ح. م، 24 عامًا، آنسة، سكان شمال غزة.
مع بداية الحرب على غزة 7/10/2023، بدأت أشعر بالخوف مع شدة القصف والانفجارات التي كنا نسمعها ولا نعرف مكانها. في حوالي الساعة 12:00 مساء 9/10/2023، سمعت صوت انفجار قوي ومخيف قريب من منزلنا، حيث قصفت طائرات الاحتلال الاسرائيلي المنزل (5 طوابق)، الذي تسكن فيه شقيقتي، دون سابق إنذار، ما أسفر عن استشهاد ابنة أختي وهي طفلة، 13 عاما، وإخراج أبناء أختي من تحت الأنقاض وكانت إصاباتهم متوسطة، واستشهد شقيق زوجها وطفلين من أبنائه.
من بداية الحرب إلى 2/12/2023 ونحن نمكث في منزلنا ولم نخرج منه لمدة 60 يوماً وكان القصف شديدا وفي كل مكان من محيط المنزل. كنا نواجه صعوبة في الحصول على المياه المالحة ولم نعد نحصل على مياه حلوة للشرب، وكنا نعاني من قلة الطعام، الذي كان أغلبه عدس ومعكرونة فقط. وكان يوجد في منزلنا ما يكفي من الطحين وكنا نعمل الخبز (شراك)، وكان الطبخ على النار. لم نستطيع الخروج من المنزل ومعظم وقتنا في المنزل، ولم نخرج منه إلا لضرورة (لجلب المياه).
في صباح 3/12/2023، اشتد القصف والقذائف كانت بشكل عشوائي (حزام ناري). بدأت طائرات الاحتلال الاسرائيلي بقصف العمارات المحيطة بالمنزل، وكان القصف يستهدف مربعات سكنية، مما آثار الخوف والهلع في أنفسنا. وقررنا الخروج إلى جنوب قطاع غزة عبر ما يسمى الممر الأمن. قبل الخروج من المنزل تم تهديد المنزل الذي بجانب منزلنا، وانتظرنا نصف ساعة تم خلالها قصف المنزل وخرجنا الساعة 9:00 صباحاً تحت صوت القصف الكثيف. ركبنا سيارة أنا وأمي وأختي وأبناؤها أوصلتنا إلى دوار الكويتي أخذ السائق 150 شيكلا. أثناء المرور بالطريق شاهدت حجم الدمار للمنازل والأسواق. وأكملنا الطريق مشياً على الأقدام إلى حاجز نتساريم (الممر الأمن). كانت أصوات الاشتباكات مرعبة، ويوجد كثير من الجنود والقناصة. عند وصولي الحاجز كان 7 أشخاص تقريبا، وقبل الوصول وأثناء مروري من أمام جنود الاحتلال الإسرائيلي، نادى جندي عليّ عبر مكبرات الصوت حيث كانت المسافة بيني وبين الجنود والمجندات حوالي 8 أمتار. ذهبت لهم وكان بيني وبينهم تلال رملية، وعندما اقتربت مسافة مترين منهم، قال أحد الجنود: افتحي الهوية وأعطيني الرقم وارمى أغراضك. كنت أحمل حقيبة ملابسي (هاند باك)، وبها 2000 شيكل، وفي حقيبتي جوالي A9 وجوال أمي A9. ثم طلب مني الجندي التوجه إلى الساتر الآخر. قلت له: أمي أدويتها معي وهي مسنة. قال: أمك ذهبت إلى الجنوب. صرخت بصوت مرتفع: أريد رؤية أمي. قامت المجندة التي اقتربت مني بدفعي وتقييد يديّ إلى الأمام بقيود بلاستيكية ورجليّ بقيود حديد وعصبت عينيّ بقطعة قماش، وأمرتني بالسير. وكلما توقفت عن السير تصرخ عليّ المجندة وتدفعني بفوهة السلاح في ظهري فأقع على الأرض، فتقوم برفعي من القيود البلاستيكية بشدة، كانت تؤلمني يديّ وتشتمني بألفاظ نابية جدا. بعدها أخذتني إلى خيمة وفكت قيدي ورفعت العصبة عن عينيّ، وفتشتني وأمرتني بخلع ملابسي جميعها باستثناء الكلوت. في البداية رفضت خلع ملابسي فصوبت المجندة السلاح على رأسي وسحبت الأجزاء، وقالت لي سأقتلك. وبعد خلع الملابس صرخت عليّ المجندة بإعادة ارتدائها بسرعة، وأخرجتني إلى تلة رملية، وبعد دقائق اقتادتني إلى خيمة. كان في الخيمة محقق عرف عن نفسه بأنه ضابط من الشاباك. سألني عن الأسرى عن أخوتي الأربعة وعن وجود كاميرات في منطقتي. قلت لا أعرف. فأخرج الجندي خشبة عريضة من دولاب في الخيمة (خزانة)، وضربني بها في رأسي من الخلف قريباً من الرقبة، وقال خذوها للاعتقال. ألقوا بي على الأرض تحت الشمس من 10 صباحاً حتى الساعة 6 مساء، وأنا أجلس ورأسي بين ركبتي في ساحة يحيط بها سلك شائك مقيدة اليدين من الأمام بقيود بلاستيكية والرجلين بقيود حديد، وكنت أرى من تحت العصبة، شاهدت كان معي نساء معتقلات. في حوالي الساعة 7مساءً اقتادوني إلى غرفة أرضيتها من الحصى مقيدة اليدين معصوبة العينين، كنت أرى من تحت العصبة بجانبي جثة. كان الذباب كثير جداً ويقرصني فأتحرك فتقوم المجندة بدفعي بفوهة السلاح. كانت المجندات يتكلمن اللغة العربية بشكل متقطع وتسبني بألفاظ نابية تمس عرضي.
بعد ساعة، جاءت ناقلة جنود، أدخلتني المجندة الناقلة، وكنت أحاول رفع العصبة عن عينيّ لأعرف أين. ولكن كانت ناقلة الجنود مغلقة تماما ولم استطع رؤية شي. كانت الناقلة تسير بنا وتتوقف فترة تقريبا ما بين ساعة وساعة ونصف، وصلنا تقريبا 3 صباحاً. اقتادتني المجندات إلى كرفان من الصفيح (زينكو) مغلق، وقاموا بتفتيشي. كانت مجندتان أمامي ومجندتان من الخلف. وكلما أرفض خلع ملابسي تقوم المجندة بوضع السلاح في رأسي وتدفعه بالسلاح، وعندما ارفض خلع قطعة أخرى من الملابس تقوم المجندة بضربي بعقب البندقية في ظهري. خلعت جميع ملابسي (عارية)، وقامت المجندة بنزع السنسال من رقبتي وأخذت الخاتم من يدي وعندما حاولت أخذ الحلق من أُدُني لم تستطع إخراجه فجلبت كماشة وقامت بقطع (بريمة) الحلق وأخذته، ثم أخذت هويتي واقتادتني إلى السجن.
بعد ساعات أخرجوني من السجن وأخذوني وفتشتني المجندات وأخذن كل ملابسي وأعطوني بيجامة رمادية فقط بدون أي شي داخلي، ووضعوا حلقة بلاستيك في يدي بها رقم لا أذكره، وحلقة أخرى في قدمي رقم الأمانات. بعدها نقلونا إلى سجن مفتوح شبك من جميع الجهات. أعطوني فرشة رقيقة جدا وصغيرة وبطانية واحدة. الفطور كان قطعة خبز توست واحدة وعلبة لبنة صغيرة جدا أو حبة بندورة. وعند النوم كانت المجندات كل عشر دقائق يأتين للعد (سفرا)، ولم نستطع النوم.
في حوالي الساعة 8 صباحاً، أخذوني للتحقيق ورجعت إلى السجن في 8 مساءً. كان ضابط ومجندة يحققون معي. كان المكان مثل الكرفان فيه كرسي القاعدة خشبية واليدين والرجلين حديد، وكنت مقيدة يدي اليمين برجلي اليمين بقيود حديد. سألت الضابط أين أنا، فقال لي أنت في سجن عنا توت. ثم سألني أين كنت في 7 أكتوبر، وإذا ما كنت أعرف مكان الأسرى، وما إذا كنت أعرف أحداً ممن عبروا في 7 أكتوبر وهل أحد من أقربائي أو أخوتى كانوا في العبور قلت لا أعرف. كانت المجندة عندما لا تعجبها إجابتي تقوم بضرب جبيني بالطاولة، ويقول الضابط لي إن المجندة (صرمايتها) حذاؤها أفضل منك. وكانوا يشتموني ويسبون علي بألفاظ قذرة جداً تمس عرضي وشرفي. قامت المجندة بخلع حذائي من رجلي وضربه في وجهى وكانت تضحك عليّ. وعرض الجندي من خلال شاشة صور لمنزلنا وقال إذا لم تجبي على الأسئلة سنقصف منزلك. وبعد حوالي 15 دقيقة من التحقيق قاموا بتشغيل المراوح وتوجيها علي، ويدي اليمنى برجلي اليمنى مقيدة بقيود حديد، وهناك كاميرا أمامي، وعصبوا عينيّ بقطعة من القماش. كنت وأنا بداخل الكرفان أسمع صوت كأنه هناك أحد يتعرض للتعذيب أو كانوا يسمعوني أصوات مثل ذلك لأخاف، كانت العصبة على عيني. بعد حوالي 4 ساعات بدأت أصرخ بصوت مرتفع جدا، يدي اشتد فيها الألم وظهري لم أستطع رفعه من شدة البرد والمراوح الموجهة عليّ، فجاء الجنود مسرعين. سألني الجندي: هل أنت مريضة سكر؟ قلت: نعم. طلب مني أن أهدأ وقام بفك القيود، وكانت يدي منتفخة وزرقاء اللون، كانت القيود ضيقة جداً.
بعدها أخذوني إلى سجن مثل كرفان وكان الكثير من المجندات والجنود في محيط السجن، وكنا 5 معتقلات. كنت أنا من بين المعتقلات غير مقيدة كانوا يسمونى بالشاويش لمعرفتي باللغة الانجليزية التي كنت أتحدث بها مع المجندات والجنود. كانت المعتقلات ليلاً نهاراً بالقيود والعصبة على أعينهن جالسات ورأسهن بالأرض حتى عند النوم، كانت التي ترفع راسها أو تتكلم مع التي بجانبها يقومون بتمرير الليزر من السلاح ويوجهونه على مقدمة رأسهن. كنت أطلب فوط صحية للبنات كان جميع من في سجن عليهن الدورة الشهرية. أعطوني فوطة واحدة فقط لكل سجينة، وطلبت المزيد ولكنهم رفضوا. كان الطعام في الصباح والمساء لبنة وخبز.
في اليوم الخامس، نادى الجندي على أسمائنا. بعدها نادت المجندة عليّ وطلبت مني أن أخبر المعتقلات إذا ما أردن الدخول إلى الحمام لأننا سنذهب لمسافة طويلة. اعتقدت أنه افراج. أخذتهن إلى الحمام معتقلة معتقلة لأنهن مقيدات اليدين والرجلين باستثنائي. بعدها قاموا بتقييد يدي بقيود بلاستيكية للأمام، وبقيود من حديد رجلي برجل معتقلة أخرى. كانت القيود ضيقة جداً ومؤلمة وكأن رجلي ستنقطع. جلسنا في الباص لمدة 4 ساعات تقريباً، أخذونا إلى سجن الدامون وكنت أحاول رفع العصبة لأرى أين نحن. قامت المعتقلة المقيدة معي برفع رأسها فهجم الجندي عليها ووضع السلاح عند راسها وأوقفه جندي آخر. عندما نزلنا من الباص قاموا بفك القيود وبفك العصبة وقامت مجندتان باقتيادي إلى ممر صغير وأمرتني بخلع ملابسي عارية وفتشتني. تم تفتيشنا معتقلة معتقلة وأدخلونا إلى غرفة بدون قيود وبها حمام بداخله ورق لفات محارم، وصنبور مياه للشرب. كان عددنا 10 معتقلات، ويوجد 5 أسرَة والباقي على الأرض. يوجد فورة (فسحة) لمدة ربع ساعة من تريد الاستحمام فيها، أو المشي. يوجد كاميرات في كل مكان، وكل يوم العدد (سفرا) 4 مرات، لم نكن نعرف النوم. كان بين المعتقلات فهيمة الخالدي، 81 عاماً، أخذوها من بيت المسنين في حي الزيتون. الأكل كان سيئا جدا، كانت 3 وجبات باليوم: الفطور لبنة وخبز توست، والغداء رز لا يصلح للأكل والشوربة فاسدة، والعشاء بيضة محروقة وخبز، من تريد الأكل تأكل والتي لا تريد ينادوا عليها أن تلقيه في القمامة.
قبل الإفراج بأربعة ايام اقتادوني إلى التحقيق وأنا مقيدة بقيود حديدية، وحقق معي لمدة نص ساعة وبعدها قاموا بتبصيم يدي وكل أصبع من أصابع يدىّ وتبصيم رجلىّ وأدخلوا عود خشب عريض في سقف الحلق (اعتقد انهم اخذوا من لعابي). سألت السجينات من أهل الضفة عن ما حدث، قالوا لي إنه إفراج. في حوالي الساعة 1:00 مساء الخميس 18/1/2024 أدخلونا واحدة واحدة إلى غرفة صغيرة وامرتني المجندة بخلع جميع ملابسي وقامت بتفتيشي. بعدها امرتني بارتداء الملابس واقتادوني إلى غرفة اخرى وبصموني مرة أخرى، ثم قيدوا يدي وقدمي وأصعدوني في ميكرو باص عبارة عن صندوق حديد شبك لا أرى أي شي يوجد به فقط فتحات للنفس بقدر أصبع. وسار بنا الباص حوالي 4 ساعات، وكان يدخل علي هواء بارد جدا أثناء السير. بعدها نزلنا على معتقل العصبة على عينيّ وظهري بظهر معتقلة أخرى وأدخلونا في القفص والعصبة على عينيّ وفك قيود رجليّ ويديّ. نمت على فرشة رقيقة جدا وبطانية كنا نرتجف من البرد القارص.
قبل يوم واحد من الافراج، يوم الخميس تاريخ 18/1/2024، قاموا بتبصيم كفوف اليدين ووقعت على ورقة. سألت الجنود لماذا كل هذا قالوا ليس من شأنك. أخذنا ملابس من بنات الضفة كانوا موجودين بالسجن. في اليوم التالي، في حوالي الساعة 5:00 صباح الجمعة 19/1/2024، جاء جنود ومجندات وأيقظونا، وقالو لنا جهزن أنفسكن. وبعد حوالي نصف ساعة قيدوا ايدينا للأمام وعصبوا عيني واقتادونا إلى باص كبير يوجد فيه شباب معتقلين وبنات معتقلات. سار بنا الباص حوالي اكثر من 3 ساعات، وعندما توقف الباص عند معبر كرم ابو سالم عرفت ذلك من الشبان المعتقلين، أنزلونا، وفكوا العصبة والقيود واعطوني هويتي وخاتمي الذهب فقط، ثم امرونا بالسير. بدأنا بالركض مسافة حوالي 200 متر ودخلنا في طريق خطأ فاطلق جنود الاحتلال النار في الهواء فعدنا وسرنا مسافة 100 متر في طريق اخر، حيث وجدنا سيارتين لوكالة الغوث، الذين اخذونا إلى خيمة على بعد 200 غربا يوجد بها موظفين من الصليب الاحمر وقدموا لنا الطعام والشراب وأعطاني الصليب 200 شيكل. وأحضرونا إلى مركز الايواء في مدرسة ذكور الطائف الإعدادية في الحي السعودي برفح، حيث أمكث الان أنا و5 نساء منهن معتقلات في بيت السلالم. ولا يوجد فيه إنارة والأكل نأكل معلبات وجبة واحدة فقط. جمعنا من بعضنا البعض اعطونا اهل الخير واشترينا كيس طحين. لاحقا اجتمعت بأمي. حالتي النفسية سيئة جدا كل يوم أتذكر كابوس الاعتقال والتحقيقات والتعذيب، أتمنى أن تنتهي هذا الحرب اللعينة ونعيش بسلام وأمان.
نسخة تجريبية