تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف المدنيين الفلسطينيين الذين يحاولون الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات التي أقامتها في مناطق خاضعة لسيطرتها في قطاع غزة، حيث تحوّلت هذه المواقع إلى بؤر للموت والإذلال، وذلك مع استمرار سياسة القتل الجماعي ضمن سياق جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من 20 شهرًا.
ويدلل استمرار قوات الاحتلال في اعتماد هذه الآلية لتوزيع المساعدات، رغم فشلها في تأمين الاحتياجات الإنسانية للسكان، وعمليات القتل اليومي الواسعة محيطها، على أن تلك القوات تتخذها وسيلة لهندسة التجويع وساحة قتل في إطار الجريمة الأخطر جريمة الإبادة الجماعية.
ووثقت طواقمنا في الأيام الماضية، مقتل عشرات المواطنين وإصابة مئات آخرين جراء إطلاق قوات الاحتلال النار على المدنيين المجوّعين قرب تلك النقاط، خلال الأيام الماضية.
ووفق المعلومات التي جمعها باحثو المركز، فعند حوالي الساعة 19:00 من يوم الأحد الموافق 15/6/2025، بدأ آلاف النازحين بالوصول إلى حي المواصي غرب مدينة رفح، والانتظار حتى صباح اليوم التالي (الاثنين الموافق 16/6/2025) من أجل الدخول إلى مركزي توزيع المساعدات اللذين أقامتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي في حي تل السلطان جنوب غرب مدينة رفح، وفي الحي السعودي شمال غرب مدينة رفح. انتظر النازحون ومن ضمنهم نساء وأطفال، وصل جزء كبير منهم من مناطق وسط القطاع ومدينة غزة حتى ساعات فجر يوم الاثنين، وأثناء انتظارهم كانت الزوارق البحرية والدبابات تطلق قذائفها رشاشاتها الثقيلة تجاههم بينما كانوا منبطحين على الرمال على جانبي شارع الرشيد الساحلي في حي المواصي غرب مدينة رفح، وفي شارع المحررات شمال غرب المدينة. وعند حوالي الساعة 05:00 فجراً، حاول آلاف من النازحون التقدم باتجاه ميدان العلم وشارع المحررات فتعرضوا لإطلاق النار والقذائف من قبل قوات الاحتلال ما أدى إلى مقتل 31 نازحاً، وإصابة عشرات آخرين بجروح متفاوتة منهم إصابات خطيرة، غالبيتهم قتلوا أو أصيبوا قرب ميدان العلم.
وعند عند حوالي الساعة 05:00 صباح يوم الأحد الموافق 15/6/2025، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة، تجاه أعداد كبيرة النازحين أثناء محاولتهم الوصول إلى نقطتي توزيع مساعدات أقامتهما قوات الاحتلال في حي تل السلطان، والحي السعودي غرب مدينة رفح. أسفر ذلك عن مقتل 7 من النازحين بينهم امرأة، وإصابة 60 آخرين بجروح مختلفة. ويتابع باحثو المركز ورود معلومات حول قيام جرافة عسكرية إسرائيلية بدفن عدد من الفلسطينيين في حفرة بعد إصابتهم بنيران الجنود الإسرائيليين قرب نقطة المساعدات الإسرائيلية في الحي السعودي شمال غرب رفح.
وأفاد المواطن إبراهيم فؤاد يوسف المغربي، 23 عاماً، من سكان مخيم يبنا في مدينة رفح، ونازح حاليا في مواصي خان يونس لباحث المركز بما يلي:
“في حوالي الساعة 06:30 صباح يوم الأحد 15/6/2025، وأثناء السير إلى مركز توزيع المساعدات الأمريكية- الإسرائيلية في الحي السعودي شمال غرب مدينة رفح مع 4 من جيراني في النزوح وعدد كبير من الناس، أطلق الجنود النار تجاهنا فأصيب اثنان من جيراني بطلقات في الصدر، واستشهد أحدهم على الفور (حسام نعيم أحمد الخطيب، 35 عاماً، متزوج وأب لأربعة أطفال) ولم أستطيع نقله وانبطحت على الرمال بجواره بسبب استمرار إطلاق النار حولنا واتجاهنا. وفي حوالي الساعة 07:15 صباحاً، تقدمت جرافة عسكرية نحو عدد من الشبان كانوا على بعد حوالي 50 مترا مني وعندما حاول الشبان وعددهم ما بين 7 إلى 10 الهرب أطلق الجنود الرصاص عليهم من دبابة ومن حولها وأعدموهم، ثم وصلت الجرافة عندهم وجرفتهم ووضعتهم فيما يشبه بقايا غرفة ليس لها سقف وبجوارها حفرة، ووضعت فوقهم الرمال. وفي حوالي الساعة 10:30 صباحاً، وبعد توقف إطلاق النار وفتح مركز توزيع المساعدات تمكنت مع عدد من الشبان من نقل جاري حسام نعيم أحمد الخطيب، على كارة حمار ثم في سيارة إلى مستشفى الصليب في مواصي رفح، وفي المستشفى أكد طبيب بعد فحصه أنه استشهد”.
ووفق وزارة الصحة؛ فإن حصيلة ما وصل للمستشفيات من ضحايا جراء استهداف المواطنين منتظري المساعدات خلال الـ24 ساعة الماضية، بلغ 38 قتلا، وأكثر من 182 إصابة، ليرتفع إجمالي قتلى “لقمة العيش” ممن وصلوا المستشفيات من المناطق المخصصة لتوزيع المساعدات إلى 338 قتيلا وأكثر من 2,831 إصابة.1
كما تواصلت الغارات الإسرائيلية على مختلف أرجاء قطاع غزة، وجرائم القتل الجماعي التي تستهدف النازحين في مراكز الإيواء وخيام النزوح والتجمعات في الشوارع، إلى جانب الاستمرار في نسف وتدمير ما تبقى من منازل في أماكن التمركز الإسرائيلي في أرجاء متفرقة من خانيونس وشرقي غزة وشمال غزة.
وإذ يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، جرائم القتل التي ترتكبها قوات الاحتلال بشكل واسع في قطاع غزة، فإنه يجدد تأكيده أن استمرار القوات الإسرائيلية في تنفيذ آلية توزيع المساعدات الحالية رغم ما تسببت به من فوضى وإيقاع مئات القتلى والجرحى منذ انطلاقها، يدلل على أن الهدف منها ليس توفير الإغاثة الفعلية للمحاصرين والجوعى في قطاع غزة، بل يراد منها أن تتحول فخًّا للموت وساحة للإذلال وانتهاك الكرامة الإنسانية، في سياق سياسة تجويع ممنهجة وغير مسبوقة تنفذها قوات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين منذ عدة أشهر.
وبناء على ذلك، يجدد المركز مطالبته المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لإلغاء هذه الآلية التي يطلب فيها من المواطنين الانتقال لمناطق خطيرة تحت سيطرة الاحتلال، والعودة لإدخال المساعدات وتمكين المنظمات الدولية من توزيع المساعدات وسط مناطق النزوح المختلفة، إلى جانب إدخال البضائع بشكل حر دون أي قيود.
ويجدد المركز مطالبته باتخاذ تدابير فورية وجادة لوقف جريمة الإبادة الجماعية الجارية، وضمان محاسبة المسؤولين الإسرائيليين على جرائمهم أمام العدالة الدولية. كما يطالب الدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لحماية المدنيين الفلسطينيين من القتل الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.