يونيو 10, 2025
من زنزانة الاحتلال إلى خيام النزوح: شهادة امرأة من غزة
مشاركة
من زنزانة الاحتلال إلى خيام النزوح: شهادة امرأة من غزة

تاريخ التحرير: 19/5/2025

مكان تحرير الإفادة: مخيم الازهر

س. س. م.، 35 عامًا، مطلقة، سكان غزة – حي الرمال، ونازحة حالياً في مدينة غزة – مخيم الأزهر.

قبل عام من اندلاع الحرب، رافقت زوجة أخي إلى مدينة نابلس، حيث كانت تتلقى علاجًا طويل الأمد من سرطان العظام في مستشفى النجاح.

في يناير 2024، وأثناء عودتي من منطقة حوارة إلى مكان إقامتنا في نابلس، اعترض مركبتنا حاجزًا لجيش الاحتلال. كان الجنود ينفذون حملة اعتقالات بحق الفلسطينيين القادمين من غزة، وطلبوا بطاقات الهوية من جميع الركاب. بمجرد أن علموا أنني من غزة، جرى اعتقالي على الفور.

نقلوني إلى سجن لم أعرف موقعه، حيث بدأت جلسات التحقيق فورًا، وتعرضت لسيل من الأسئلة. أمضيت ليلتين في زنزانة انفرادية، قبل أن يُنقل بي إلى سجن آخر لا أعرف اسمه أيضًا، حيث خضعت لجولة تحقيق جديدة وبِتُّ فيه ليلة إضافية. في اليوم التالي، سلمتنا الشرطة الإسرائيلية – أنا وسيدتين أخريين – إلى الجيش داخل منشأة تُدعى “عناتوت”. خرجنا من السجن في ساعات الفجر، ووصلنا إلى المنشأة قرابة الظهر.

حين أنزلونا من الحافلة الزرقاء، كنت لا أزال برفقة السيدتين. ومنذ اللحظة الأولى لتسليمنا إلى الجيش، قام الجنود بتغطية أعيننا وتكبيل أيدينا وأرجلنا. كنت قد لمحت قبل تغطية عيني أن المكان شديد الاتساع، ومحاط بالأسلاك الشائكة.

منذ اللحظة الأولى لاستلامنا من قبل الجنود، بدأوا بتوجيه شتائم نابية ومهينة لنا، صرخ أحدهم في وجهي: “أنتِ حماس، أنتِ وسخة، شرموطة”، ثم انهالوا علينا بالضرب باستخدام أسلحتهم. تلقيت عدة ضربات على ظهري، وإحدى الضربات كانت قوية في صدري، تسببت لي بألم شديد استمر لفترة طويلة واحتاج إلى علاج لاحقًا.

كنا جاثيات على ركبنا، وأيدينا وأرجلنا مكبلة، نبكي ونتوسل، لكن كلما زادت أصواتنا، ازدادت وتيرة الضرب أكثر. كانت معنا سيدة حامل تعرضت للضرب أيضًا، وأدى ذلك لاحقًا إلى فقدانها جنينها نتيجة لما تعرضت له من عنف مباشر.

أحد الجنود كان يهددنا بكلمات نابية لا يمكنني تكرارها، وكان صوته يعلو بشكل مخيف. أطلق تهديدات مباشرة بالاعتداء على شرفنا، متوعدًا بإيذائنا جنسيًا واغتصابنا. بعض الجنود من حوله حاولوا منعه، لكن الخوف الذي شعرت به حينها لا يمكن وصفه.

بقينا على هذا الحال – مقيّدات، معصوبات الأعين، جاثيات على ركبنا فوق الحجارة – لساعتين أو ثلاث، نتعرض خلالها للضرب والإهانة دون توقف.

لاحقًا، اقتادتنا مجندات إلى مكان آخر داخل المعتقل لتفتيشنا. نُزعت الأغطية عن أعيننا، وطُلب منا خلع جميع ملابسنا، حيث تم تفتيشها بدقة. ثم نُقلنا إلى مساحة أخرى داخل المعتقل، لا تزيد عن 200 متر، محاطة بالأسلاك الشائكة وسقفها من الزينقو المهترئ. كان الطقس ماطرًا وباردًا جدًا، ولا تتوفر أية وسيلة للتدفئة. لم يكن هناك سوى أسِرّة حديدية مكشوفة في منتصف الساحة، كنا نتجمد من شدة البرد. طلبنا بطانيات، فزودونا ببطانيات لا تقي من المطر ولا تحبس الدفء، وطلبنا ملابس إضافية، فأعطونا ثلاث جاكيتات فقط، لكن الظروف كانت قاسية وغير صالحة للعيش، والمطر كان يتسرب علينا باستمرار.

أما الطعام، فكان يصلنا بكميات ضئيلة وفي أوقات محددة. غالبًا ما كان يقتصر على علبة حمص بطعم لا يُحتمل، أو قليل من اللبنة مع حبة بندورة. كان الجنود يضعون الطعام من خلال فتحة صغيرة أسفل الباب الثالث، دون أن يدخل أحد إلينا، ثم ينادوننا لأخذه. كانت تفصل بيننا وبينهم ثلاثة أبواب حديدية مغلقة بإحكام.

الظروف المعيشية كانت غير آدمية على الإطلاق. المكان لم يكن يصلح حتى لإيواء الحيوانات. في الليل، كنا بالكاد نستطيع النوم بسبب البرد القارس، وإن غفونا قليلًا، كان الجنود يوقظوننا بعنف، عبر الطرق الشديد على الأبواب، ويأمروننا بالخضوع للتفتيش.

في اليومين الأخيرين من الاعتقال، أحضروا سيدة مسنّة لتُحتجز معنا، وظلت تجلس معنا في نفس الظروف القاسية دون أي اعتبار لعمرها أو صحتها.

بعد عشرة أيام من الاعتقال، التي كانت مزيجًا من التعذيب النفسي والجسدي والإهانة، قام الجيش بتغطية أعيننا، وربط أيدينا، وتقييد أرجل كل اثنتين منا معًا باستخدام قيود حديدية. ثم وضعونا في حافلة تمهيدًا لترحيلنا إلى غزة.

عند وصولنا إلى معبر كرم أبو سالم، كان هناك طاقم من الصليب الأحمر في استقبالنا. قدموا لنا 300 شيكل، ووجبة غداء، وبطانيات، وعلب بسكويت، كما أجروا معنا مقابلة لتوثيق ما تعرضنا له من انتهاكات خلال فترة الاحتجاز.

بعد الإفراج عني، توجهت إلى رفح، حيث كان أولادي يقيمون مع شقيقي في مدرسة ابن سينا بمنطقة الشابورة. عدت إلى غزة بعد انتهاء آخر هدنة، لكن عودتي تأخرت عشرين يومًا بسبب الأوضاع الأمنية والظروف الصعبة. اضطررت حينها إلى بيع جهاز الحاسوب المحمول الخاص بابني لأتمكن من العودة.

اليوم، أعيش مع أطفالي في خيمة، وسط ظروف إنسانية قاسية. نعاني من نقص شديد في الغذاء، وانعدام تام للخصوصية. لا يستطيع أولادي مواصلة تعليمهم في ظل هذه الأوضاع المزرية، مما يزيد من شعوري بالحزن والعجز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *