يناير 24, 2025
ألم الحرب وأمل في البقاء: معاناتي الصحية والنفسية في ظل النزوح المستمر
مشاركة
ألم الحرب وأمل في البقاء: معاناتي الصحية والنفسية في ظل النزوح المستمر

تاريخ تحرير الافادة: 5/1/2024

مكان تحرير الافادة: مخيم البدر، مخيم للنازحين في دير البلح 

أنا سناء شحدة محمود السمري، 55 عامًا، سكان غزة حي تل الهوا، متزوجة وأم لاحد عشر ولداً وبنتاً

واجهنا صعوبة بالغة في الحصول على منزل خاص بنا، فقد عشنا سنوات طويلة في بيوت الإيجار والضغط الناتج عن تكاليفها. وعندما تحقق حلمنا أخيرًا بامتلاك منزلنا الخاص قبل بضع سنوات، ظننا أن الوقت قد حان للاستقرار. ولكن الحرب كانت لنا بالمرصاد، لتجبرنا على مغادرة منزلنا وحيّنا، والمدينة التي كنا نعيش فيها، لنجد أنفسنا في خيام، غرباء في مكان آخر.

توجهنا إلى المنطقة التي حددها جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنها آمنة، جنوب وادي غزة. بدأ حي تل الهوا يفرغ من سكانه الذين كانوا يهربون بحثًا عن مكان أكثر أمانًا. وسط تلك الظروف، شعرنا بالخوف مثل باقي الناس، ولم يكن أمامنا خيار سوى مغادرة منزلنا في 13 أكتوبر 2023، ونحن نترقب بفارغ الصبر العودة إليه.

منذ بداية النزوح، توجهنا إلى مدينة خان يونس، تحديدًا إلى مبنى الصناعة، على أمل أن يكون الأمر مؤقتًا، ربما أسبوع أو أسبوعين كما كنا نعتقد في البداية. ولكن مع مرور الوقت، وتحديدًا في الشهر الثاني من العام 2024، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته البرية في الجنوب الذي زعم أنه آمن، وفي 13 فبراير 2024، حاصرت الدبابات منطقة الصناعة وأجبرتنا على النزوح مرة أخرى، تحت وابل من الرصاص. كان أمامنا خيار واحد: النزوح من خان يونس، إما باتجاه رفح عبر حاجز أقامه جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو التوجه إلى دير البلح دون عبور الحاجز. كان شعورنا بالإذلال والهوان، ونحن نعيش المأساة التي لا تنتهي.

في صناعة خانيونس، كان عدد النازحين يقارب سبعة آلاف شخص، وأسفر الهجوم عن استشهاد 19 شخصًا وإصابة أكثر من 160 آخرين. كان الضرب عشوائيًا، وواجه الدفاع المدني صعوبة بالغة في نقل المصابين والشهداء وتقديم المساعدة. بفضل الله نجوْنا في تلك اللحظات من موت محقق. بعد مغادرتنا لصناعة خانيونس، توجهنا إلى دير البلح، حيث نصبنا خيمتنا بالقرب من البحر. هناك بدأت معاناتنا من فصول السنة المتقلبة، خاصة مع برد الشتاء القارس، حيث كانت الأغطية والملابس غير كافية لتوفير ولو القليل من الدفء.

لم تكن حياتي يومًا سهلة، فقد عشت في عائلة ممتدة، وهو ما يعني مسؤوليات أكبر، ما كان له تأثير كبير على صحتي. في سن السادسة والعشرين، أصبت بارتفاع ضغط الدم، وفي سن الثانية والثلاثين، تم تشخيصي بالسكري. وفي مرحلة شبابي، كنت أتابع حالتي مع قسم الأمراض المزمنة. وعندما بلغت الثانية والأربعين، تعرضت لإصابة شديدة بتجلطات في الشريان الرئوي وتجلطات أخرى في ساقي اليسرى، مما استدعى بقائي في العناية المركزة لمدة 19 يومًا. منذ ذلك الحين، بدأت معاناتي مع آلام في القلب والصدر.

بالإضافة إلى ذلك، أُعاني من حالة نادرة في الدم تتمثل في تكسر الصفائح الدموية وسيولة الدم، حيث تكون الصفائح غير منتظمة: إذا ارتفعت، يحدث تجلط، وإذا انخفضت، يحدث نزيف. ولذا، أحتاج دائمًا لإجراء فحص PT لمتابعة حالتي، مع تناول علاج (coumadine) للحفاظ على التوازن. لكن مع اندلاع الحرب، أصبح من الصعب عليَّ إجراء الفحوصات اللازمة بسبب الظروف الصعبة والموارد المحدودة وشح الأدوية وتدمير المنظومة الصحية.

قبل الحرب، اضطررت إلى إجراء عملية تغيير دم مرتين، كانت تتم في مصر بسبب عدم تمكني من الحصول على تحويلة للعلاج داخل الأراضي المحتلة. رغم أنني حاولت الحصول على تصريح للمرور عبر حاجز إيرز سبع مرات، تم رفض طلبي لأسباب لا أستطيع فهمها، رغم أنني مريضة ولا أشكل خطرًا على أمن إسرائيل.

إصابتي بأي ضربة أو حادث قد تؤدي إلى وفاتي، خاصة إذا لم يتمكن الأطباء من إيقاف النزيف. أخشى من أي طارئ قد يحدث في أي لحظة، خصوصًا ونحن في وضع تعاني منه المستشفيات والمنظومة الصحية من نقص حاد في الموارد والمعدات الطبية نتيجة الهجوم العسكري والحصار الإسرائيلي، حيث كل شيء قد يصبح محتملًا.

أعاني من ارتفاع مستوى السكر في الدم، مما يسبب لي فقدان الرؤية لبضع دقائق، وأخشى من عدم القدرة على الحصول على العلاج في الوقت المناسب بسبب الظروف الحالية. بالإضافة إلى ذلك، هناك ماء في عيني بنسبة 100% في إحدى العينين و65% في الأخرى، مما يستدعي إجراء عملية عاجلة، وأحتاج إلى تحويل للعلاج في الخارج، لكن الظروف الحالية تجعل ذلك مستحيلًا أيضاً.

أتنفس الآن من خلال رئتي اليمنى فقط، وأعتمد على البخاخات بشكل دائم. قبل الحرب، كنت لا أستغني عن جرات الأكسجين، ولكننا الآن لا نستطيع تأمينها. رئتي اليسرى تعاني من التليف، ووفقًا لتشخيص قسم الأورام، فإنني مصابة بسرطان الدم الليمفاوي، وقد تم معالجتي بعدد من جرعات الكيماوي.

إن الظروف الصعبة والقاسية التي نعيشها تؤثر بشكل كبير على صحتي النفسية. لا أستطيع السيطرة على رد فعلي عندما أصاب بالحزن، مما يسبب لي مشكلة في العصب الخامس، التي تؤدي إلى اهتزازات لا إرادية في الفك. لهذه الحالة، أحتاج إلى إبر معينة، لكنها نادرًا ما تكون متوفرة في الصيدليات، وأحيانًا لا أتمكن من شرائها.

عدم قدرتي على متابعة العلاج أو تناول الأدوية اللازمة يؤثر على صحتي، ويزيد من الآلام في الركب ويسبب لي فقدان الوزن. أصبح وزني الآن 58 كيلوغرامًا بعد أن كان 87 كيلوغرامًا قبل الحرب.

أخاف من الذهاب إلى المستشفى ومتابعة العلاج في ظل الإمكانيات المحدودة التي نعيشها، وأتعب كثيرًا من طوابير الانتظار الطويلة. أحيانًا أقف لساعات فقط من أجل الحصول على علاجي، وأصاب باليأس وأشعر بالمذلة، مما يدفعني أحيانًا إلى اتخاذ قرار العودة إلى الخيمة دون الحصول على العلاج المطلوب. كما أن المشي الطويل للوصول إلى المستشفيات أصبح مرهقًا جدًا، وأشعر بصعوبة شديدة في التنقل في هذه الظروف.

أشتاق إلى بناتي الستة ولا أستطيع تحمل الانتظار لرؤيتهن، خاصة أنهن ما زلن في مدينة غزة مع عائلاتهن. فقدت إحدى بناتي زوجها، ولم أتمكن من أن أكون إلى جانبها في أصعب لحظات حياتها. أشعر بحزن عميق لأنني لم أتمكن من مواساتها واحتضانها في تلك اللحظات الصعبة. أنا في شوق دائم للرجوع إليهن، وأنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي أتمكن فيها من لم شملنا مجددًا.

أشتاق إلى الراحة التي افتقدتها منذ بداية هذه الحرب. أحتاج إلى الدفء، ليس فقط جسديًا، بل أيضًا نفسيًا، إلى الراحة التي كانت تمنحني إياها أيام كانت الحياة أبسط وأكثر أمانًا. في هذه الأيام الصعبة، أصبحت أرى الراحة والأمان كأنهما حلم بعيد المنال، حلم فقدنا أمله في ظل المعاناة المستمرة. أشعر أنني أعيش في حالة من الانتظار المستمر، بانتظار لحظة أستطيع فيها أن أغمض عيني دون خوف، وأعيش دون القلق المستمر على سلامتي وسلامة عائلتي. في قلبي أمل كبير أن يأتي يوم قريب، أتمكن فيه من العودة لحياة طبيعية، تحيطني فيها الصحة، والراحة، والدفء، والأمان.