يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات جريمة قتل ثلاثة مدنيين فلسطينيين، وإصابة آخرين بجراح متفاوتة، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال حمايتها لمليشيات مستوطنين اقتحمت بلدة كفر مالك شرق رام الله، ونفذت اعتداءات ممنهجة شملت إطلاق النار وإحراق الممتلكات المدنية.
ويأتي هذا الاعتداء ضمن سلسلة متصاعدة من جرائم العنف التي ترتكبها المليشيات الاستيطانية المسلحة، بدعم وتواطؤ من قوات الاحتلال، وفي ظل حماية ورعاية مباشرة من أعلى المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل. وقد سجل المركز في الأيام الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في تلك الهجمات، التي ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بموجب القانون الدولي الإنساني.
تفاصيل الجريمة
عند حوالي الساعة 19:30 من مساء الخميس الموافق 26 يونيو 2025، وصلت عدة مركبات للمستوطنين من نوع “تندر” عبر الشارع الالتفافي رقم 449، الرابط بين شارع “ألون” الاستيطاني ومعسكر “تل العاصور”، إلى المنطقة الجنوبية من بلدة كفر مالك، شرقي محافظة رام الله. ترجّل منها عدد من المستوطنين وشرعوا فورًا في تنفيذ اعتداءات على ممتلكات المواطنين، شملت إحراق أربع مركبات ومنزلين باستخدام مواد مشتعلة.
جاء هذا الاعتداء بعد دقائق من خروج أهالي البلدة من بيت عزاء الطفل عمار معتز مصطفى حمايل (14 عامًا)، الذي قتل برصاص قوات الاحتلال في المنطقة ذاتها بتاريخ 23 يونيو 2025. وبمجرد تجمع الأهالي لمحاولة صدّ هجوم المستوطنين والدفاع عن ممتلكاتهم، بدأ المستوطنون بإطلاق النار عشوائيًا. وبعد نحو خمس دقائق، تدخلت قوات الاحتلال، برفقة دوريات حرس الحدود الخاصة، ووصلت إلى المكان عبر آليات عسكرية، وبدأت بإطلاق النار الحي بشكل مباشر تجاه المواطنين الفلسطينيين، دون أي محاولة لردع اعتداءات المستوطنين.
ووفق شهادات متقاطعة جمعها طاقم المركز، اعتلى جنود الاحتلال أسطح عدد من المنازل، من بينها منازل تعرّضت لمحاولة إحراق من المستوطنين، وفتحوا منها نيران أسلحتهم على المواطنين. أسفر ذلك عن إصابة 10 مدنيين، غالبيتهم إصابات حرجة في منطقتي الرأس والصدر. ونظرًا لصعوبة وصول سيارات الإسعاف إلى موقع الاعتداء في البداية، نُقل المصابون بمركبات خاصة إلى وسط البلدة، ومن هناك تولّت ثلاث سيارات إسعاف نقلهم إلى مستشفيات مدينة رام الله.
في وقت لاحق، أعلنت المصادر الطبية وفاة ثلاثة من المصابين، وهم: لطفي صبري بعيرات (20 عامًا) – أصيب بعيار ناري في الصدر، ومرشد نواف حمايل (36 عامًا) – أصيب بعيار ناري في الرأس، ومحمد قاهر الناجي (20 عامًا) – أصيب بعيار ناري في الصدر.
سبق هذا الاعتداء عشرات أعمال العنف التي ارتكبها مستوطنون بحماية قوات الاحتلال خلال الأيام الماضية، من أخطرها إقدام مستوطن على قتل مواطن مسن، في حين أصابت القوات المحتلة شقيقه في 19 يونيو الجاري، شمال بلدة صوريف، شمال غرب الخليل.
ما يجري في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، يمثل سياسة ممنهجة من دولة الاحتلال ومليشيات المستوطنين لفرض وقائع على الأرض عبر الإرهاب الاستيطاني، في انتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة (1949)، التي تحظر نقل السكان المدنيين التابعين لدولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة (المادة 49)، وتحظر العقوبات الجماعية، وتلزم الدولة المحتلة بحماية السكان المدنيين.
كما أن تواطؤ قوات الاحتلال، وتدخلها لمصلحة المستوطنين، وإطلاق النار على المدنيين العزّل الذين يدافعون عن أنفسهم، ويحاولون حماية أطفالهم ونساءهم وممتلكاتهم، يؤكد أن هذه المليشيات التي جرى تسليحها بقرارات معلنة من وزراء في حكومة الاحتلال تعمل كأذرع غير رسمية للدولة، وتتمتع بالحماية القانونية والسياسية، بما يجعل من هذه الجرائم مسؤولية مباشرة تتحملها دولة الاحتلال.
ويذكر المركز بقرار محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024، والذي أكد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، هو غير قانوني، وألزم دولة الاحتلال بإنهاء وجودها غير المشروع فورًا، ووقف جميع الاعتداءات الاستيطانية، بما في ذلك إخلاء المستوطنين من الأراضي المحتلة.
وإزاء هذا التصعيد الخطير في جرائم الاحتلال ومستوطنيه، يدعو المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي، إلى التدخل الفوري والفاعل لوقف جرائم الاحتلال والمستوطنين، وتوفير حماية دولية عاجلة للسكان المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويدعو إلى التحرك الجاد لمساءلة مرتكبي جرائم الحرب أمام العدالة الدولية، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، ويؤكد أن استمرار الصمت الدولي يُعد تواطؤًا غير مباشر، ويغذي ثقافة الإفلات من العقاب، ويشجع على ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.