أبريل 13, 2024
هكذا أصابوني وقتلوا زميلي المسعف رغم التنسيق المسبق لتحركنا
مشاركة
هكذا أصابوني وقتلوا زميلي المسعف رغم التنسيق المسبق لتحركنا

صالح محمود حسين معمر، 41 عاماً، أسكن في حي الجنينة في مدينة رفح، متزوج وأب لخمسة أطفال، وأعمل ضابط إسعاف (مسعف وسائق) في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

تاريخ الإفادة: 28/2/2024

يوم الأربعاء الموافق7/2/2024، كنت في مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في حي خربة العدس، في مدينة رفح من أجل التوجه إلى مدينة غزة ضمن قافلة مكونة من 6 مركبات، منها 5 مركبات إسعاف وحافلة نقل ركاب عليها نفس إشارات مركبات الإسعاف، تتبع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. كنا نتجه لنقل مصابين ومرضى ومرافقيهم من مستشفيي الشفاء والأهلي العربي (المعمداني) في مدينة غزة إلى مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس، بموافقة من قوات الاحتلال الإسرائيلي ضمن تنسيق قامت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة.

في حوالي الساعة 06:30 صباح ذلك اليوم تحركت مع زملائي في 3 مركبات إسعاف وحافلة نقل الركاب وهم: هيثم ضهير، مسعف، وأنا سائق في مركبة إسعاف، وموسى عبيد وأحمد عقل قاد كل منهما مركبة إسعاف، وباسم ضهير قاد الحافلة.  انطلقنا من مقر الجمعية في حي خربة العدس في مدينة رفح تجاه النقطة الطبية الميدانية التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس. وانتظرنا هناك حتى الساعة 03:30 مساءً حيث وصل الضوء الأخضر لتحرك القافلة عن طريق التواصل بين منسق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أسامة الكحلوت من جهة ومنسقين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتغير ترتيب المسعفين في المركبات قبل تحركنا كالتالي: هيثم ضهير، مسعف، وأنا سائق، وإبراهيم وافي وبيبرس أبو الخير في مركبة إسعاف واحدة، وموسى عبيد ونعيم أبو عامر في مركبة إسعاف، وحسن العتال ومحمود مقداد في مركبة إسعاف، وباسم ضهير قاد الحافلة. وانضم إلى القافلة مركبتا إسعاف كانتا تنتظران أمام محطة المصدر للوقود في شارع الرشيد(البحر) غرب مدينة دير البلح، وكان يقودهما كل من رمضان حوسو ومحمد عبد الله العمري، 60 عاماً. ثم تغير ترتيب المسعفين في المركبات مرة أخرى كالآتي:هيثم ضهير، مسعف وأنا سائق في مركبة إسعاف رقمها 175، وموسى عبيد في مركبة إسعاف، ونعيم أبو عامر في مركبة إسعاف، و إبراهيم وافي وهو قائد القافلة وبيبرس أبو الخير في مركبة إسعاف، ورمضان حوسو ومحمد العمري في مركبة إسعاف، وباسم ضهير قاد الحافلة. وفي حوالي الساعة 03:45 مساءً وصلت القافلة إلى مفترق البيدر على شارع الرشيد (البحر) جنوب مدينة غزة حيث تتمركز قوات الاحتلال الإسرائيلي وقامت بقطع الشارع بقاطع متحرك من الحديد وأقامت حاجزاً للتفتيش. وطلب جنود الاحتلال من طواقم مركبات الإسعاف بالترتيب النزول من مركبات الإسعاف وفتح أبوابها والوقوف أمامها ثم تقول اسمك ورقم هويتك بصوت مرتفع ثم تصعد للمركبة وتعبر الحاجز، واستغرقت تلك الإجراءات حوالي نصف ساعة.

بعد انتهاء التفتيش سرنا باتجاه المستشفى الأهلي العربي (المعمداني). وعندما وصلنا إلى ميدان الكويت في شارع صلاح الدين في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، شاهدنا آلاف المواطنين الذين ينتظرون وصول المساعدات الإغاثية من جنوب القطاع وتبين لنا إصابة حوالي 20 منهم جراء إطلاق النار من جنود الاحتلال تجاههم قبيل وصولنا وكان اثنان من المصابين حالتهما حرجة بسبب قطع في شريان الفخذ والنزف الشديد. وبعد تشخيص حالات المصابين نقلنا في سيارتي إسعاف المصابين الاثنين بقطع في الشريان فقط وبقية المصابين حالتهم متوسطة إلى طفيفة تم نقلهم من المواطنين، وتوجهنا بعد ذلك إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) ووصلناه في حوالي الساعة الخامسة مساءً.

نقلنا ما بين 50 إلى 60 مصابا ومريضا ومرافقيهم في مركبات الإسعاف والحافلة من المستشفى الأهلي العربي (المعمداني). وفي حوالي الساعة 06:00 مساءً، تحركت القافلة نحو مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة لنقل مزيد من المصابين والمرضى. ومن خلال الاتصال بين ضابط الإسعاف إبراهيم وافي قائد قافلة الإسعاف مع منسق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أسامة الكحلوت قال الأخير له بأنه سيتم تمديد عدد ساعات التنسيق والتواجد في مدينة غزة حتى الساعة 12:00 بعد منتصف الليل بعد موافقة قوات الاحتلال على ذلك وبتنسيق عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر بسبب التأخر في الوصول إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) ونقل المصابين من ميدان الكويت جنوب مدينة غزة.

وكان خط سير القافلة بناءً على تعليمات قوات الاحتلال الاسرائيلي كالتالي: السير من المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) تجاه شارع فهمي بيك في ميدان فلسطين، ثم إلى شارع السدرة، ثم إلى شارع الصحابة، ثم إلى شارع اليرموك، ثم إلى شارع النصر، ثم إلى شارع الوحدة، ثم إلى مستشفى الشفاء. كانت الشوارع خالية من المارة، والتدمير في المنازل والمحلات كبير جداً. وكانت مركبة قائد القافلة إبراهيم وافي ومعه بيبرس أبو الخير في المقدمة وأنا وهيثم ضهير خلفهما وكانت سرعة المركبات بطيئة نوعاً ما وتقدر بحوالي 30 كم في الساعة. وبمجرد وصول مركبة قائد القافلة إبراهيم وافي ومعه بيبرس أبو الخير إلى تقاطع شارعي النصر والوحدة، وعندما أصبح مخبز العائلات في شارع النصر على يساري، سمعت صوت إطلاق نار متقطع فأوقفت مركبتي، ثم تراجعت مركبة قائد القافلة إبراهيم وافي ومعه بيبرس أبو الخير إلى الخلف وأصبحت بجواري. واستطعت تحديد مصدر إطلاق النار وكان من قناصة من فوق عمارتين سكنيتين مرتفعتين بعد تقاطع شارعي الوحدة مع النصر شرق وغرب شارع النصر بعد التقاطع وأنت متجه نحو الجنوب. وبسبب ذلك طلبت من زميلي المسعف هيثم ضهير النزول تحت طبلون مقدمة المركبة ومن المرضى والمصابين ومنهم 3 أطفال الاستلقاء في المركبة من الخلف. ثم بدأت بتوجيه المركبة نحو الشرق باتجاه مخبز العائلات للابتعاد عن مرمى نيران القناصة الذين استمروا في إطلاق النار وكانت الأعيرة النارية تصيب مركبات الإسعاف والتي قام سائقوها بالتراجع إلى الخلف. وعندما اقتربت من الرصيف أمام مخبز العائلات سمعت صوت تكسير في الزجاج الأمامي لمركبتي وشعرت بخذلان في الجسم وتشنج في يدي اليمنى كما شعرت بألم في عيني اليسرى ورأسي. أوقفت المركبة ونزلت منها وركضت نحو جهة الشمال في شارع النصر متجاوزاً مركبات الإسعاف التي كانت تتراجع أيضاً إلى الخلف، وكان إطلاق النار مستمراً خلفي وأنا أركض حتى وصلت إلى المركبة التي يقودها ضابط الإسعاف محمد عبد الله العمري وبجواره المسعف رمضان حوسو ووقفت أمام المركبة وخلف المقود أمامي مباشرة ضابط الإسعاف محمد عبد الله العمري. ثم طلبت من زميلي المسعف رمضان حوسو أن يفتح لي الباب الجانبي الأيمن للمركبة. وبمجرد توجهي نحو الباب الأيمن للصعود في المركبة سمعت صوت عيارين ناريين. وبعد صعودي إلى داخل المركبة شاهدت رأس ضابط الإسعاف محمد عبد الله العمري، 60 عاماً، مفتوحة من الخلف والدماء تنزف منها بغزارة ويده اليمنى مرتخية. كما شاهدت آثار عيار ناري اخترق زجاج المركبة الأمامي، ولاحظت أيضاً أنني أنزف من صدري، ثم شعرت بدوار ولم أعد أسمع صوت إطلاق نار ولم أشاهد ضابط الإسعاف رمضان حوسو الذي كان يجلس بجوار ضابط الإسعاف والسائق محمد عبد الله العمري، ويبدو أنه نزل من المركبة بعد إصابتها بالأعيرة النارية.

وكان في مركبة الإسعاف من الخلف 5 أطفال مصابين ومعهم مرافقتين والممرض أحمد الخضري والذي أعطاني حقيبة الإسعاف لوضع شاش وضمادات على النزيف. ثم طلبت من الممرض أحمد الخضري أن يستلقي على الأرض ويضع يده على قدم ضابط الإسعاف محمد عبد الله العمري الموجودة على دواسة البنزين وأن يقوم بسحب قير المركبة درجتين ويحرك المقود إلى اليمين، ومع الضغط على دواسة البنزين تحركت المركبة ورجعت إلى الخلف حتى وصلت إلى مكان توقف بقية المركبات واصطدمت بإحداها ثم توقفت. وركض نحوي زملائي وأنزلوني من المركبة ووضعوني في مركبة إبراهيم وافي وبيبرس أبو الخير، ثم أعطوني محاليل طبية وبلازما وضغطوا على جرحي أعلى الصدر لوقف النزيف، ثم قام زملائي بنقل زميلنا محمد عبد الله العمري، 60 عاماً، في مركبة أخرى وكان قد استشهد وفارق الحياة.

وفي هذه الأثناء كانت الساعة تقريباً 07:00 مساءً، وكانت مركبتي وبداخلها زميلي هيثم ضهير والمصابون والمرضى والمرافقون لا تزال متوقفة مكانها بجوار مخبز العائلات. وتواصلنا مع زميلنا هيثم ضهير عبر الاتصال الداخلي اللاسلكي الموجود في مركبات الإسعاف وطلبنا منه أن يقود المركبة إلى الخلف ولكنه كان خائفا ومنبطحا أسفل طبلون السيارة تحسباً لإطلاق النار تجاهه. وخلال هذا الوقت تلقى إبراهيم وافي قائد القافلة اتصالاً على جواله من شخص قال إنه من الارتباط العسكري في الضفة الغربية وأخبر إبراهيم وافي أن بإمكان هيثم ضهير الجلوس على كرسي السائق والخروج بالمركبة من المكان والتوجه نحو مركبات الإسعاف الأخرى ولكن هيثم ضهير رفض ذلك، وتكرر الاتصال بين إبراهيم وافي قائد القافلة وضابط الارتباط العسكري، وسمع هيثم ضهير المكالمة عبر الاتصال الداخلي بين مركبات الإسعاف وطمأنه ضابط الارتباط الفلسطيني خلال المكالمة وقال له إن بإمكانه تحريك المركبة إلى الخلف وأكد له أن جنود الاحتلال لن يطلقوا النار تجاهه. ووافق هيثم ضهير على قيادة المركبة إلى الخلف وهو منبطح على أرضية المركبة بين كرسيي المقدمة وساعده زملاؤه المسعفون على توجيه المركبة من خلال الاتصال الداخلي بين مركبات الإسعاف. وتمكن هيثم ضهير من الوصول بالمركبة إلى مكان توقف بقية مركبات الإسعاف وكانت الساعة تقريباً 07:20 مساءً، وانتظرنا في المكان حتى الساعة 07:45 مساءً، إلى أن وصل لنا الضوء الأخضر من قوات الاحتلال الإسرائيلي بالتحرك نحو مستشفى الشفاء ووصلناها بعد تحركنا في غضون دقائق معدودة عن طريق جهة التنسيق المتمثلة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتبين لنا أن مستشفى الشفاء قد فقدت معظم كوادرها من أطباء وممرضين وعاملين آخرين، وأصبحت مثل عيادة أو مركز صحي صغير. وقد شاهدت فيها د. ماهر بسيسو وهو جراح عظام وبسبب عدم توفر الكهرباء توقف قسم الأشعة وقسم العمليات عن العمل (الكهرباء المتوفرة من الخلايا الشمسية). وانتظرت حتى الساعة 09:00 من صباح اليوم التالي (الخميس/8/2/2024)، ونقلت إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) لإجراء صور أشعة، وعدت بعدها إلى مستشفى الشفاء. وقام زملائي باستكمال نقل المصابين والمرضى والمرافقين إلى مركبات القافلة وأصبح عددهم الإجمالي ما بين 102 إلى 112 من مستشفيي الشفاء والأهلي العربي (المعمداني). ثم تحركت القافلة نحو جنوب وادي غزة ونقل جثمان الزميل المسعف الشهيد محمد عبد الله العمري، 60 عاماً، إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، والذي لم يتبق سوى شهرين على تقاعده عن العمل في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بعد بلوغه السن القانوني للتقاعد. وواصلت القافلة سيرها باتجاه جنوب القطاع ووصلت في ساعات بعد الظهر إلى المستشفى الميداني التابع للهيئة الدولية الطبية في حي مصبح في مدينة رفح وتم استقبال عدد من ركاب القافلة من مصابين ومرضى ومرافقين فيها. ثم توجهنا إلى مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس وتم استقبال بقية المصابين والمرضى والمرافقين في أقسامها المختلفة. وأدخلت أنا في قسم الجراحة ومكثت فيها حتى يوم الأربعاء/14/2/2024، وخلال هذه الفترة خضعت لعملية جراحية أجراها د. رمضان عبد الجليل وهو أردني الجنسية، ود. إياد النجار وهو فلسطيني الجنسية. وتم إخراج ما تبقى من عيارين ناريين “متفجرين” وشظاياهما في صدري(الرئتين) واستقرت شظايا أخرى في الحجاب الحاجز والكليتين وفي الرأس والعين اليسرى، كما تبين وجود كسور في عظام الترقوة اليمنى. وبعد خروجي من المستشفى لازلت في بيتي ولا أستطيع الحركة وأعتمد على التنفس بواسطة أنبوبة أكسجين، وأحتاج استكمال علاجي من قبل أطباء الجراحة والعظام والعيون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *