مقدمـــة
تشكل عقوبة الإعدام واحدة من أبرز القضايا التي تحظى باهتمام نشطاء حقوق الإنسان، والمؤسسات الدولية العاملة في الميدان
الحقوقي والقانوني. ولا تمثل عقوبة الإعدام انتهاكاً لأهم حق من حقوق الإنسان، والركيزة الأساسية للحقوق الأخرى، بل تشكل أيضاً أقصى درجات التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية. وعليه، قيّدت المادة (3) من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”،[1] استخدام هذه العقوبة، وأكدت على حق كل فرد “…في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”. ويشمل هذا الحق، كما تؤكد المادة (5) من الإعلان نفسه، عدم إخضاع الفرد للتعذيب، والمعاملة القاسية والحاطة بالكرامة الإنسانية، بما في ذلك من عدم تطبيق عقوبة الإعدام.
وقد سٌنت العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية والإقليمية[2]التي أكدت على ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشأن الحق في الحياة، وطالبت-بصراحة- بعدم تطبيق عقوبة الإعدام إلا في حالات استثنائية، ووفق شروط ومعايير محددة. في هذا السياق، أكدتالمادة (6، فقرة “1”) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[3] علىالحق في الحياة كـ “…حق ملازم لكل إنسان…ولا يجوز حرمان أحد من حياتهتعسفا.” وحددت الفقرة الثانية منالمادة نفسها الحالات والمعايير والشروط التي يسمح فيها بتطبيق عقوبة الإعدام، حيث أكدت على أنه “لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمةوغير المخالف لأحكام هذا العهد…ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائيصادر عن محكمة مختصة”. وعلى الرغم منسماح هذه الفقرة بتطبيق عقوبة الإعدام وفق شروط محددة جداً، إلا أن الفقرة (5) من المادة نفسها حرمت تطبيق هذه العقوبة علىالأطفال والنساء الحوامل، حتى في ظل تلك الشروط المحددة. فقد أكدت تلك الفقرة على عدم جواز الحكم”…بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشر، ولا تنفيذ هذهالعقوبة بالحوامل”. وجاءت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبةالقاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، في ديسمبر 1984، لتؤكد على حق الفردبالتمتع بالمعاملة الإنسانية غير الحاطة بالكرامة وبعدم تعرضه لأي من أشكالالتعذيب أو المعاملة القاسية والمهينة. فعقوبة الإعدام تشكل أقصى درجات المعاملة القاسية المهينة والحاطة بالكرامة الإنسانية.
[1] اعتمد
ونشر على الملأ بقرار الجمعية العامة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول
(ديسمبر) 1948.
[2] شملت
تلك المعاهدات والاتفاقيات الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، والميثاق الأمريكي
لحقوق الإنسان.
[3] اعتمد
وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2200 (ألف) المؤرخ في كانون
الأول (ديسمبر 1966).