إمعانٌ في جريمة الإبادة الجماعية
القوات الإسرائيلية المحتلة تحاصر مستشفيات شمال قطاع غزة بالقصف وتحرم مئات الآلاف من الوصول للخدمات الصحية المنقذة للحياة
يستنكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تصاعد استهداف القوات الإسرائيلية المحتلة للمستشفيات والمرافق الصحية في محافظة شمال قطاع غزة، والذي بلغ ذروته فجر اليوم، الأحد 18مايو2025، باستهداف كل من المستشفى الإندونيسي الحكومي ومستشفى العودة الأهلي، ومحاصرتهما ناريًا عبر الطائرات المسيرة واخراجهما عن الخدمة بمنع دخول أو خروج المرضى والطواقم الطبية والإمدادات الحيوية.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية تحاصر الطائرات المسيرة الإسرائيلية ما يقارب 40 شخصًا يتواجدون داخل المستشفى الإندونيسي من طواقم طبية ومرضى ومصابين، وأسفر اطلاق النار المستمر عن إصابة اثنين من المرضى أثناء محاولتهم مغادرة المستشفى الاندونيسي، فيما تم استهداف قسم العناية المركزة في المستشفى بشكل مباشر حيث يتواجد 4 مرضى، حالتهم خطيرة، بينهم حالتان معرضتان للوفاة في أي لحظة بسبب صعوبة تلقيهما الخدمة الصحية داخل القسم.1 ومع حالة الشلل التام التي تصيب المنظومة الصحية في محافظة شمال غزة، بسبب تدمير الاحتلال لمستشفيي كمال عدوان وبيت حانون الحكوميين، إضافةً إلى تقويض عمل المراكز الصحية المتبقية، يحذر المركز من ترك مئات الآلاف من السكان دون أي إمكانية للوصول إلى الرعاية الطبية الأساسية، في ظل تكثيف الهجوم العسكري وتصاعد عمليات القصف التي تقترفها قوات الاحتلال، إضافة لمنع دخول الإمدادات الطبية للمستشفيات.
ووفق إفادة قدمها الدكتور محمد صالحة، القائم بأعمال مدير مستشفى العودة بشمال غزة، فإن المستشفى كان يستقبل يوميًا أكثر من 100 حالة بين مصابين ومرضى، ويُجري ما بين 7 إلى 10 عمليات جراحية، قبل أن يتضاعف الضغط عليه بعد خروج جميع المستشفيات الحكومية في شمال قطاع غزة عن الخدمة، ليصل عدد الحالات الوافدة إلى أكثر من 150 يوميًا، كثير منها إصابات حرجة. وأكد صالحة أن الوضع الأمني المتدهور نتيجة الحصار الناري المفروض من قوات الاحتلال صباح اليوم حال دون وصول الطواقم الطبية إلى المستشفى، وأدى إلى توقف العمليات الجراحية بشكل كامل، وتعطل خدمات الإنعاش والعناية المركزة بسبب نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي. وأشار صالحة إلى أن سيارات الإسعاف لم تعد قادرة على الحركة بفعل القصف المباشر، ما أدى إلى شلل شبه تام في تقديم الرعاية الصحية، وتهديد مباشر لحياة الجرحى والمرضى.
يؤكد المركز أن هذا الاستهداف يأتي في سياق سلسلة متواصلة من الهجمات البشعة التي تطال المستشفيات الرئيسة في مناطق شمال قطاع غزة وجنوبه، حيث يعمل ، ويرى فيها جريمة حرب لا تنفصل بنمطها عن السياق الأوسع لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال منذ أكثر من 18 شهراً، وفق ما تنص عليه المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، بتعمد فرض ظروف معيشية يُقصد بها تدمير السكان الفلسطينيين جزئياً أو كلياً، عبر التدمير المنهجي للبنية الصحية، وحرمان السكان من الحق في الحياة والرعاية الصحية الأساسية.
وقد استقبلت مستشفيات قطاع غزة خلال الأيام الثلاثة الأخيرة فقط نحو 500 قتيل من ضحايا القصف الذي استهدف المنازل والاحياء السكنية2، نتيجة المجازر والاستهدافات المكثفة بحق المدنيين في كافة مناطق قطاع غزة، فيما لا يزال عشرات الضحايا تحت الأنقاض والركام وفي الطرقات، تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم.
كما وثّقت منظمة الصحة العالمية، في الفترة (7 أكتوبر 2023 و7 مايو 2025)، ما لا يقل عن 686 هجومًا استهدف القطاع الصحي في قطاع غزة، ما أدى إلى تضرر 122 منشأة صحية و180 سيارة إسعاف. وتندرج هذه الهجمات ضمن نمط متواصل من الانتهاكات الخطيرة، شملت تدمير مجمع الشفاء الطبي ومستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وإلحاق أضرار جسيمة بقسم العمليات الجراحية في مستشفى ناصر، وبوحدة العناية المركزة وألواح الطاقة الشمسية في مستشفى الدرة، ما أدى إلى خروجهم عن الخدمة، فضلاً عن تدمير مبنى الطوارئ وعدة منشآت أخرى في المستشفى الأهلي العربي. وأفادت المنظمة بأن 38 نقطة صحية على الأقل تقع داخل مناطق صدرت أوامر بإخلائها، بينما تقع 110 نقاط أخرى ضمن دائرة قطرها كيلومتر واحد من تلك المناطق، وهو ما يجعل الوصول إلى الرعاية الصحية في مختلف أنحاء قطاع غزة مهمة محفوفة بالمخاطر أو متعذرة تمامًا.3
وفي مشهدٍ يلخّص حجم الانهيار الكارثي للمنظومة الصحية، اضطر مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة والذي يعمل بإمكانيات محدودة جداً بعد تدميره في مارس 2024، إلى مناشدة المواطنين الذين يعانون من الجوع ونقص الغذاء، للتبرع بالدم،4 وذلك في محاولة يائسة لإنقاذ حياة مئات الجرحى الذين يتوافدون للعلاج نتيجة تصاعد جرائم قصف الأحياء السكنية. هذه النداءات العاجلة من مستشفيات تعمل في ظروف أقرب إلى المستحيلة، وتعبّر عن واقع مروّع لمرضى يحتضرون في ظل نقص الدواء وشح وحدات الدم، وأطقم طبية عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من الرعاية، وسكان مجوّعون يُطلب منهم إنقاذ الأرواح في ظل انعدام مقومات الحياة. لذا فإن استمرار هذا الانهيار دون تدخل دولي عاجل ينذر بانفجار الأوضاع الإنسانية بما لا يمكن احتواؤه، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية تاريخية لإنقاذ ما تبقى من حياة في غزة.
يُجدد المركز تأكيده على أن استهداف وحصار المستشفيات والمراكز الصحية، وتقويض حقوق المدنيين الصحية، يشكل انتهاكاً جسيماً لأحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيما المادتين 18-19 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، اللتين تضمنان حماية خاصة للمستشفيات المدنية العاملة في جميع الأوقات، وتحظران مهاجمتها أو إعاقتها ما لم تُستخدم في أعمال قتالية، وهو ما لا ينطبق على حالة المنشآت الصحية بقطاع غزة، حيث لم تستطع قوات الاحتلال اثبات أي ادعاء يخالف ذلك. كما أن استهداف المرافق الصحية المدنية يمثل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويشكل كذلك انتهاكاً للحق في الصحة المنصوص عليه في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما يعتبر المركز استمرار الصمت الدولي أمام الجرائم المرتكبة ضد السكان الفلسطينيين في غزة، وبخاصة الجرائم الممنهجة ضد المنظومة الصحية ومنشآتها، تواطئاً يشجع قوات الاحتلال على المضي في سياساتها التدميرية دون أي رادع، كما أن حالة الإفلات من العقاب السائدة لمرتكبي هذه الجرائم تقوّض منظومة القانون الدولي، وتهدد أسس العدالة والسلم في المنطقة والعالم.
وإزاء هذا الانهيار الكارثي للمنظومة الصحية في قطاع غزة، وما يُشكله من تهديد مباشر لحياة آلاف الجرحى والمرضى، يكرر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مطالبته المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، بالتحرك الفوري والفعّال لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة، وتوفير الحماية العاجلة للمستشفيات والطواقم الطبية، وضمان وصول الإمدادات الطبية والوقود والاحتياجات الإنسانية دون إبطاء.
[…] لما تبقى من البنى التحتية الأساسية، بما في ذلك استهداف المستشفيات والمراكز الصحية، وقصف التكايا ومراكز تقديم وجبات الطعام، ونقاط توزيع […]
[…] منذ بدء تكثيف العمليات العسكرية الأخيرة إخراج جميع مستشفيات محافظة شمال القطاع من الخدمة، واستهداف مستشفى غزة الأوروبي واخراجه عن […]