فبراير 15, 2024
أطفال غزة بمرمى النيران خلال العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة
مشاركة
أطفال غزة بمرمى النيران خلال العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة

تتابع مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية بقلق بالغ الأوضاع الكارثية التي ألمت بالأطفال في قطاع غزة، إذ يقتل الأطفال بمعدل كارثي وترصد مؤسساتنا المزيد من جوانب المأساة التي أودت بحياة الأطفال وبمستوى من الوحشية لم نشهده في العقود الأخيرة، مع دخول العدوان العسكري الإسرائيلي على القطاع يومه الـ 132.

وتوضح المعطيات التي جمعتها طواقمنا حجم الكارثة الحقيقي على الأطفال، الذين يشكلون ما نسبته 47% من إجمالي سكان قطاع غزة، وفق البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، حيث يبلغ عدد الأطفال دون سن ال 18، نحو 1.06 مليون طفل، ما يعني أن قرابة نصف سكان القطاع من الأطفال.

ارتكب الاحتلال الاسرائيلي انتهاكات جسيمة متعددة تجاه الأطفال، شملت القتل والتشويه والاختطاف وحرمانهم من حقهم في الحياة والصحة والتعليم من خلال تدمير المدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وتعريضهم للاستهداف بشكل مباشر خلال العدوان الاسرائيلي على المستمر بحق السكان في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويمثل الأطفال نسبة هائلة ومروعة من الضحايا المدنيين/ات الذين استشهدوا خلال العدوان العسكري الإسرائيلي، فبحسب آخر تحديث لوزارة الصحة الفلسطينية، أمس الأربعاء، 14 فبراير/ شباط 2024، استشهد 28,576 فلسطينياً/ة، من بينهم أكثر من 12,000 طفلا، ومازال هناك 7,000 مفقود، 70% منهم من الأطفال والنساء. ويشكل هذا ضعف معدل قتل الأطفال مقارنة بالأعداد التي شهدناها على مدار العشرين سنة الماضية.

ومن بين آلاف الأطفال الذين أنهى القصف الإسرائيلي حياتهم، الطفل مازن عصام خطاب، 16 عامًا، عضو مجلس أطفال فلسطين، وهي أحد المبادرات التي شكلها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وتلقى تدريبًا حول مفاهيم حقوق الإنسان وتوثيق الانتهاكات الخاصة بالأطفال، ليكون هو أحد ضحايا هذه الانتهاكات بحق السكان في غزة، بعدما قصفت طائرات الاحتلال منزل عائلته، في 5 فبراير/شباط الجاري، في دير البلح، ليستشهد مع والديه وشقيقته تولين، 11 عامًا، فيما نجت شقيقته تايلا، 19 عامًا، وبترت ساقها إثر الإصابة.

ويفقد أكثر من 10 أطفال في المتوسط إحدى ساقيهم، أو كلتيهما يوميا في غزة منذ بداية العدوان العسكري الإسرائيلي، وفق منظمة  إنقاذ الطفولة، وذلك إثر نقص المعدات والإمدادات الطبية والأدوية مقابل الأعداد المهولة للضحايا. فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي ونفاد الوقود لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في غزة مما عرض العديد من حديثي الولادة في الحاضنات للوفاة، كما توقفت خدمات غسيل الكلى، وباتت نسبة النجاة ضئيلة.

ووفق ما رصدت طواقمنا فإن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على المؤسسات الصحية وإخراج العشرات من المستشفيات والمؤسسات الصحية عن العمل، أثر بشكل كبير وفاقم من معاناة الأطفال المصابين بالفشل الكلوي الذين هم بحاجة بشكل مستمر وعاجل لغسيل الكلى.

إفادة: والدة الطفلة أنسام مازن العسكري، 12 عاماً، من سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، مصابة بالفشل الكلوي الحاد:

“تحتاج أنسام إلى غسيل كلى 4 مرات أسبوعياً، وبفعل الحرب على قطاع غزة أصبحنا نعاني أشد المعاناة في القيام بعملية غسل الكلى، حيث إننا بالكاد نحصل على 4 ساعات أسبوعياً مقسمة على يومين عوضاً عن 12 ساعة أسبوعياً مقارنةً بقبل الحرب، وذلك كله بسبب قلة الموارد الصحية وانقطاع الكهرباء والوقود وتكدس أعداد المرضى على مستوى قطاع غزة. كان من المقرر أن تسافر طفلتي أنسام في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، للعلاج في مستشفى المطلع في الضفة الغربية، ولكن بفعل الحرب لم تستطع السفر والعلاج. وهي الآن تعاني أشد المعاناة في الحصول على علاجها أو حتى على القليل من الراحة فهي تحتاج لرعاية خاصة تفتقدها في ظل النزوح من شمال غزة إلى الجنوب ووجودنا في خيمة لا تقيها مع باقي أفراد أسرتنا من برد الشتاء”.

إفادة: عادل محمد داود هنية، سكان شمال غزة، بلدة جباليا البلد، وصي عن الطفل/ نسيم مروان مصطفى مهرة، 11 عاما، مصاب بمرض الفشل الكلوي الحاد:

“بدأت قصة وصايتي عن هذا الطفل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عندما اتخذ والده قراراً بالنزوح إلى جنوب قطاع غزة، بسبب انعدام إمكانيات غسيل الكلى في شمال مدينة غزة ولا سيما اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي وآلياته مستشفى الرنتيسي للأطفال والخاص بمرضى الفشل الكلوي وسرطان الأطفال، وأثناء نزوح الطفل نسيم ووالده إلى الحاجز الخاص بقوات الاحتلال الاسرائيلي عبر الممر الآمن تم اعتقال والده لحظة وجودي على الحاجز وبقي هذا الطفل وحيداً يبكي بعد أن قام جندي من الجنود الموجودين على الحاجز بشتمه ودفشه للمشي باتجاه الجنوب، فاحتضنت هذا الطفل وتكفلت به إلى هذا اليوم وسألته عن بياناته أو أي وسيلة اتصال، فتواصلت مع والدته باتصال وأوضحت لي أن الطفل نسيم يحتاج لغسيل كلى وأن نزوحه ووالده إلى الجنوب كان لهذا السبب، ومنذ ذلك الوقت وأنا آتي به إلى المستشفى لتلقي جلسات غسيل الكلى ووضعه الصحي ليس بالجيد ففي بعض الأحيان يدخل في نوبات هزل شديد وقلة توازن بسبب زيادة السموم وتكسر كريات الدم كما قال لي الأطباء”.

وتعبر جرائم الحرب المقترفة بحق الأطفال ليس فقط عن الإخفاق الذريع لقوات الاحتلال الإسرائيلي في أخذ الاحتياطات عند شن الهجمات والتفريق بين الأهداف المدنية والعسكرية، بل وعن عدم اكتراثها بحياة الفلسطينيين والفلسطينيات المدنيين. وتعد حالات القتل والإصابات المروعة التي يتعرض لها الأطفال جزءا من سياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ضد المدنيين/ات في قطاع غزة.

وتحذر مؤسساتنا أن هذه الأرقام قد تزيد بسرعة، وتؤكد أن الإحتلال ينتهك حقوق الأطفال في قطاع غزة بشكل خطير، وعلى مستوى لم يشهده التاريخ الحديث من قبل، وتطالب المجتمع الدولي بالضغط بشكل فعال على إسرائيل وتحميلها كامل المسؤولية عن جرائمها المرتكبة بحق المدنيين/ات في قطاع غزة، بما فيها جرائم الحرب المقترفة ضد الأطفال.

ويُقدّر عدد الذين هجروا داخليا بحوالي 1.9 مليون شخص في قطاع غزة، أكثر من نصفهم أطفال، حيث نزح أكثر من 600 ألف طفل وأسرهم، والعديد منهم لأكثر من مرة، إلى محافظة رفح وفق آخر بيان للمديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). كما تشير تقديرات المنظمة إلى أن ما لا يقل عن 17 ألف طفل أصبحوا منفصلين عن أهلهم. ولا يحصل الأطفال في غزة على ما يكفي من الماء والغذاء والوقود والدواء، كما وتدمرت منازل الأطفال وتشتت أسرهم. فضلاً عن احتمالية زيادة الأمراض المنقولة بالمياه، وإصابة الأطفال بالجفاف بعد شرب المياه الملوثة أو المالحة وفقد العديد من الأطفال أطرافهم، وعائلاتهم وذويهم.

وتؤكد مؤسساتنا أن جميع الأطفال في غزة بحاجة إلى الدعم النفسي، والاجتماعي، وإعادة الاندماج في المجتمع وللرعاية وللاهتمام الكبير.  

وتروي الطفلة سلسبيل بدوي، 16 عاما، من سكان غزة، حي الزيتون، لطواقمنا مشاهد مروعة أثناء نزوحها:  “بعد بداية الهجوم البري على قطاع غزة بأسبوع أو ما يقارب الأسبوعين بدأ جيش الاحتلال الاسرائيلي بالقصف بالأحزمة النارية على الحي الذي كنا نسكن به، فقالت لي أمي اذهبي على الجنوب مع الجيران وسألحقك، وقال لي أخي زكريا أنه سيلحقني هو الآخر ولكنه استشهد وكذلك أخي يوسف تصاوب في رجليه وقدميه، خرجت مع جيراننا “بيت العمارين”، ولا أعرف أي شيء عن أهلي حتى اللحظة ولا يوجد أي تواصل بيننا، وأثناء نزوحي مع جيراننا من شمال غزة عبر الممر الآمن كان هناك جثث للعديد من الشهداء ملقاه على الأرض، وكنت أمر من فوقهم ودعست على رأس شهيد، الله يسامحني، وافترقت عن جيراننا، رأيت الدبابات أمامي، وكان جيش الاحتلال يقتل الناس بجانبي، وبعد ما افترقت عنهم وقدمت عن الحاجز عثرت عليهم، وهم اللذين احضروني هنا وأنا حتى الآن في مدرسة الطائف التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين في رفح”.

ويعيش الأطفال في غزة أوضاعاً مأساوية حيث يواجهون خطر الموت جوعًا فقد أشار أحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) إلى مستويات مدمرة من انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة، وأكد التقرير أن جميع سكان غزة يعانون أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي، وأن العديد من البالغين يعانون الجوع حتى يتمكن الأطفال من تناول الطعام.

والأطفال هم الفئة الأكثر عرضة لخطر الموت بسبب سوء التغذية وتفشي الامراض المعدية كالجرب والقمل وجدري الماء والطفح الجلدي. وقد سجل ما يزيد عن ألف حالة من التهابات الجهاز التنفسي الحادة.

وتنتشر هذه الأمراض في ظل تدمير واسع للبنية التحتية والخدمات الأساسية للمياه والصرف الصحي. ويأتي هذا الخطر في وقت يواجه فيه النظام الصحي في قطاع غزة انهياراً كاملاً حيث يتعرض الأطفال دون سن الخامسة، وهم 335,000 طفل، للخطر على نحو خاص، ويعاني أكثر من 80% من الأطفال الصغار من فقر غذائي حاد، وتظهر المعلومات التي وثقها باحثونا أن معدل هزال الأطفال زاد بنسبة كبيرة مقارنة بأوضاع ما قبل الأزمة الحالية، ليطال الآلاف من الأطفال، ويعد الهزال أحد أكثر عوارض سوء التغذية التي تهدد حياة الأطفال.

وبات الحصول على كميات كافية من المياه النظيفة مسألة حياة أو موت وذلك بسبب عدم توفر مياه آمنة للأطفال المهجرين في جنوب قطاع غزة والذي بدوره سيؤدي إلى وفاة المزيد من الأطفال قريباً بسبب الأمراض، وأما عن الأطفال الموجودين في شمال غزة فهم بالكاد يحصلون على قطرة ماء للشرب في بعض الأحيان.

وتعرض ما لا يقل عن 50% من مرافق المياه والصرف الصحي للأضرار أو للتدمير في غزة، وتحذر مؤسساتنا من أن هذا الوضع يؤثر على الأطفال بشكل خاص لأنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية لحساسية اجسادهم وقلة مناعتهم خاصة في ظل التهجير وسوء التغذية والبرد.

ويعتمد الأطفال بشكل أساسي على دعم ورعاية البالغين ممن حولهم، وهو ما انقطع عن الآلاف منهم بشكل مفاجئ نتيجة فقدانهم لذويهم، أو حتى للغياب العاطفي للوالدين نتيجة للبيئة التي فرضت عليهم بطبيعة الحال من خوف وتوتر وتمحور التركيز حول غريزة البقاء وتوفير الحماية. إن غياب ذلك كلّه، بالإضافة إلى صدمات الحرب المتمثلة بالإصابة الجسدية المباشرة التي غالبا ما يصحبها إصابات نفسية، والتعرض المباشر لمشاهد الموت والقتل وغيرها، سيترك آثارا نفسية صعبة لتستمر معهم طوال حياتهم، من أهمها اضطراب ما بعد الصدمة، وذلك بوصفه أحد أكثر الاضطرابات شيوعا لدى الأطفال الذين يعيشون في مناطق معرضة للحروب. وإن أفلت الأطفال من القتل في غارات الاحتلال الإسرائيلي فإنهم لن يفروا من مواجهة الدمار ومشاهد الموت والرعب جراء القصف الذي طال البيوت الآمنة، والمدارس، والمساجد، وحتى المشافي وأماكن تقديم الرعاية الصحية.

وأمام الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، وبسبب حالة النزوح، وفقدان الكثير من الأسر معيليها، اضطر الكثير من الأطفال إلى العمل من خلال البيع في بسطات أو جمع الحطب ونقل المياه لتأمين متطلبات الحد الأدنى من العيش لأنفسهم وربما لأسرهم التي باتت دون معيل.

ويحظى الأطفال كبقية المدنيين بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، ففي حال وقوعهم في قبضة “قوات العدو”، يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية. ويجب حماية جميع الأطفال من الانتهاكات، بما فيها التعذيب وغيرها من أشكال سوء المعاملة والعنف الجنسي والاحتجاز التعسفي والاحتجاز كرهائن والنزوح القسري. ويؤكد القانون الدولي على ضرورة ألا يكون الأطفال هدفا للهجمات. ويجب أن يعاملوا باحترام وحماية بشكل خاص. ويشمل ذلك الحصول على التعليم والغذاء والرعاية الصحية واتخاذ تدابير محددة لحماية الأطفال المحرومين من حريتهم والمنفصلين عن أسرهم.

وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والتي تعد ملزمة للدول التي اعترفت بها ومنها إسرائيل وبروتوكولها الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة عام (2000)، على وجه التحديد، فعلى الدول حماية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة، ونظرًا إلى مصادقة إسرائيل على الاتفاقية منذ عام 1991، فإنها ملزمة قانونيًا وأمام المجتمع الدولي بتنفيذ بنودها كافة، وعلى رأسها اتخاذ جميع التدابير الممكنة عمليًّا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، والتي ينصّ عليها البند الرابع من المادة 38، كما وعليها عدم تعريض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وعدم حرمان أي طفل من حريته بصورة قانونية أو تعسّفية، وفقًا للبندين (أ) و(ب) من المادة 37.

تؤكد مؤسساتنا، أن الأطفال ليسوا مجرد أرقام، بل هم أحلام وذكريات ومستقبل سرقته الحرب من بين أيديهم. وفي حين قد يبدو الحديث عن الآثار والعوارض النفسية رفاهية للبعض عند أخذ الوضع العام بعين الاعتبار، فإن المستقبل أمام أطفال غزة ليس واضحا في معالمه. يستيقظ الطفل “العاديّ” في عالمنا وكل ما يشغله هو إنهاء واجباته المدرسية والاستمتاع باللعب أو قضاء الوقت مع اصدقاءه. أما الطفل الغزّي، فإن النجاة من الموت باتت الآن كل ما يؤرقه، يصارع الموت في المقام الأول.

تجدد مؤسساتنا استنكارها استمرار الانتهاكات الموجهة ضد الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة وترى في مضي قوات الاحتلال الإسرائيلية قدماً في انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان انعكاساً طبيعياً لعجز المجتمع الدولي عن القيام بواجباته القانونية والأخلاقية تجاه المدنيين/ات في قطاع غزة. وأن عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات فاعلة لوقف الجرائم بحق الفلسطينيات والفلسطينيين شجع الاحتلال على مواصلة جرائمه بما فيها جريمة الإبادة الجماعية.

وتدعو مؤسساتنا إلى وضع حد للأضرار المدمرة التي تلحق بحياة الأطفال، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وحماية جميع الأطفال وتقديم الدعم الطبي والغذاء والماء والدعم النفسي والرعاية اللازمة بشكل عاجل وسريع.