يونيو 25, 2025
مأساتي من فقدان الزوج والابن البكر ورعاية أبنائي ذوي الإعاقة
مشاركة
مأساتي من فقدان الزوج والابن البكر ورعاية أبنائي ذوي الإعاقة

تاريخ الإفادة: 19/06/2025

فاطمة بكر محمد المصري، 47 عاما، أم لـ 6 أبناء، سكان بيت حانون ونازحة غرب غزة.

في عيون فاطمة، 47 عاما، حكاية ألم عميق، وفي يديها قوة لا تلين، فقدت ركيزتها بالحياة زوجها وابنها البكر، وأجبرتها الحرب أن تكون هي الركيزة لأبنائها من ذوي الإعاقة.

“أنا كنت متزوجة من المواطن تيسير عبد الرحمن عبد الله المصري، 48 عاما، كان يعمل مراسلاً بالرقابة المالية، أنجبت 6 أبناء، منهم 3 من ذوي الإعاقة، يعانون من ضمور بالدماغ. أبنائي هم: عيسى، 23 عاما، وضحى، 17 عاما، وجنى، 13 عاما، وعبيدة، 21 عاما، ونور 14 عاما، ومحمد 10 أعوام، وثلاثتهم من ذوي الإعاقة.

عند حوالي الساعة 6:30 صباح يوم السبت الموافق 07/10/2023، استيقظت على صوت انفجارات متتالية وقريبة جدا. شعرت بالخوف وهرعت باتجاه أبنائي. عيسى أراد الخروج ليعرف مصدر الانفجارات فمنعته، فنحن نسكن في شاع المصري في بلدة بيت حانون الحدودية. وبعد وقت قليل علمنا من خلال مواقع الانترنت سبب الانفجارات.

في حوالي الساعة 2:00 فجرا من يوم الأحد الموافق 08/10/2023، تلقى زوجي اتصالا من مختار العائلة وطلب منه مغادرة المكان، وجاء ذلك بناء على اتصال تلقاه من قوات الاحتلال التي طلبت منه تبليغ سكان الشارع بالإخلاء. وبالفعل خرجنا متوجهين إلى إحدى المدارس القريبة من مدينة الشيخ زايد، وفي الصباح الباكر توجهنا إلى مدارس أبو زيتون الكائنة في مخيم جباليا، حيث كانت المدرسة مكتظة بالنازحين، ما اضطرنا للبقاء في الممرات لعدة أيام.

 بعد أن القى الاحتلال (في 13 أكتوبر) منشورات تطلب من سكان غزة وشمالها بالنزوح إلى الجنوب واشتد القصف والأحزمة النارية، نزح الكثير من المتواجدين بالمدرسة فاستطعنا أن نأخذ صفا بالمدرسة، وكان ذلك بعد نحو 20 يومًا، حيث رفض زوجي النزوح إلى الجنوب فنحن لا نعرف أحدا هناك، فضلا عن وجود 3 من أبنائي من ذوي الإعاقة، ويحتاجون إلى رعاية خاصة، فالنزوح معهم صعب. بقينا بالمدرسة 8 أشهر، توغلت خلالها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا وحاصرتنا ولكن بقينا بالمدرسة، فلا نستطيع النزوح والجري بأبنائي.

وفي شهر 5/2024 اقتحمت الأليات الحربية الإسرائيلية مخيم جباليا للمرة الثانية، وحاصرت المدرسة ومن خلال مكبرات الصوت طلبوا منا الخروج وإلا سيتم قتلنا. خرجنا وتوجهنا إلى مستشفى اليمن السعيد، لكننا لم نجد مكانا، ووجدنا عربية كاروا يجرها حمار طلبنا منه أن ينقلنا إلى مدرسة شادية أبو غزالة، ووصلنا المدرسة وكانت المدرسة أيضا مكتظة بالنازحين. كان القصف وإطلاق النار عشوائيا وكثيفا، وصادفنا رجلاً من عائلة وادي وسأل زوجي لماذا أنت وعائلتك خارج المدرسة، فأخبره لا يوجد مكان بالمدرسة، فأخذنا إلى بيته بحي الصفطاوي، وسجلنا أسماءنا بمدرسة فيصل القريبة وبين الفترة والأخرى نأخذ كوبونة. واستمر الحال حتى شهر

 10/2024، حيث تفاجأنا بمحاصرة قوات الاحتلال حي الصفطاوي. رفض زوجي كالمعتاد النزوح، صاحب المنزل نزح والمتواجدون في المدرسة المجاورة نزحوا، بقينا نحن، وعائلة نافذ ابو زر، 63 عاما، بالطابق العلوي، حيث قررنا المكوث مع بعضنا.

في صباح يوم 09/10/2024، سمع نافذ أبو زر صوت حركة في الممر، والقصف كان شديدا في تلك الأثناء، فخرج هو وأبناؤه الثلاثة: أحمد، 24 عاما، وأمجد، 20 عاما، وأمير، 14 عاما، وزوج ابنته محمود عبد الرحمن، وزوجي، وابني عيسى، 23 عاما، لاستكشاف الوضع. حاولت منع زوجي وابني لكنهم لم يستجيبوا لي، ونظرت إليهم من أعلى ناديت: عيسى هات أبوك واطلعوا القصف شديد وقريب. وفجأة أصبح المكان كله دخان وغبار، كان من الصعب في بداية الأمر رؤية أي شيء. هرعت أنا ومعي زوجة نافذ أبو زر وهي نجاح ابو زر وبناتها الثلاثة، لنتفاجأ من المنظر الذي شاهدناه: زوجي تيسير كان عبارة عن أشلاء، وابني عيسى ملقى على الأرض، وزوجها وأبناؤها مستشهدين، الذي كان مصابا هو زوج ابنتها دلال وهو محمود عبد الرحمن. وقعت على الارض وبكيت وصرخت ولكن سرعان ما قمت وجمعنا الشهداء بجانب بعضهم ووضعنا عليهم الأغطية وأحطناهم بالحجارة خوفا من الكلاب الضالة أن تأتي وتنهش أجسادهم.  وبقيت دلال وزوجها المصاب في الطابق الأرضي، لأنه من الصعب نقله إلى الطابق العلوي، وكانت حالته خطيرة وجسده كله شظايا.

بتاريخ 13/10/2024، تفاجأنا باقتحام قوات الاحتلال المنزل وهم يطلقون النار الكثيف والعشوائي، فخرجت لهم وأنا اقول لهم المتواجدون نساء وأطفال ومعاقون. سألني جندي عن الرجال فأخبرته أنهم تعرضوا للقصف، حيث فتشوا المنزل وشاهدونا جميعا، وشاهدوا الجثث الملقاة على الأرض في الطابق الـرضي والمصاب، وطلبوا منا الخروج والتوجه إلى حي الشيخ رضوان، فخرجنا جميعا باستثناء المصاب، فهو لا يستطيع الحركة وجسده تنفخ نتيجة الإصابة ولا نستطيع حمله.

خرجنا إلى الشارع، كان هناك عدد  كبير من الدبابات  والجيبات  والجنود المنتشرين في كل مكان، اتفقت مع أبنائي الأصحاء بأن كل واحد منا يقود أحد إخوته من ذوي الإعاقة، وحملت محمد، 10 أعوام، وضحى أمسكت بعبيدة، وجنى بنور، وبعد أن سرت مسافة قليلة  اعترضني أحد الجنود، وسألني عن الأنفاق الموجودة بالمكان،  فأخبرته أنني غريبة وأنا نازحة بالمنطقة، ثم سألني إذا  كان أحد افراد عائلتي من حماس فأخبرته قتلتم زوجي وابني البكر وهم مدنيين، فقال لي إذا كنتي كاذبة أعلم كيف أجيبك (أحضرك). وفي الطريق سقطت على الأرض من شدة التعب والجوع لأننا لم نأكل منذ أيام، فقام أحد الجنود بضربي على ظهري بواسطة السلاح الذي بحوزته، وطلب مني أن استمر. توجهنا إلى مدرسة الشاطئ الموجودة بشارع الشفاء وبقينا بها حتى الهدنة  التي تم الاتفاق عليها في يناير 2025، حيث عدنا بعدها إلى بلدة بيت حانون، عدت إلى بيتي وأصلحت ما يمكن إصلاحه ومكثنا فيه.

وبتاريخ 18/03/2025، عاد القصف من جديد وتوغلت قوات الاحتلال في بلدة بيت حانون، ونزحت في خيمة مهترئة  بالشارع في حي النصر في مدينة غزة، ومازلت بها حتى اللحظة، حيث أعاني النزوح والفقر والجوع  فضلا عن أبنائي ذوي الإعاقة الذين يحتاجون رعاية خاصة وحفاظات ولا أستطيع أن أوفر لهم شيئا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *