نوفمبر 6, 2025
ورقة موقف: مشروع القانون الإسرائيلي بفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين
مشاركة
ورقة موقف: مشروع القانون الإسرائيلي بفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين

مقدمة

أقرت لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين الماضي، الموافق 3 نوفمبر 2025، مشروع قانون يقضي بتطبيق عقوبة الإعدام على فلسطينيين.  يقضي مشروع القانون، حال صدوره، بالحكم بالإعدام على أي شخص يقتل إسرائيلي على خلفية قومية. وكان مقرراً أن تقر الكنيست مشروع القانون بالقراءة الأولى خلال هذا الأسبوع، غير أن وسائل إعلام إسرائيلية أفادت بتأجيل النظر في المشروع ضمن حزمة من مشاريع القانون تم تأجيلها على خلفية أمور حزبية في الكنيست.

المناقشات الجارية حول هذا التشريع، سواء في وسائل الإعلام أو في بعض الأوساط الحقوقية، تعطي صورة خادعة ومضللة، إذ تظهر إسرائيل كدولة في عداد الدول التي لا تطبق عقوبة الإعدام، وأنها كانت قد ألغت هذه العقوبة وتتجه لإعادة العمل بها ضد معتقلين فلسطينيين.  تهدف هذه الورقة إلى توضيح الحقائق حول عقوبة الإعدام في إسرائيل، حيث لم تتوقف فعلياً عن تنفيذ تلك العقوبة ضد الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة على مدى عقود.

1- دولة إسرائيل لا تعد واحدة من أعضاء نادي الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، وهي لم تنضم للبروتوكول الإضافي الثاني للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966الصادر في ديسمبر 1989 والذي يلزم الدول الموقعة بإلغاء عقوبة الإعدام.  وبالتالي تعد إسرائيل من الدول التي تنص تشريعاتها على عقوبة الإعدام.

2- منذ تأسيسها عام 1948، ورثت إسرائيل قوانين الانتداب البريطاني على فلسطين والتي تشمل عقوبة الإعدام، بما في ذلك قانون الطوارئ لعام 1945، الذي يشكل خلاصة التجربة الاستعمارية في قمع واضطهاد الشعوب التي خضعت للاستعمار.  وفي العام 1954، ألغت إسرائيل تنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم القتل الجنائية المدنية، لكنها أبقت على هذه العقوبة في جرائم قتل تتعلق بملاحقة النازيين وجرائم الإبادة وجريمة الخيانة.  وفي العام 1962، تم اعدام أدولف آيخمان شنقاً، بعد ادانته بجريمة الإبادة وجرائم ضد الإنسانية.

3- أخطر ما في مسودة التشريع الجديد أنه يسري بأثر رجعي، وهو أمر غير معهود في أية عملية تشريعية، خاصة في القوانين الجزائية، حيث تسري بأثر مباشر بعد إصدارها ونشرها.  ومن الجلي أن هذا المشروع قد تتم صياغته، وفقاً لأقطاب الحكومة الإسرائيلية، بمن فيهم وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير لتشريع الإقدام على تنفيذ عمليات اعدام جماعية قد تطال مئات المعتقلين الفلسطينيين من عناصر النخبة في كتائب القسام الذين تم اعتقالهم في السابع من أكتوبر2023 أو بعد ذلك.  وبالتالي فإن جوهر ما يهدف له التشريع المقترح هو الاستجابة لدواع الانتقام أو الثأر وليس عملية ردع أو منع مستقبلية.

4- إن عدم إصدار حكم اعدام عن أية محكمة إسرائيلية أو تنفيذ عقوبة إعدام صادرة عن القضاء ضد فلسطينيين، لم يكن لدواعي التزام أخلاقي أو قانوني أو احترام الكرامة الإنسانية، انما لأسباب أمنية، من ناحية، للحصول على معلومات من المعتقلين في فترات لاحقة، ومن ناحية ثانية للإمعان في إخضاع المعتقلين الفلسطينيين لظروف غير إنسانية تشكل في مجملها موتاً بطيئاً لهؤلاء المعتقلين.

