مقدمة
أقرت لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين الماضي، الموافق 3 نوفمبر 2025، مشروع قانون يقضي بتطبيق عقوبة الإعدام على فلسطينيين. يقضي مشروع القانون، حال صدوره، بالحكم بالإعدام على أي شخص يقتل إسرائيلي على خلفية قومية. وكان مقرراً أن تقر الكنيست مشروع القانون بالقراءة الأولى خلال هذا الأسبوع، غير أن وسائل إعلام إسرائيلية أفادت بتأجيل النظر في المشروع ضمن حزمة من مشاريع القانون تم تأجيلها على خلفية أمور حزبية في الكنيست.
المناقشات الجارية حول هذا التشريع، سواء في وسائل الإعلام أو في بعض الأوساط الحقوقية، تعطي صورة خادعة ومضللة، إذ تظهر إسرائيل كدولة في عداد الدول التي لا تطبق عقوبة الإعدام، وأنها كانت قد ألغت هذه العقوبة وتتجه لإعادة العمل بها ضد معتقلين فلسطينيين. تهدف هذه الورقة إلى توضيح الحقائق حول عقوبة الإعدام في إسرائيل، حيث لم تتوقف فعلياً عن تنفيذ تلك العقوبة ضد الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة على مدى عقود.
1- دولة إسرائيل لا تعد واحدة من أعضاء نادي الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، وهي لم تنضم للبروتوكول الإضافي الثاني للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966الصادر في ديسمبر 1989 والذي يلزم الدول الموقعة بإلغاء عقوبة الإعدام. وبالتالي تعد إسرائيل من الدول التي تنص تشريعاتها على عقوبة الإعدام.
2- منذ تأسيسها عام 1948، ورثت إسرائيل قوانين الانتداب البريطاني على فلسطين والتي تشمل عقوبة الإعدام، بما في ذلك قانون الطوارئ لعام 1945، الذي يشكل خلاصة التجربة الاستعمارية في قمع واضطهاد الشعوب التي خضعت للاستعمار. وفي العام 1954، ألغت إسرائيل تنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم القتل الجنائية المدنية، لكنها أبقت على هذه العقوبة في جرائم قتل تتعلق بملاحقة النازيين وجرائم الإبادة وجريمة الخيانة. وفي العام 1962، تم اعدام أدولف آيخمان شنقاً، بعد ادانته بجريمة الإبادة وجرائم ضد الإنسانية.
3- أخطر ما في مسودة التشريع الجديد أنه يسري بأثر رجعي، وهو أمر غير معهود في أية عملية تشريعية، خاصة في القوانين الجزائية، حيث تسري بأثر مباشر بعد إصدارها ونشرها. ومن الجلي أن هذا المشروع قد تتم صياغته، وفقاً لأقطاب الحكومة الإسرائيلية، بمن فيهم وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير لتشريع الإقدام على تنفيذ عمليات اعدام جماعية قد تطال مئات المعتقلين الفلسطينيين من عناصر النخبة في كتائب القسام الذين تم اعتقالهم في السابع من أكتوبر2023 أو بعد ذلك. وبالتالي فإن جوهر ما يهدف له التشريع المقترح هو الاستجابة لدواع الانتقام أو الثأر وليس عملية ردع أو منع مستقبلية.
4- إن عدم إصدار حكم اعدام عن أية محكمة إسرائيلية أو تنفيذ عقوبة إعدام صادرة عن القضاء ضد فلسطينيين، لم يكن لدواعي التزام أخلاقي أو قانوني أو احترام الكرامة الإنسانية، انما لأسباب أمنية، من ناحية، للحصول على معلومات من المعتقلين في فترات لاحقة، ومن ناحية ثانية للإمعان في إخضاع المعتقلين الفلسطينيين لظروف غير إنسانية تشكل في مجملها موتاً بطيئاً لهؤلاء المعتقلين.
5- مارست قوات الاحتلال الإسرائيلي وما تزال آلاف جرائم الإعدام ضد فلسطينيين خارج إطار القانون بوسائل متعددة، لعل أبرزها:
خلاصــة
تقدم دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها كأحد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، على الأقل في جرائم القتل العادية، لكنها من ناحية لم تلغ هذه العقوبة غير الإنسانية بشكل مطلق قانونياً، وتمارس من الناحية الفعلية تنفيذ اعدامات خارج إطار القانون بطرق متعددة. إن تشريع قانون جديد بتطبيق عقوبة الإعدام وبشكل حصري ضد فلسطينيين، يشكل حلقة جديدة من حلقات القمع ويتوج انتهاكات واسعة النطاق ضد الفلسطينيين، بما في ذلك اقتراف مئات الاعدامات خارج نطاق القانون. وسوف يسري هذا القانون على الفلسطينيين فقط، ليكشف جانب آخر للنظام التمييز العنصري في إسرائيل، حيث لن يشمل تنفيذ عقوبة الإعدام بحق إسرائيلي يقتل فلسطيني.