فبراير 24, 2025
أداة إسرائيلية لنهب الأراضي الفلسطينية: تقرير ميداني عن تصاعد الاستيطان الرعوي بسبسطية في نابلس
مشاركة
أداة إسرائيلية لنهب الأراضي الفلسطينية: تقرير ميداني عن تصاعد الاستيطان الرعوي بسبسطية في نابلس

تشهد الضفة الغربية تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة الاستيطان الإسرائيلي بأشكاله المختلفة، التي تهدف إلى ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية على الأرض. ومن بين أكثر هذه الأشكال خطورة، يبرز الاستيطان الرعوي، الذي يستخدم النشاط الزراعي والرعوي كغطاء للسيطرة على الأراضي الفلسطينية. وتعد بلدة سبسطية، شمال غرب نابلس، نموذجًا صارخًا لهذه الظاهرة، حيث تصاعدت خلال العام الأخير إقامة البؤر الاستيطانية الرعوية، التي تُستخدم كأداة لنهب مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية وتهجير أصحابها الشرعيين.

يرصد هذا التقرير التوسع الاستيطاني الرعوي في بلدة سبسطية والمناطق المحيطة بها، ويوثق الانتهاكات التي يرتكبها المستوطنون بدعم مباشر من سلطات الاحتلال الإسرائيلي. كما يستعرض التقرير تأثير هذه الانتهاكات على السكان الفلسطينيين، بما في ذلك التضييق على المزارعين، منع الوصول إلى الأراضي، التهجير القسري، تدمير الموارد الطبيعية، ومحاولة تهويد المنطقة الأثرية التاريخية، في سياق حملة استيطانية محمومة تجتاح الضفة الغربية بأكملها.

الاستيطان الرعوي كأداة لنهب الأراضي

البؤرة الاستيطانية عند تأسيسها وبعد توسيعها – تصوير باحث المركز

وتشير المعلومات التي جمعها باحثو المركز إلى أن المستوطنين شرعوا في 20 يناير 2025 بشق وتسوية طريق زراعي، وتعبيده بالبسكورس، بحيث يربط بين البؤرة الاستيطانية ومستوطنة “شافي شمرون”، المقامة على 400 دونم من حوض رقم 4 غربي سبسطية. علمًا أن هذا الطريق كان قد شقه مزارعون فلسطينيون سابقًا بهدف الوصول إلى أراضيهم في المنطقة. كما أقدم المستوطنون على زراعة أشتال الزيتون في مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية للسيطرة عليها وتوسيع البؤرة والمستوطنة.

شارع شقه مزارعون فلسطينيون واستولى مستوطنون عليه ورصفوه بالبسكورس – تصوير باحث المركز

انتهاكات المستوطنين تحت حماية الاحتلال

نفذ المستوطنون اعتداءاتهم بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي فرضت قيودًا إضافية على حركة الفلسطينيين في المنطقة لتسهيل اعتداءات المستوطنين، بما في ذلك الاستيلاء على الأراضي وفرض أمر واقع فيها.

ووفق الإفادات والمعلومات التي جمعها باحثو المركز، فإن قوات الاحتلال بدأت منذ عدة أسابيع باقتحام بلدة سبسطية يوميًا عند الساعة 19:00، حيث تجبر أصحاب المحلات التجارية على إغلاقها قسرًا، بالتزامن مع إطلاق قنابل الغاز والرصاص، مما يدفع المواطنين إلى إخلاء الشوارع.

ومع تفريغ الشوارع وإغلاق البلدة، توفر قوات الاحتلال الحماية للمستوطنين، الذين باتوا يكثفون اقتحاماتهم لمنطقة الآثار، وتأدية طقوسهم الدينية وصلواتهم التلمودية، في محاولة لفرض واقع جديد على الأرض.

قرار عسكري للسيطرة على أراضي المنطقة

في 24 يوليو 2024، أصدرت سلطات الاحتلال قرارًا عسكريًّا يقضي بمصادرة 1300 متر مربع من الأراضي الأثرية في سبسطية، وتقع هذه الأرض المصادرة على قمة تلة في المنطقة الأثرية. كما خصص الاحتلال 33 مليون شيقل لإقامة بنية تحتية تدعم التوسع الاستيطاني، حيث تم إنشاء منشأة أمنية على الأرض المصادرة لخدمة المستوطنين.

ولجأ أصحاب الأراضي المصادرة إلى تقديم اعتراضات قانونية عبر محامين في محكمة بيت إيل، إلا أن سلطات الاحتلال لم تستجب لهذه الاعتراضات، ولم توقف مصادرة الأراضي.

الاعتداءات على المزارعين وموسم الزيتون

مع بداية موسم الزيتون في أكتوبر 2024، هاجم المستوطنون قاطفي الزيتون بحماية قوات الاحتلال، مستخدمين العصي والغاز والحجارة. وأسفرت هذه الاعتداءات عن مقتل المواطن المسن أحمد توفيق غزال، البالغ من العمر 74 عامًا، بعد أن تعرض لرش غاز الفلفل مما أدى إلى اختناقه ووفاته، وفق تحقيقات باحثي المركز.

بسبب هذه الاعتداءات المتكررة، عزف العديد من المزارعين عن الوصول إلى أراضيهم لقطف الزيتون، خوفًا على حياتهم. في المقابل، شوهد المستوطنون وعائلاتهم يجمعون ثمار الزيتون من أراضي الفلسطينيين في حوض 4، مستغلين منع أصحابها الشرعيين من الوصول إليها.

ونتيجة لهذه الاعتداءات وإجراءات الاحتلال، اضطرّت أربع عائلات فلسطينية، تتألف من 20 فردًا، إلى إخلاء المنطقة المجاورة للبؤرة الاستيطانية في مطلع عام 2024، رغم أنهم كانوا يقطنون هناك منذ 30 عامًا.

أشتال زيتون زرعها المستوطنون – تصوير باحث المركز

شهادة عن آثار اعتداءات الاحتلال والمستوطنين حول تهويد المنطقة الأثرية وإغلاق المحلات التجارية، أفاد المواطن سامر نظمي حمدان الشاعر، 49 عامًا، لباحث المركز:

” في 21 يوليو 2023، استشهد مواطن واعتقل آخر بعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار على مركبة كانت في طريقها للخروج من البلدة مساءً. ومنذ ذلك الوقت، بات الزائرون يخشون التواجد في سبسطية مساءً. وبعد 7 أكتوبر 2023، تصاعدت الاقتحامات اليومية لقوات الاحتلال، حيث أصبحت تغلق المنطقة الأثرية بشكل متكرر، مما تسبب لي بخسائر بلغت 30 ألف شيقل، إذ إنني أستأجر كشكًا في المنطقة. كما كثفت قوات الاحتلال من إجراءاتها القمعية، ما أدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي والسياحي في البلدة”.

بلدة سبسطية

تقع بلدة سبسطية شمال غرب مدينة نابلس على بعد 12 كم من مدينة نابلس ويبلغ عدد سكانها 3800 نسمة فيما تبلغ مساحة أراضيها 5000 دونم، 40 بالمئة من مساحة أراضيها ضمن المنطقة المصنفة c. جزء من حوض 4 في المنطقة ويبلغ مساحته 600 دونم من أراضي المواطنين في البلدة المذكورة مقام عليها مستوطنة شافي شمرون وتأتي في الجهة الغربية الجنوبية منها.

ومنذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967، وضع الاحتلال اليد على المنطقة الأثرية التي تبلغ مساحتها 2000 دونم، في سبسطية التي تتضمن العديد من المواقع الأثرية المهمة والتي تعكس الحضارات المختلفة، كالمدرج الروماني وشارع الأعمدة ومعبد اوغسطس وساحة البازيليكا والسور الأثري والمدينة الرومانية وكنيسة يوحنا المعمدانية.

تهويد المنطقة الأثرية في سبسطية

بعد اتفاقية أوسلو، صُنفت المناطق الأثرية في سبسطية ضمن المنطقة “C”، الخاضعة للسيطرة الكاملة لقوات  الاحتلال، بينما صُنفت بقية البلدة ضمن المنطقة “B”، الخاضعة للسيطرة الأمنية لقوات الاحتلال فيما تخضع إدارياً  للسلطة الفلسطينية. وفي عام 2018، نفذت الحكومة البلجيكية بالتعاون مع اليونسكو مشروعًا لترميم “ساحة البيدر”، مما ساهم في ازدهار السياحة في المنطقة. إلا أن الاحتلال صعد من إجراءاته القمعية، بإغلاق الحواجز المؤدية للبلدة، ومنع وصول الزوار، وتكثيف اقتحامات المستوطنين، مما أدى إلى تراجع النشاط السياحي والاقتصادي. في المقابل بدأت قوات الاحتلال بتسهيل اقتحام المستوطنين للمنطقة في ساعات الصباح وبقائهم عدة ساعات يرافق ذلك إغلاق المنطقة بالكامل. كان ذلك في عام 2022، الذي شهدت نهايته إقامة المستوطنين بؤرة استيطانية رعوية في سهل رامين على أراضي بلدة دير شرف وسبسطية ودير شرف والناقورة على 1000 – 1500 متر هوائي غربي البلدة.

مخاطر الاستيطان والمطالبة بالتدخل الدولي

تشكل سياسة الاستيطان الرعوي في سبسطية خطرًا جسيمًا على حقوق الفلسطينيين، حيث تؤدي إلى تهجير السكان، تدمير سبل العيش، وطمس الهوية التاريخية للبلدة. إن استمرار هذه الانتهاكات يستدعي تدخلاً دوليًا عاجلاً للضغط على إسرائيل لوقف مشاريع الاستيطان غير القانونية، واحترام القانون الدولي، وحق الفلسطينيين في العيش بأمان على أراضيهم.

يذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن محكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو 2024 قرارًا يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هو احتلال غير قانوني، ويُلزم إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني بأسرع وقت ممكن، والوقف الفوري لنشاطها الاستيطاني، وإخلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة.