أغسطس 30, 2025
في “اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري” سياسة إسرائيل في الإخفاء القسري ركن من أركان جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة
مشاركة
في “اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري” سياسة إسرائيل في الإخفاء القسري ركن من أركان جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة

يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على أنّ جريمة الاختفاء القسري، بوصفها جريمة ضد الإنسانية وفقًا للقانون الدولي، ما زالت تُمارس كسياسة ممنهجة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتشكل أحد الركائز الجوهرية لجريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.

وفي ظل ندرة التقارير حول هذا الملف، وبعد مرور ما يقارب العامين من الإبادة الجماعية المستمرة التي تتسم بالقتل الجماعي، والدمار، والتهجير القسري، والتجويع الممنهج، ما تزال العديد من العائلات الفلسطينية في غزة تجهل مصير أبنائها، حيث تقتصر معاناتهم على مجرد الكفاح من أجل البقاء في ظل الحرمان من الحد الأدنى من المقومات الإنسانية، بل تتضاعف آلامهم نتيجة حرمانهم من حقهم في معرفة الحقيقة بشأن مصير ومكان وجود أبنائهم. ويأتي ذلك وسط ظروف معيشية قاسية، في ظل فشل المجتمع الدولي في وضع حد للحملة العسكرية الإسرائيلية الإبادية ضد المدنيين في قطاع غزة.

حتى الآن لا يوجد رقم دقيق لعدد الفلسطينيين المختفين قسراً في قطاع غزة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن أعدادهم تجاوزت الآلاف، فوفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن أكثر من 11,000 فلسطيني مختفون قسرأ حتى يوليو  2025، من بينهم 4,700 امرأة وطفل. وأفاد المكتب الإعلامي لحكومة غزة بأن ما لا يقل عن 14,222 فلسطينيًا مفقودون أو تحت الأنقاض حتى فبراير 2025. وقد أصبح تحديد العدد الدقيق ومصيرهم شبه مستحيل بسبب سياسة الاختفاء القسري التي تنتهجها إسرائيل، والتي تم تعزيزها بفعل الوضع الفوضوي الناتج عن عامين من الإبادة الجماعية، عبر الاعتقالات الجماعية، والقتل، والتدمير، والتهجير القسري للفلسطينيين، إضافة إلى استهداف فرق البحث والإنقاذ ومركباتهم ومعداتهم.

بالإضافة إلى ذلك، ما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز مئات الجثامين لفلسطينيين من قطاع غزة، بما في ذلك المعتقلين الذين توفوا أثناء احتجازهم في السجون ومعسكرات الاحتجاز الإسرائيلية. ووفقًا للحملة الوطنية لاستعادة جثامين الشهداء، تحتجز السلطات الإسرائيلية جثامين أكثر من 1,500 فلسطيني من غزة منذ 7 أكتوبر 2023 في معسكر سدي تيمان العسكري. كما أفادت الحملة بأن السلطات لا تزال تحتجز جثث 726 فلسطينيًا تم قتلهم، وإحتجاز جثامينهم في ثلاجات ما يُسمى بـ ‘مقابر الأرقام’، من بينهم 67 طفلاً، و85 معتقلاً، و10 سيدات.

وفي الشهر الماضي، أقر خبراء من الأمم المتحدة باختفاء نحو 4,000 فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، رغم أن التقديرات المحلية تشير إلى أن العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير،. وأضاف الخبراء في بيانهم الصادر الشهر الماضي:

“عشرين شهرًا من الهجمات التي شنتها القوات الإسرائيلية أسفرت، من بين أمور أخرى، عن أنماط واسعة الانتشار للاختفاء القسري بين الفلسطينيين في غزة وأجزاء أخرى من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك العاملون في الصحة، والصحفيون، وغيرهم من المهنيين، بالإضافة إلى النساء والأطفال”. وأوضح الخبراء أن اختفاء الفلسطينيين قسريًا تم تيسيره من خلال أوامر عسكرية وتشريعات تسمح بالاحتجاز التعسفي غير محدد المدة للمعتقلين تحت مسمى “المقاتلين غير القانونيين” وغيرهم، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مضيفين أن “الألم والمعاناة التي يعانيها أقارب المختفين يمكن أن تشكل شكلًا من أشكال التعذيب النفسي وغيره من المعاملات غير الإنسانية”. ودعا الخبراء إلى الكشف الفوري عن مصير ومكان ووضع جميع الفلسطينيين الذين تم اختفاؤهم قسريًا، وكذلك وضعهم الصحي، والإفراج الفوري عنهم “إلا إذا تم توجيه الإتهام لهم بإرتكاب جريمة دولية معترف بها وأن يتم محاكمتهم وفقًا للمعايير الدولية”.

خلال العامين الماضيين، وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 383 حالة اختفاء قسري في قطاع غزة، من بينهم 15 طفلاً و12 امرأة. ومن بين الضحايا صحفيون، وممرضون، وأطباء، وموظفون حكوميون، وطلاب جامعات، ومزارعون، فضلاً عن أشخاص ذوي إعاقة. وعندما قام محامي المركز بإرسال طلبات إلى السلطات الإسرائيلية للاستفسار عن مصير ومكان هؤلاء المواطنين، أجابت السلطات بعدم وجود أي بيانات تشير إلى اعتقالهم أو إحتجازهم، إلا أن المركز يمتلك أدلة وإفادات من شهود عيان تثبت أن العديد منهم تم اعتقالهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

حيث تشمل توثيقات المركز لحالات الاختفاء القسري ما يلي: (1) فلسطينيون شوهدوا آخر مرة قرب السياج الأمني الفاصل بين إسرائيل وغزة في 7 أكتوبر 2023؛ (2) فلسطينيون اعتقلوا خلال الاجتياحات البرية لقوات الاحتلال في مخيم المغازي (يناير 2024)، مدينة غزة (يناير 2024)، خان يونس (فبراير 2024)، ورفح (مايو 2024)؛ (3) فلسطينيون حاولوا الحصول على المساعدات الإنسانية قرب دوار النابلسي في مدينة غزة؛ و(4) فلسطينيون اختفوا بعد محاولتهم العبور من شمال غزة إلى الجنوب عبر حاجز نتساريم، الذي يفصل بين محافظة غزة والمحافظة الشمالية من جهة، ومحافظة الوسطى ومحافظة خان يونس ورفح من جهة أخرى.

كما تلقى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عشرات البلاغات حول اختفاء عشرات الفلسطينيين الجوعى، بمن فيهم أطفال، أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات من مواقع التوزيع المُميتة والمُذلة التي تديرها ما يُسمى بـ ‘مؤسسة غزة الإنسانية’ (GHF)، الشريكة في الإبادة الجماعية المستمرة التي تنفذها إسرائيل في غزة، حيث تم الإعلان رسميًا عن المجاعة وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي. حيث أنه ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، فقد قُتل 2,158 فلسطينيًا وأصيب أكثر من 15,000 آخرين، منذ بدء عمل هذه المؤسسة في قطاع غزة.

وبينما يقبع العديد من هؤلاء الضحايا في السجون ومعسكرات الإحتجاز الإسرائيلية ويتعرضون بالإضافة للإخفاء، لشتى أنواع التعذيب وسوء المعاملة، فقد توفي آخرون أثناء الاحتجاز. وقد رفضت السلطات الاسرائيلية تقديم أي معلومات حول ظروف وفاتهم أو تسليم جثثهم إلى عائلاتهم بطريقة تتيح التعرف عليها بشكل مناسب. وعلى الرغم من أنه قد تم إبلاغ المركز بوفاة سبعة معتقلين فلسطينيين، إلا أن المركز يفترض أن العديد من الضحايا الذين تم توثيق حالاتهم قد قُتلوا على يد قوات الاحتلال في غزة، لا سيما الذين حاولوا العبور من الشمال إلى الجنوب أو العكس عبر حاجز نتساريم.

الجدير بالذكر أن جريمة الاختفاء القسري لا تتحقق فقط عند اعتقال الدولة لشخص وإخفاء مصيره أو مكانه، بل تشمل أيضًا حرمان ذويه من معرفة الظروف التي أدت إلى وفاة المعتقل وحرمانهم من الوصول إلى جثمانه. وقد قام المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بتقديم تلك الحالات الموثقة، إلى جانب ملفين آخرين يبرزان الوضع العام لحالات الإختفاء وعمل المركز في الميدان، وذلك إلى مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري. والتي بدورها قامت خلال دورتها الـ 135، التي انعقدت في الفترة من 27–31 يناير 2025، بإرسال خطاب إلى الحكومة الإسرائيلية يركز على “العقبات التي تواجه تنفيذ إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري من قبل إسرائيل”.

وقد عرض الخطاب الأنماط المشار إليها أعلاه وأشار إلى قانون احتجاز المقاتلين غير القانونيين رقم 5762-2002، الذي يتيح لسلطات الإحتلال بالاحتجاز التعسفي وغير المحدد للفلسطينيين دون محاكمة. كما سلطت المجموعة الضوء على العقبات، وأساليب الترهيب، والانتقام الذي يواجهه محامو العائلات ومنظمات المجتمع المدني، والعراقيل الممنهجة لزيارة المعتقلين في السجون ومعسكرات الإحتجاز الإسرائيلية، وعدم وجود تحقيقات فعالة ومستقلة ونزيهة، إضافة إلى الفشل في التعرف على رُفات المعتقلين الذين توفوا أثناء الاحتجاز وإعادتها لعائلاتهم. وأوضحت المجموعة أن الحكومة الإسرائيلية لم تقوم بعد بتقديم أي رد على هذه الإتهامات.

إن الاختفاء القسري لا يُعد مجرد انتهاك لحقوق الإنسان فحسب، بل هو أيضًا جريمة دولية، ويمكن أن يكون جزءًا من أعمال الإبادة الجماعية. وعلى الرغم من توقيع إسرائيل على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، فإن الحظر المطلق للاختفاء القسري، كما ورد في المادة 1 من الاتفاقية، هو جزء من القانون الدولي، وبالتالي ملزم لإسرائيل. ولا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تبرير سياسة الاختفاء القسري الإسرائيلية.

وتصنف المادة 7(1)(ط) من نظام روما الأساسي الاختفاء القسري للأشخاص كجريمة ضد الإنسانية عندما يرتكب كجزء من هجوم واسع أو ممنهج موجه ضد أي سكان مدنيين. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يُعد الاختفاء القسري إبادة جماعية عندما يستهدف أعضاء من مجموعة محمية ويُنفذ بقصد محدد لتدمير تلك المجموعة. وفي سياق قطاع غزة، يُشكل الاختفاء القسري جزءًا من الفعل الإبادي المتمثل في التسبب في أضرار جسدية أو عقلية جسيمة، إذ يُلحق الاختفاء معاناة نفسية هائلة بعائلات وأفراد المجتمعات الفلسطينية، فضلاً عن كونه جزءًا من الفعل الإبادي المتمثل في فرض ظروف معيشية تهدف لتدمير المجموعة. ومن خلال تنفيذ عمليات اختفاء جماعي، خاصة للشخصيات الرئيسة في المجتمع، بما في ذلك الصحفيون والعاملون في المجال الطبي والأكاديميون والمزارعون، حيث تهدف إسرائيل إلى تفكيك قدرة السكان الفلسطينيين على البقاء في غزة.

في ضوء حجم وطبيعة حالات الاختفاء القسري الممنهج، يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التزامه بمواصلة توثيق حالات الفلسطينيين المختفين قسراً بهدف كشف جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، ومحاسبة مرتكبيها، وتزويد العائلات الفلسطينية بمعلومات حول مصير ومكان أبنائهم. ويدعو المركز مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إعطاء أولوية للتحقيق في حالات الاختفاء القسري والتعذيب ضمن تحقيقاته حول الجرائم الإسرائيلية، وإدراجها في مذكرات التوقيف المقبلة.

كما يجدد المركز دعوته للمجتمع الدولي للعمل على منع استمرار جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة بما يتوافق مع التزاماتهم الأخلاقية والقانونية، بما في ذلك فرض حظر فوري على توريد الأسلحة، والضغط على السلطات الإسرائيلية للإفصاح الفوري عن مصير جميع الفلسطينيين المختفين قسراً، والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر والمحامين بالوصول دون أي قيود إلى جميع المعتقلين، ووقف سياسة التعذيب وسوء المعاملة في السجون ومعسكرات الإحتجاز الإسرائيلية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفيًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *