ديسمبر 16, 2024
آلاف الفلسطينيين يختفون قسريًا: الموت وجريمة التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي
مشاركة
آلاف الفلسطينيين يختفون قسريًا: الموت وجريمة التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي

يُعيد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التأكيد على إدانته الشديدة لسياسة الاعتقالات التعسفية والاحتجاز التي تنتهجها إسرائيل، بالإضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة والاختفاء القسري للفلسطينيين من غزة، في إطار جرائم الإبادة المستمرة ضد السكان المدنيين في القطاع. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، لا يزال مصير ومكان وجود آلاف الفلسطينيين – من الأطفال إلى كبار السن – مجهولاً. يعاني الفلسطينيون من التعذيب وسوء المعاملة بشكل واسع، بينما تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي إخفاء معلومات هامة عن وضعهم أو منع المحامين من الوصول إلى أماكن الاحتجاز، مما أدى إلى اختفاء العديد من المعتقلين قسراً.

مع مرور كل يوم، يواجه المعتقلون الفلسطينيون خطر فقدان حياتهم، أو على الأقل التعرض لأضرار جسدية وعقلية لا يمكن إصلاحها. تساهم الظروف المتدهورة في مراكز الاحتجاز، إلى جانب استخدام أساليب تعذيب غير انسانية – بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي الشديد، والعنف الجنسي، والتجويع، والإهمال الطبي – في خلق أزمة مدمرة. وقد تم توثيق هذه الانتهاكات بشكل موسع من قبل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من خلال (1) جمع شهادات المعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم في غزة؛ (2) تقديم طلبات للسلطات الإسرائيلية لتحديد مصير المعتقلين المفقودين؛ و (3) القيام بزيارات إلى السجون.

شهادات المعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم في غزة

تمكن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، من خلال المتطوعين و العاملين في الميدان، الحصول على شهادات من أكثر من 130 معتقلاً تم اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر 2023 وتم الإفراج عنهم لاحقاً. تقدم شهاداتهم سرداً مؤلماً للتعذيب والإذلال والانتقاص من الإنسانية الذي تعرضوا له على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة احتجازهم. جميع من تم مقابلتهم كانوا من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن وذوو الإعاقة. ومن بينهم أطباء ومسعفون وممرضون وصحفيون ومحامون وموظفون حكوميون. تم اعتقال معظمهم من أماكن مختلفة في قطاع غزة خلال العمليات العسكرية البرية، و اجتياح المنازل والمدارس والمستشفيات ونقاط التفتيش العسكرية، أثناء محاولتهم الهروب من القصف أو البحث عن مأوى. تم استخدام عدد منهم كدروع بشرية قبل نقلهم إلى مراكز الاحتجاز. كما تناولت بعض الشهادات التي جمعها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان اعتقال عمال فلسطينيين من غزة داخل الخط الأخضر بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، حيث تم احتجازهم وتعذيبهم رغم حصولهم على تصاريح سارية من السلطات الإسرائيلية.

طلب من السلطات الإسرائيلية لتحديد مصير المعتقلين المفقودين

منذ بداية الإبادة الجماعية المستمرة، عمل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بلا كلل على جمع المعلومات حول مصير ومكان احتجاز المعتقلين الفلسطينيين في المخيمات العسكرية التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية والسجون التي تديرها مصلحة السجون الإسرائيلية. وحتى 31 أكتوبر 2024، أرسل المركز 15 رسالة إلى السلطات الإسرائيلية المعنية بشأن 303 فلسطينيين تم اعتقالهم من قبل قوات الاحتلال. وفي ردها، قدمت السلطات معلومات حول مصير ومكان 209 أفراد (88 في سجن النقب، 18 في سجن نفحة، 26 في سجن عوفر، 64 في معسكر عوفر العسكري، 8 في سجن عسقلان، 4 في سجن الرملة، و1 في سجن المسكوبية)، مشيرة إلى أن 91 شخصاً ليسوا في حوزتها. وهذا رغم الشهادات العديدة من شهود العيان التي تؤكد اعتقال العديد من هؤلاء الأشخاص ونقلهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. من بين هؤلاء الذين لم يتم تحديد مكانهم، يوجد العشرات من الأطفال الفلسطينيين.

وفقاً للمعلومات التي تلقاها المركز، فإن جميع المعتقلين تم احتجازهم بموجب “قانون احتجاز المحاربين غير القانونيين”، الذي يسمح، من بين أمور أخرى، بالاعتقالات الجماعية والاحتجاز غير المحدود للمدنيين دون توجيه اتهامات. وقد تم تقديم بعض المعتقلين أمام المحاكم الإسرائيلية، كما يظهر في الوثائق التي قدمها المركز، وتم تحديد موعد لإطلاق سراحهم، رغم أن بعض هؤلاء المعتقلين نفوا أنهم قد تم تقديمهم للمحكمة. وكان من المتوقع إطلاق سراح البعض منهم في الأسابيع والأشهر الماضية، لكن تم تمديد احتجازهم إلى أجل غير مسمى بموجب هذا القانون. في حين أن آخرين لم يُقدّموا إلى محكمة أو يتم تحديد موعد لإطلاق سراحهم، دون تقديم أي تفسير لاستمرار احتجازهم.

من بين الـ 209 فرداً، تم إبلاغ المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بوفاة ثلاثة معتقلين فلسطينيين، توفي اثنان منهم في معسكر احتجاز سدي تيمان. هؤلاء الثلاثة هم من بين عشرات الفلسطينيين الذين تم الإعلان عن وفاتهم داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية. الأول هو عمرو حاتم فوزي عودة (32 عاماً)، الذي كان يعمل بائعاً في متجر للبقالة. تم اعتقاله من منزله في حي الزيتون في مدينة غزة في 7 ديسمبر 2023 وتوفي في 13 ديسمبر 2023 في سدي تيمان، بعد أسبوع من اعتقاله. الثاني هو حسين صابر حسين أبو عبيدة (31 عاماً)، الذي كان يعمل بائعاً في محل للحلويات. تم اعتقاله من منزله في الحي الياباني في خان يونس في 22 يناير 2024 وتوفي في 29 يناير 2024 في سدي تيمان، بعد أسبوع تقريباً من اعتقاله. الشخص الثالث هو علي عبد الله سليمان (64 عاماً)، معلم متقاعد تم اعتقاله في 2 يناير 2024 من منزله في خان يونس أثناء عملية عسكرية لقوات الاحتلال. قالت السلطات الإسرائيلية إنه توفي في 5 فبراير 2024، أي بعد شهر وثلاثة أيام من اعتقاله، لكن على عكس الحالتين السابقتين، لم يتم تقديم أي معلومات حول مكان وفاته.

بحسب مركز القيادة العسكرية للسجون، الجهة المسؤولة عن إدارة معسكرات الاحتجاز، “تم فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية لتوضيح ظروف الوفاة”. ومع ذلك، بناءً على تجارب المركز الطويلة مع النظام القضائي والتحقيقي الإسرائيلي، من المؤكد تقريباً أنه لن يتم إجراء أي تحقيقات جدية أو شفافة لتحديد ظروف وفاتهم، نظراً لتاريخ إسرائيل الطويل في عدم رغبتها الحقيقية لإجراء تحقيقات شفافة في الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين.

من المهم أن نلاحظ أنه نظراً لعدم استعداد السلطات الإسرائيلية لتقديم معلومات حول عدد كبير من المعتقلين، وخاصة الأطفال، قام المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بإرسال رسائل إلى مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري بشأن 143 فلسطينياً، للضغط على إسرائيل للكشف عن معلومات حول مصيرهم وأماكنهم.

زيارات السجون

في الأشهر الثلاثة الماضية، قام محامي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان داخل الخط الأخضر بزيارة 35 معتقلاً فلسطينياً من غزة، محتجزين في معسكر عوفر العسكري، وسجن عوفر، وسجن النقب، وسجن نفحة. ويؤكد تقرير المحامي عن الظروف الحالية للاحتجاز صحة الشهادات التي جمعها المركز من المعتقلين المفرج عنهم.

عند لقائهم مع محامي المركز، كان المعتقلون الفلسطينيون منهكين جسدياً وعقلياً وكانوا في حالة انفصال تام عن العالم الخارجي إلى درجة أنهم لم يكونوا على دراية بتاريخ ووقت اللقاء. كما أنهم لم يكونوا يعرفون مدة احتجازهم أو التهم الموجهة ضدهم. وأثناء استجوابهم، تم إبلاغهم بأن احتجازهم سيكون غير محدد المدة وسيستمر حتى نهاية الحملة العسكرية على قطاع غزة.

أخبر المعتقلون محامي المركز أنهم لا يزالون يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك حرمانهم من الطعام والماء والنوم وحرية ممارسة شعائر دينهم. وأفاد بعض المعتقلين أنهم فقدوا من 20 إلى 30 كيلوغراماً من وزنهم بسبب الطعام المحدود و المياه الملوثة التي تحتوي على مستويات عالية من الكلور. كما أفادوا بعدم توفر مستلزمات النظافة الشخصية، حيث يُسمح لهم بالاستحمام مرة واحدة لمدة دقيقتين كل أسبوعين وفي مجموعات. وقد أدى ذلك إلى انتشار الأمراض الجلدية بينهم، خاصة الجرب.

كما أشاروا إلى أنهم أجبروا على النوم على فراش رقيق للغاية في زنزانات وخيام مكتظة، وتعرضوا للضرب والإهانة والاقتحامات المستمرة طوال اليوم والليل من قبل حراس السجون وكلابهم، بهدف زرع الخوف والإذلال في نفوسهم. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن أي من المعتقلين من رؤية طبيب أو تلقي أي علاج أو رعاية طبية. وأحد المعتقلين كان يعاني من شلل في الأطراف السفلية بنسبة إعاقات تبلغ 70%، ولم يُقدم له أي كرسي متحرك أو فراش طبي أو عكازات أو أي نوع من الرعاية الطبية. وعندما تم نقله للزيارة، تم سحبه على الأرض من قبل الجنود.

التعذيب كنوع من الإبادة الجماعية

يرتبط التعذيب المنهجي والواسع الانتشار الذي تعرض له المعتقلون الفلسطينيون واختفائهم القسري ارتباطاً وثيقاً بالإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين في غزة. ومن الجدير بالذكر أن المادة الثانية (ب) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 تشمل “إلحاق أضرار جسدية أو عقلية خطيرة بأفراد المجموعة” كإحدى الأعمال الخمسة للإبادة الجماعية المنصوص عليها في الاتفاقية. تجدر الإشارة إلى أن توثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يحتوي على كم هائل من تصريحات تشير لنية الإبادة الجماعية بشكل واضح حيث كان يتم توجيهها ضد المعتقلين خلال التعذيب بشكل مستمر وممنهج.

في ظل هذه الفظائع المستمرة، يُجدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان دعوته للمجتمع الدولي لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للضغط على إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة للمعتقلين، وتوفير معلومات حول مصير وأماكن المعتقلين المفقودين، وإطلاق سراح المعتقلين تعسفاً، ومنح اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمحامين حق الوصول الفوري لزيارة المعتقلين.

علاوة على ذلك، يطالب المركز مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في المسؤولين عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي ضد الفلسطينيين، بما في ذلك المعتقلين الفلسطينيين، وإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين والقادة العسكريين الذين يتحملون مسؤولية الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني.

ويلاحظ المركز فشل الدكتورة أليس جيل إدواردز، المقررة الخاصة المعنية بالتعذيب وغيره من سوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، في معالجة والتأكيد على التعذيب المنهجي والواسع الذي يتعرض له المعتقلون الفلسطينيون طوال الأربعة عشر شهراً الماضية. وعلى الرغم من التقديمات المفصلة و المبنية على الأدلة والنداءات العاجلة من عدة منظمات حقوقية فلسطينية، بما في ذلك المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إلا أن المقررة الخاصة لم تقدم الاعتراف الكافي أو التحقيق أو التدخل، مما يعكس فشلها في أداء مهمتها المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة.