مارس 22, 2025
إسرائيل تستخدم “التعطيش” و“قطع المياه” كسلاح لتحويل قطاع غزة إلى مكان غير قابلٍ للحياة، واستئصال الوجود الفلسطيني منه
مشاركة
إسرائيل تستخدم “التعطيش” و“قطع المياه” كسلاح لتحويل قطاع غزة إلى مكان غير قابلٍ للحياة، واستئصال الوجود الفلسطيني منه

يحذر المركز الفلسطيني من كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد حياة 2,3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، الذين يعيشون واقعًا مروعًا يحكم عليهم فيه بالموت البطيء، عبر تعطيشهم وحرمانهم بشكل ممنهج من مصادر المياه النظيفة والآمنة. وبالتزامن مع يوم المياه العالمي الذي يوافق 22 مارس من كل عام، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدام التعطيش وقطع المياه كجزء من جريمة الإبادة الجماعية، حيث تعرضت البنى التحتية المائية، ومرافق تحلية المياه معالجة الصرف الصحي لتدمير هائل نتيجة الهجوم العسكري الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ 17 شهرًا.  وتواصل قوات الاحتلال استعمال سياسة العقاب الجماعي بحق المدنيين في قطاع غزة بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية بكافة أشكالها، وقطع إمدادات الطاقة والوقود عن مرافق المياه، وذلك تماديًا في جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، التي تهدف إلى تحويل قطاع غزة إلى مكان غير قابلٍ للحياة، واستئصال الوجود الفلسطيني منه.

على مدار شهور الهجوم العسكري الإسرائيلي، استخدمت قوات الاحتلال “التعطيش” و“قطع إمدادات المياه” كأسلحة حربية وأساليب للعقاب الجماعي. ويأتي استمرار الاحتلال الاسرائيلي بتوظيف هذه الأساليب في سياق تعمده فرض ظروف معيشية يراد بها تدمير السكان وإبادتهم، الأمر الذي يعد بمثابة جريمة مزدوجة بانتهاكها لاتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ولنظام روما الأساسي1. وتأتي هذه الإجراءات استمراراً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة منذ عقود والرامية إلى الهيمنة على مصادر المياه الفلسطينية، والتي حرمت الفلسطينيين من التحكم بمواردهم المائية وحقهم في حياة معيشية ملائمة.

ووفقًا لمتابعات المركز الميدانية، فإن مناطق واسعة من قطاع غزة باتت خالية من المياه الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي، بفعل الدمار واسع النطاق الذي نجم عن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية المائية، والتي تضم منشآت تحلية المياه الرئيسية ومحطات معالجة الصرف الصحي وخزانات المياه وشبكات التوزيع وخطوط الصرف الصحي خلال عدوانها العسكري، وكذلك بفعل قطع إمدادات الوقود والطاقة عنها، ومنع دخول معدات الصيانة وقطع الغيار الخاصة بهذه المرافق، ما حدَّ من قدرة هذه المرافق على إنتاج المياه المأمونة والصالحة للاستخدام، وترك الفلسطينيون حتى الآن يعتمدون على حصص شحيحة جدًا وملوثة من المياه. عدا عن ذلك فإن أكثر من 97% من مياه الخزانات الجوفية في الحوض الساحلي تعد غير صالحة للاستهلاك بسبب ارتفاع معدلات التلوث والملوحة فيها، نتيجة للسدود والمصائد المائية التي أقامتها إسرائيل على طول الحدود لمنع تغذية خزانات المياه الجوفية في قطاع غزة.

ويوضح بيان مشترك2 لسلطة المياه والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن الاحتلال الإسرائيلي دمر ما يزيد 85% من مرافق خدمات المياه والصرف الصحي بشكل كلي أو جزئي، وأخرجها عن الخدمة، ووفقًا لتقييم أولي أصدرته منظمة أوكسفام3 مؤخرًا، فقد شملت المرافق المتضررة 1675 كيلومترًا من شبكات المياه والصرف الصحي، و85 محطة لتحلية المياه، و246 بئرًا لإنتاج المياه، بالإضافة إلى تدمير 40 خزانًا كبيرًا للمياه، وقد أدى ذلك إلى تراجع كميات المياه التي يتم تزويدها إلى السكان بشكل حاد، وخصوصًا مع قطع التيار الكهربائي عن قطاع غزة ومنع إدخال الوقود اللازم لتشغيل المرافق ومحطات تحلية وضخ المياه.

وعلى صعيد نظام الصرف الصحي، أدى تدمير 73 محطة ضخ لمياه الصرف الصحي، وتضرر شبكاتها بشكل كبير إلى نسف الجهود والدولية التي تضافرت طوال سنوات، لوقف التدهور البيئي الناجم عن ضخ مياه الصرف الصحي إلى البحر، وفي ظل تدمير هذه المرافق عاد تدفق حوالي 130 ألف م/مكعب4 من المياه العادمة إلى البحر من جديد ليفاقم الكارثة البيئية، بالإضافة إلى ذلك تشهد مناطق واسعة وتجمعات مكتظة بالسكان فيضان المياه العادمة، الأمر الذي خلق أرضية خصبة للإصابة بالأمراض المعدية والخطيرة، لا سيما مع انهيار نظام الرعاية الصحية ومحدودية وسائل النظافة العامة المتاحة في القطاع. وفي هذا السياق، تقول منظمة الصحة العالمية5 أن فيروس شلل الأطفال الذي سُجَلت أول حالة إصابة مؤكدة به وسط قطاع غزة في 16 أغسطس 2024، ما يزال موجودًا في مياه الصرف الصحي، بحسب العينات التي تم فحصها في ديسمبر 2024 ويناير 2025، مما يشكل خطرًا كبيرًا على الأطفال والفئات ذات المناعة المنخفضة في قطاع غزة.

وفي الوقت الحالي، تزداد الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تفاقمًا جراء معاودة اسرائيل عدوانها الوحشي في قطاع غزة على نطاق واسع والتهرب من الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عن سريانه في يناير 2025، ففي 2 مارس 2025 قررت حكومة الاحتلال إغلاق المعابر مع قطاع غزة ومنع إدخال جميع المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء والوقود اللازم لتشغيل محطات تحلية المياه ومعالجة الصرف الصحي. وفي 9 مارس 2025، قررت قوات الاحتلال6 فصل إمدادات الكهرباء الواصلة عبر خط F11  إلى محطات تحلية ومعالجة المياه المركزية في دير البلح وسط قطاع غزة، بعد أن أعيد توصيلها بالكهرباء في منتصف نوفمبر 2024 بالاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والسلطات الإسرائيلية لضمان استمرار عملها. ويفاقم هذا القرار من أزمة المياه في مناطق وسط وجنوب القطاع للأسبوع الثالث على التوالي، لا سيما وأنه يقلل من قدرة محطة التحلية على انتاج المياه بنسبة 80%، لتنخفض إنتاجيتها إلى حوالي 3000 متر مكعب في حين تصل قدرتها الانتاجية إلى 18000 متر/مكعب من المياه المحلاة الصالحة للشرب يوميًا، الأمر الذي يعني حرمان أكثر من 600 ألف نسمة في مناطق وسط وجنوب القطاع من المياه النظيفة، وينذر بازدياد معاناتهم لا سيما في ظل اشتداد وطأة الحصار والإغلاق، وعودة جرائم القصف والقتل المنهجي بحق المدنيين.

وبينما كانت حصة الفرد في المياه قبل أكتوبر 2023 تصل إلى حوالي 86 لتر/للفرد في اليوم، فقد انخفضت بشكل حاد منذ اندلاع العدوان العسكري الإسرائيلي، لتصل إلى مستوى يتراوح بين 3-12 لتر/للفرد في اليوم، وهو معدل متدنٍ جدًا عن المعدل الموصى به بحسب المواصفات والمعايير الدولية، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية أن الأفراد يحتاجون إلى ما يصل إلى 100 لتر يوميًا لتلبية احتياجاتهم الأساسية. ومؤخرًا، وصل النقص في المياه في قطاع غزة إلى درجة حرجة حيث يستطيع فرد واحد فقط من كل 10 أفراد الحصول على مياه شرب نظيفة وآمنة.7

وقال اتحاد بلديات قطاع غزة8 في الأيام الماضية أن قطاع غزة بات يعاني من كارثة إنسانية شاملة مع إعلان الهيئات المحلية عجزها عن تقديم خدمات المياه والصرف الصحي للسكان، وخروج مرافقها عن الخدمة بسبب الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة، وحذرت بلديات غزة من “أزمة عطش كبرى” ستحدث إذا ما نفِّذ التهديد الإسرائيلي بوقف ضخ مياه “ميكوروت” إلى قطاع غزة9 عبر 3 وصلات رئيسية في شمال ووسط وجنوب قطاع غزة كانت تزوّدها بحوالي 53,000 متر مكعب من المياه يوميًا، مما يعني حرمان 70%10 من السكان من احتياجات المياه، وتفاقم خطورة الأوضاع الصحية والبيئية، في ظل استمرار فيضان مياه الصرف الصحي، وتراكم آلاف الأطنان من النفايات الصلبة وسط المناطق السكنية ومراكز الإيواء، والخشية من تفشي الأمراض المعدية والأوبئة، في ظل انهيار المنظومة الصحية وانعدام القدرة على توفير خدمات الرعاية الطبية بشكل فعال.

وحول واقع المياه في قطاع غزة، أفاد المهندس منذر شبلاق، مدير مصلحة مياه بلديات الساحل لباحث المركز بما يلي: “عانى قطاع غزة من أزمة بيئية حقيقية وشحًا في مصادر المياه النظيفة طوال سنوات الحصار الإسرائيلي الذي بدأ منذ 17 عامًا، وقد تأثرت برامجنا لتحسين جودة خدمات المياه والصرف الصحي بشكل سلبي. ورغم ذلك تمكنا في السنوات الأخيرة من تحقيق انجازات تتمثل في إنشاء محطة مركزية لتحلية مياه البحر وسط قطاع غزة، وثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي واعادة استخدامها وتطوير شبكات التوزيع، لكن هذه الانجازات تم تدميرها مع اندلاع الحرب قبل 17 شهرًا.  إن حجم الدمار الذي تعرضت له مرافق ومنشآت قطاع المياه والصرف الصحي وصل إلى أكثر 80%، بما يمثل 680 مليون دولار، ولا تزال هذه البيانات أولية في ظل عدم توقف الحرب، وصعوبة الوصول إلى المواقع المتضررة في المناطق شرق وشمال وجنوب قطاع غزة. “

يرى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن استهداف اسرائيل المتعمد لأنظمة المياه في قطاع غزة، وتدمير المرافق والمنشآت الخاصة بالمياه ومعالجة الصرف الصحي، ومواصلتها سياسة التعطيش وتوظيف المياه كسلاح حرب ضد المدنيين وحرمانهم من الحق في الحصول على ما يكفيهم منها بشكل نظيف وآمن، يشكل امعانًا علنيًا في جريمة الإبادة الجماعية التي لم تتوقف، ويضيف دليلًا آخر إلى الأدلة الدامغة على ما تقوم به من مساعٍ وجهود لتدمير مقومات بقاء الفلسطينيين على أرضهم، وتطهيرهم عرقيًا، وضمان استمرار السيطرة الاستعمارية على مواردهم الطبيعية دون رادع أو محاسب، وسط تقاعس دولي واضح عن التحرك بشكل عاجل لإنهاء الجريمة المستمرة بحق الفلسطينيين، ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عنها أمام العدالة الدولية.

ويؤكد المركز أن هذه الممارسات بما تمثله من انتهاك للحق في المياه والصرف الصحي المكفول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي الذي يحظر مهاجمة الأعيان المدنية، والتي لا غنى عنها لبقاء السكان على قيد الحياة، فإنها تعكس الاخفاق الدولي في وضع حدٍ حاسمٍ لنهج الافلات من العقاب، والتمرد المستمر على التدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية والتحريض عليها، فيما تستمر اسرائيل في التنكر لالتزاماتها الواجبة عليها كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية ومنوط بها حماية المدنيين وتوفير احتياجاتهم الأساسية من المياه دون تمييز، ما يجعل انتهاكاتها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وفي ضوء ذلك، فإن المركز:

  • يطالب المقرر الخاص المعني بالحق في المياه وخدمات الصرف الصحي بإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة بيئيًا بفعل انهيار أنظمة المياه والصرف الصحي التي تسببت في انتشار الأمراض المعدية والأوبئة نتيجة التدمير الإسرائيلي الممنهج لهذه الهياكل الحيوية، ويكرر بضرورة تحميل دولة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة وإلزامها بضرورة إعمال الحق في المياه وخدمات الصرف الصحي لسكان قطاع غزة، وما يترتب على ذلك من التزامات تتعلق بحماية الهياكل المدنية الضرورية لبقاء السكان على قيد الحياة.
  • يدعو الأطراف المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 لاتخاذ اجراءات عاجلة لوقف العدوان الاسرائيلي والهجمات الوحشية المتواصلة بحق المدنيين في قطاع غزة، وفي مقدمتها وقف توظيف التعطيش وقطع المياه كأساليب حرب ضد المدنيين في سياق جريمة الإبادة الجماعية، والتوقف عن تدمير أنظمة المياه والصرف الصحي في قطاع غزة باعتبارها أعيان محمية بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
  • يطالب بالضغط على اسرائيل من أجل فتح معابر قطاع غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ومستدام بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي، وتوفير الإمدادات ومواد الإصلاح اللازمة لصيانة وإعادة بناء البنية التحتية للمياه ومرافق الصرف الصحي.

  1. تشمل أعمال الإبادة بحسب المادة 7 من نظام روما الأساسي حرمان السكان المدنيين من مقومات بقائهم عبر تعمد فرض تعمد أحوال معيشية صعبة عليهم بما في ذلك حرمانهم من الطعام والمياه وذلك بهدف تدميرهم، وتصنف هذه الأفعال على أنها جريمة ضد الإنسانية. ↩︎
  2. https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?tabID=512&lang=ar&ItemID=5947&mid=3915&wversion=Staging ↩︎
  3. https://www.oxfam.org/en/press-releases/less-seven-percent-pre-conflict-water-levels-available-rafah-and-north-gaza ↩︎
  4. https://reliefweb.int/report/occupied-palestinian-territory/unfolding-water-catastrophe-gaza ↩︎
  5. https://www.emro.who.int/ar/media/news/mass-polio-vaccination-campaign-to-continue-in-the-gaza-strip.html ↩︎
  6. https://apnews.com/article/gaza-israel-palestinians-war-news-ba90f0de3d4f64a1762d1a39f787817f ↩︎
  7. https://palestine.un.org/en/290621-nine-out-10-gazans-unable-access-safe-drinking-water-unicef ↩︎
  8. https://www.mogaza.org/news/ghz-to-gh-k-rth-ns-ny-sh-ml-bsbb-ktaa-lkhrb-o-ghl-k-lmaa-br/15105 ↩︎
  9. https://x.com/munigaza/status/1901182052449345765 ↩︎
  10. https://linksshortcut.com/gUwef ↩︎

2 Comments

  1. […] World Water Day on Saturday, the Palestinian Centre for Human Rights (PCHR) warned Israel’s actions threaten the lives of the 2.3 million Palestinians in Gaza amid an ongoing […]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *