الحسن محمد فؤاد الميناوي، 21 عامًا، أعزب، طالب جامعي، من الشيخ رضوان في غزة
في ثاني أيام الحرب، يوم الأحد الموافق 8/10/2023، قصف طائرات الاحتلال منزل جيراننا عائلة النفار على رؤوس ساكنيه واستشهد جراء ذلك أكثر من 70 شهيدًا من عائلة النفار والعائلات المجاورة، وذهبت أنا وأبناء الحارة الى موقع القصف لإخراج الجرحى من تحت الأنقاض وانتشال جثامين الشهداء بأدواتنا البسيطة. وفي يوم الجمعة الموافق 13/10/2023، ألقت طائرات الاحتلال منشورات تطلب فيها من سكان شمال قطاع غزة الذهاب الى جنوبه. نحن ليس لدينا أحد في الجنوب فاضطررنا إلى الذهاب لمستشفى الشفاء الطبي أنا وعائلتي المكونة من أب وأم وخمس أبناء وابنتان، ثم أرسلنا النساء والأطفال إلى بيت جدي من عائلة فروخ التي تقطن بجانب مستشفى الشفاء الطبي في الشمالي في معسكر الشاطئ، وحاولنا تلبية احتياجاتهم وسط الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة. في يوم 17/10/2023 وصلنا خبر استشهاد عمي لؤي الميناوي وزوجته وهي خالتي أيضا وأبنائهم أحمد ورمضان وعلي وقصي وزوجات أحمد وعلي وشقيق زوجة علي، الشاب امجد يونس الذين كانوا يقطنون في شارع النفق إثر استهداف طائرات الاحتلال منزلهم. كانت صدمة كبيرة جدا علينا وكنا معهم مثل الأخوة وأكثر، وقضينا الأيام نحاول أن نتعايش مع الوضع الصعب وكان المستشفى مكتظ جد بالناس مع انتشار الأوبئة والأمراض المعدية في المكان.
ِ
بعد ذلك، بدأ القصف والأحزمة النارية في المناطق المحيطة في المستشفى ودب الخوف عند الناس خاصة الأطفال والنساء، فأرسلنا لإحضار أمي وأخواتي وخالاتي وزوجات خالي إلى المستشفى الذي يعتبر أكثر أمناً حينها من المكان الذي كانوا متواجدين فيه، بينما رفضت جدتي الخروج من المنزل وبقي عندها خالي حسين فروخ وقد استشهدا بقصف الاحتلال للمنزل عليهم لاحقاً.
ِ
وبعد يومين تلقينا خبر إصابة ابن خالي في معسكر الشاطئ وجلبوه إلى مستشفى الشفاء وكانت حالته صعبة وكنت مرافقاً له وبجانبه طوال فترة علاجه. وفي حين كنا نقطن في الطابق الرابع في مبنى الولادة، استهدفت قوات الاحتلال الطابق الخامس وكان الوضع خطيراً وانتشر الدخان في كل مكان فنقلت ابن خالي على الكرسي المتحرك وأخلينا من مكان تواجدنا إلى مكان آخر داخل المستشفى، وبعدها استهدفت أيضاً قوات الاحتلال العيادة الخارجية في مستشفى الشفاء ما أدى إلى عدد من الشهداء والجرحى. واشتد الوضع سوءاً أكثر فأكثر، وألقى الاحتلال منشورات على المستشفى طالبين إخلاءها، فأرسلنا النساء والأطفال إلى منزلنا في الشيخ رضوان ونحن بقينا أنا وأبي وخالي وابن خالي المصاب في المستشفى، ووقتها أخلى الكثير من النازحين وبقى عدد قليل مقارنة بالأعداد السابقة مع الأطباء والعاملين والجرحى. وبعد يومين كانت الدبابات والآليات والقناصة منتشرين في محيط المستشفى يتجهزون لكي يقتحموها، فأبلغونا بأنه سيتم عمل ممر آمن عدة ساعات من الساعة السابعة صباحا حتى الثانية عصرا لآخر مرة لإخلاء المواطنين. كان خالي مرافقاً لابنه فقررت أنا الخروج من المشفى ولكن كان الوضع صعبا وأنا خارج عند الساعة الحادية عشر تقريبا وأتواجد عند البوابة الرئيسية أنتظر خروج أحد لأخرج معه فمر شابان يجرون رجلاً مسناً على كرسي متحرك فذهبت ومشيت معهم بسرعة، وفي لحظات قنصت قوات الاحتلال أحد الشبان الذين يجرون المسن وارتقى شهيداً فركضت سريعا ورأيت الدبابات والآليات عند مفترق مخبز العائلات على يميني ويساري وعند كل مفترق حتى وصلت وأنا أركض إلى شارع الصحابة وبعدها ذهبت الى بيتي في الشيخ رضوان وهذا الموقف لا يمحى من الذاكرة ولو بعد مئة سنة.
ِ
وفي المنزل في الشيخ رضوان كانت ليلة صعبة جدا علينا إثر القصف العنيف والمخيف، فقررنا في الصباح الذهاب إلى منطقة أبو اسكندر وذهبنا ونمنا ليلة واحدة هناك، ثم قررنا النزوح إلى الجنوب. وفي الطريق، أي شارع صلاح، كان بإمكاني مشاهدة الجثث والأشلاء في الشارع ولا يوجد أحد يقترب منها وجنود الاحتلال يطلقون النار عشوائيا. وصلنا إلى حاجز نتساريم الذي كان فيه عدد من الكاميرات عالية الدقة وفحص للعين وفحص الوجه. وكان الجنود يعتقلون من يريدونه بالإضافة إلى إجبار الناس على ترك ما أحضروه من أمتعة وأغراض. بحمدالله تخطينا الحاجز ووصلنا إلى مدينة رفح في مدرسة بنات رفح في شارع العودة وأول خبر تلقيناه استشهاد ابن عمي فؤاد عاهد الميناوي وأصدقاء لي مثل اخوتي. وعشنا في خيمة في المدرسة، وكان الوضع المعيشي سيئا جدا، حيث يوجد شح في المواد الغذائية وصعوبة في دخول دورات المياه مع انتشار الأوبئة والامراض والبرد القارص ودخول مياه الأمطار داخل الخيمة.
ِ
بعد ما يقارب عشرة أيام في المدرسة في العودة، ذهبنا نحن وأخوالي الى الحي السعودي قرب الحدود المصرية ونصبنا خيمتنا. وهذه آخر محطة حتى تاريخ 23/12/2023 ونحاول أن نتعايش مع الوضع المؤلم الذي نعيش فيه. أحضر الحطب واقوم بملء المياه الحلوة والمالحة ونحاول أن نتدبر أمورنا والحمد لله على كل شيء والله لا يطولها من شدة وحسبنا الله ونعم الوكيل.
نسخة تجريبية