5- مارست قوات الاحتلال الإسرائيلي وما تزال آلاف جرائم الإعدام ضد فلسطينيين خارج إطار القانون بوسائل متعددة، لعل أبرزها:

  • الاغتيالات: تعتبر الاغتيالات، أو كما تسميها إسرائيل “القتل المستهدف”، سياسة رسمية إسرائيلية معلنة تجاه الفلسطينيين. بموجب هذه السياسة يتم استهداف وقتل فلسطينيين، وفقاً لمعلومات تجمعها أجهزة الأمن الإسرائيلية.  وبالتالي تنصب قوات الاحتلال نفسها مدعياً وقاضياً في آن، وهي من تقرر وتنفذ جرائم الاغتيال غير القانونية بحق الفلسطينيين.  وأثناء تنفيذ مثل هذه الجرائم، لا تكترث قوات الاحتلال بقتل أشخاص آخرين غير مستهدفين.  ووفقاً لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، نفذت قوات الاحتلال مئات جرائم الاغتيال على مدى عقود، وكانت الأغلبية العظمى من ضحايا تلك الجرائم من المدنيين العزل غير المستهدفين، بمن فيهم أطفال ونساء، صادف وجودهم في مكان التنفيذ.
  • عمليات القنص: وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مئات الحالات التي أطلق فيها قناصة مدربون في قوات الاحتلال النار ضد مدنيين فلسطينيين مما أدى إلى مقتلهم على الفور.  وخلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وثق المركز عشرات الحالات التي أطلق فيها قناصة إسرائيليون النار على مدنيين فلسطينيين عزل، سواء خلال عمليات الإخلاء القسري لمعظم سكان قطاع غزة، أو خلال محاولة المدنيين الفلسطينيين الوصول إلى المساعدات الإنسانية أو غير ذلك من الظروف.  وخلال مسيرات العودة الكبرى (2018)، وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عشرات الحالات التي أطلق فيها قناصة إسرائيليون يتحصنون في أبراج عسكرية النار على المشاركين في المسيرات السلمية على امتداد السياج الحدودي مع قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات المتظاهرين.
  • إطلاق النار على الحواجز العسكرية: وثق المركز عشرات حالات إطلاق النار تجاه مدنيين فلسطينيين وقتلهم على الحواجز العسكرية الإسرائيلية، خاصة في الضفة الغربية، حيث تقيم تلك القوات مئات الحواجز العسكرية بين المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.  وتعكس هذه الجرائم تعليمات إطلاق نار متساهلة بحق الفلسطينيين، تتيح لأي جندي ممارسة قتل فلسطيني بدم بارد.
  • إطلاق النار على المشاركين في احتجاجات سلمية في الضفة الغربية: بحكم وجود تعليمات إطلاق نار متساهلة، يقتل مئات الفلسطينيين الذين يشاركون في احتجاجات سلمية اثناء اجتياحات قوات الاحتلال لعمق المناطق السكنية الخاضعة لولاية السلطة الوطنية الفلسطينية، أو خلال تنظيم فعاليات احتجاجية مناهضة للاستيطان ومصادرة الأراضي.  وقد وثق المركز مئات حالات القتل، في ظروف لم يشكل فيها المحتجون أي خطر على حياة أفراد قوات الاحتلال.
  • قتل المعتقلين: الموت البطيء هو قدر حتمي لكثير من المعتقلين الفلسطينيين في السجون ومراكز التوقيف التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي بسبب التردي المنهجي في الظروف المعيشية غير الإنسانية.  وقد قتل عشرات المعتقلين الفلسطينيين جراء الإهمال الطبي المتعمد وسوء المعاملة الطبية.  وأدى الاستخدام الوحشي لأساليب التعذيب إلى مقتل عشرات المعتقلين الفلسطينيين.  ومنذ السابع من أكتوبر 2023، ووفقاً لإفادات مئات المعتقلين المفرج عنهم، يتفشى التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية على نطاق واسع.  ولا يعرف على نحو يقيني عدد المعتقلين الذين قضوا جراء تعرضهم للتعذيب، ولكن وفقاً لتوثيق منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية فقد قتل أكثر من 50 معتقلاً، فيما تعرض مئات للاختفاء القسري ويخشى أن يكونوا قد تعرضوا للإعدام خارج القانون أثناء اعتقالهم.

خلاصــة

تقدم دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها كأحد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، على الأقل في جرائم القتل العادية، لكنها من ناحية لم تلغ هذه العقوبة غير الإنسانية بشكل مطلق قانونياً، وتمارس من الناحية الفعلية تنفيذ اعدامات خارج إطار القانون بطرق متعددة.  إن تشريع قانون جديد بتطبيق عقوبة الإعدام وبشكل حصري ضد فلسطينيين، يشكل حلقة جديدة من حلقات القمع ويتوج انتهاكات واسعة النطاق ضد الفلسطينيين، بما في ذلك اقتراف مئات الاعدامات خارج نطاق القانون.  وسوف يسري هذا القانون على الفلسطينيين فقط، ليكشف جانب آخر للنظام التمييز العنصري في إسرائيل، حيث لن يشمل تنفيذ عقوبة الإعدام بحق إسرائيلي يقتل فلسطيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *