الأرض الفلسطينية وفرض أمر واقع يحرم المدن الفلسطينية من التواصل الجغرافي ويحيلها إلى كانتونات محاصرة بالمستوطنات ونقاط السيطرة الإسرائيلية. كما يدعو المركز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من أجل إصدار أوامر اعتقال جديدة لكل من هم ضالعون في جرائم الاستيطان من القادة السياسيين والعسكرييين الإسؤائيليين.