يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان القيود الجديدة التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على سكان ثلاث قرى فلسطينية شمال غربي القدس الشرقية المحتلة، والتي تشترط حصول السكان على تصاريح خاصة لدخول مناطقهم والمبيت فيها، بموجب القرار العسكري رقم 1651 الصادر عن الجيش الإسرائيلي.
ويعمق هذا الإجراء سياسة العزل ويفرض واقعًا جديدًا يحوّل حياة الفلسطينيين اليومية إلى سلسلة من القيود والمعاناة، ويكشف سعي إسرائيل الممنهج لتكريس سياسات الضم والتهويد في القدس الشرقية المحتلة. ويفرض القرار على السكان استخراج بطاقات ممغنطة وتصاريح مرور من حاجز قلنديا، ويمنع دخول أي شخص لا يحمل تصريحًا خاصًا، في خطوة تؤكد أن الهدف ليس الأمن كما تدّعي سلطات الاحتلال، بل فرض مزيد من السيطرة وعزل القرى الثلاث عن محيطها الفلسطيني.
ووفق المعلومات التي جمعها طاقم المركز، ففي ساعات صباح يوم السبت الموافق 20/9/2025، فرضت سلطات الاحتلال على سكان قرى بيت إكسا، النبي صموئيل، وحي الخلايلة، الحصول على تصاريح خاصة لدخولها والمبيت فيها، في خطوة تعمّق سياسة العزل وتقييد الحركة والسيطرة على الأراضي.
ويستند هذا الإجراء التعسفي إلى قرار رقم 1651 الصادر عن الجيش الإسرائيلي تحت عنوان “إغلاق منطقة التماس 25/01 يهودا والسامرة” رقم 5875-2025، والذي أعلن القرى الثلاث مناطق تماس مغلقة، لا يسمح بدخول أي شخص إليها أو المكوث فيها إلا بناءً على تصريح خاص للمواطنين الدائمين وفق شروط محددة، بحجة منع “عمليات تخريبية” ضد الدولة الإسرائيلية، ويمتد سريان القرار حتى 31/12/2027.
وفي هذا السياق، أفاد رئيس مجلس قروي بيت إكسا، مراد زايد، لطاقم المركز، أن مكتب “الارتباط الإسرائيلي” أبلغ المجالس المحلية نيته تحويل القرى الثلاث إلى ما يُسمى “منطقة تماس” خلال الأسابيع المقبلة، وإجبار السكان على استخراج بطاقات ممغنطة وتصاريح خاصة من حاجز قلنديا. وأوضح زايد أن القرار يفرض حيازة ترخيص خاص للمبيت والوصول إلى المنطقة وفق شروط محددة، بينما يُمنع دخول أي شخص لا يحمل تصريحًا. وأضاف أنه سابقاً كانت أرقام هويات سكان تلك المناطق مسجلة على الحواجز الإسرائيلية ليتمكنوا الدخول اليها والخروج منها وكان دخول الزوار والعمال إلى هذه القرى يتم عبر التنسيق مع المجلس القروي، وتسجيل هوياتهم عند الحواجز العسكرية مع مرافق من المجلس، أما الآن فسيتم منع أي شخص لا يحمل تصريحًا. ويؤكد أن الهدف ليس تنظيم المرور أو الحماية، بل تصعيد يهدف إلى عزل السكان عن محيطهم الفلسطيني وتحويل حياتهم اليومية إلى سلسلة من القيود والانتظار على الحواجز. وأشار الى ان معظم سكان المنطقة من حملة الهويات الفلسطينية، وأن تصريح منطقة التماس لن يسمح لهم بالمرور إلى إسرائيل.
وتعيش القرى المستهدفة بالقرار منذ عقود تحت وطأة الحصار الذي يفرضه جدار الضم والحواجز العسكرية الإسرائيلية، ما حدّ من نموها العمراني والديموغرافي، وعمّق من عزلتها مع التوسع الاستيطاني المحيط بها، خصوصًا في تجمع “جيفعات زئيف”.
ويبلغ عدد سكان قرية بيت إكسا نحو ألفي نسمة وتمتد أراضيها على نحو 9 آلاف دونم، وقرية النبي صموئيل نحو 300 مواطن على مساحة متبقية 1,050 دونم بعد مصادرة الاحتلال معظم أراضيها، بينما يقطن حي الخلايلة نحو 650 شخصًا في تجمع تبلغ مساحته نحو 4,000 دونم، محاط بأربع مستعمرات تقطع أراضيه.
كما أن السكان محرومون من الخدمات الأساسية كالمراكز الطبية والمدارس، ويضطرون إلى التنقل عبر إجراءات معقدة للحصول على أبسط احتياجاتهم اليومية.
بالتوازي مع هذه القيود، وزعت سلطات الاحتلال في اليوم نفسه أوامر بالاستيلاء على نحو 140 دونمًا من أراضي بلدة عناتا شمال شرق القدس لمصلحة بلدية الاحتلال، لخدمة مشروع “E1” الاستيطاني الذي يهدف إلى ربط مستوطنة “معاليه أدوميم” بالقدس المحتلة، وعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني، وقطع التواصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.
وترافق ذلك مع اتفاقية حكومية إسرائيلية تم توقيعها في 11 سبتمبر 2025، خصصت أكثر من 3 مليارات شيكل لتطوير البنية التحتية للمستوطنات، وبناء أكثر من 7,600 وحدة استيطانية جديدة، بينها 3,400 في المنطقة المصادرة ضمن مشروع “E1”..
تأتي هذه الإجراءات في سياق سياسة إسرائيلية شاملة تقوم على فرض قيود ممنهجة على حركة الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية المحتلة، وبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي، بهدف تكريس واقع “القدس الكبرى”، وإحداث تغيير ديموغرافي وجغرافي واسع النطاق. ففي الأسبوع الماضي فقط، أقام الاحتلال بوابتين عند مداخل بلدة الرام، واحدة عند مخماس، وأخرى عند مدخل العيزرية، ليرتفع عدد البوابات والحواجز في القدس وضواحيها إلى 88 حاجزًا وبوابة حتى منتصف سبتمبر 2025، ما يكرس نظام العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين مقابل حرية حركة كاملة للمستوطنين.
تجسد هذه الإجراءات والممارسات الإسرائيلية، من مصادرات الأراضي وبناء المستوطنات مثل E1 إلى القيود على حرية التنقل، استراتيجية متكاملة لتهويد مدينة القدس الشرقية المحتلة وعزلها عن محيطها الفلسطيني. وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على السكان الفلسطينيين، الذين شهدوا تراجعًا في الخدمات الأساسية، صعوبات يومية في التنقل، قيودًا على التعليم والعمل، وانتهاكات مستمرة لحقوقهم المدنية.
تأتي هذه السياسات ومحاولة فرض أمر واقع من جانب واحد، مع استمرار جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ نحو عامين، وسط صمت وعجز المجتمع الدولي، ما يمنح إسرائيل غطاءً لتوسيع جرائمها في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن هذه السياسات الإسرائيلية تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لاسيما حق الفلسطينيين في حرية الحركة، والحق في السكن، والتعليم، والعمل، والصحة.
يذكر المركز بقرار محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024، والذي أكد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، هو غير قانوني، وألزم دولة الاحتلال بإنهاء وجودها غير المشروع فورًا، ووقف جميع الاعتداءات الاستيطانية، بما في ذلك إخلاء المستوطنين من الأراضي المحتلة.
يطالب المركز المجتمع الدولي، بالتدخل العاجل لوقف هذه السياسات التي تكرس واقع الضم وتوسع الاستيطان وتفرض نظام فصل عنصري ممنهج. كما يدعو إلى اتخاذ خطوات عملية وفعالة، بما في ذلك فرض العقوبات ومحاسبة قادة الاحتلال، لوقف جريمة الاستيطان التي تشكل جريمة حرب مستمرة، وضمان حماية الحقوق الأساسية للفلسطينيين في القدس وسائر الأرض الفلسطينية المحتلة.