مايو 8, 2025
حلم الطرف الصناعي الذي قد يعيد لي الحياة
مشاركة
حلم الطرف الصناعي الذي قد يعيد لي الحياة

ش. س. م. ط، 17عاماً، آنسة، سكان الجلاء بجوار عبد العال.

تاريخ الإفادة: 23/4/2025

في 17/01/2024، وبعد نزوح متكرر، وصلنا إلى مدرسة «العائلة المقدسة» التي باتت مأوانا. هناك بدأت استعدت روتيني اليومي وأحاول التكيف مع واقع النزوح بكلّ قوة وإصرار.

ثم في 14/12/2024، عند منتصف النهار، تحوّلت حياتي إلى جحيمٍ لا يُطاق. بينما كنتُ أمرُّ بجانب غرفة إدارة المدرسة، دوّى انفجارٌ مدوٍ؛ صاروخ من طائرة إف‑16 اخترق الممر على بُعد أمتارٍ قليلة مني. اجتاحني هول الانفجار وألقاني أرضًا. لم أدرك حجم إصابتي إلا حين التهم الألم ساقيّ: انفصلت إحداهما تمامًا عن جسدي، بينما أصيبت الثانية من الخلف.

انتظرنا الإسعاف نصف ساعةٍ وكأن الزمن قد توقف، بينما كنتُ أراقب أمي تلفظ أنفاسها الأخيرة قبل الموت. وعندما وصل المسعفون نقلوني إلى مستشفى الشفاء حيث غبت عن الوعي، ووضعوني في العناية المركزة بعدما انخفضت نسبة دمي إلى درجتين.

عشت في مستشفى الشفاء شهرًا وعشرة أيامٍ أشبه فيها بالكفاح بين الحياة والموت، ثم نُقلت إلى مستشفى الحلو لأكمل معركتي. هناك خضعت لأربع عملياتٍ في ساقي اليسرى وواحدةٍ في اليمنى. تلا هذه الجراحات سلسلةٌ من جلسات العلاج الطبيعي التي بدأت بمرةٍ أسبوعيًا، ثم مرتين، حتى صار جسدي ينهض بالعلاج بنفسي. تعبتُ حتى الظننتُ أنّي لن أستطيع، لكني قاومت لأتأقلم مع حالتي الجديدة: ساقٌ تعود تدريجيًا إلى وظيفتها، وأخرى مبتورة رحلت معها قطعةٌ من كياني، تاركةً خلفها ألم جسدي ونفسي لا يندمل.

بتاريخ 17/01/2025، أخذني أهلي إلى مدرسة العائلة المقدسة مجددًا، لكن نفسيتي كانت في أسوأ حالاتها. كل شيء كان متعبًا ومرهقًا حدّ الانهيار، أمي استشهدت، وأنا فقدت رجلي، وكأن كلّ الهموم اجتمعت عليّ دفعة واحدة.

كان أهلي يحيطونني بكل حبهم، يسعون جاهدين لتهدئتي والتخفيف عني، لكن الألم كان أكبر من أن تحتويه أي كلمات. شعرت أن هذه الإصابة قد سلبت مني كل شيء، غيّرت حياتي بشكل لا يُصدَّق، وأخذت مني جزءًا من روحي. كنت غارقة في الحزن، لم أستطع تقبُّل ما حدث. مع مرور الوقت، بدأ التأقلم يدخل حياتي، لكن بصعوبة شديدة، كأنني كنت أواجه جدارًا صلبًا في كل لحظة. كنت أُظهر قوتي للآخرين، لكن في أعماقي، كنت أظل تلك الفتاة المكسورة، التي لم تشف بعد. بدأت أخرج إلى أماكن قريبة، ومع أقرب الناس إليّ، لكن الحقيقة التي لا أستطيع إخفاءها هي أنني أفتقد نفسي كما كنت من قبل. أشتاق لتلك الحياة التي ضاعت، وأتمنى لو كان بإمكاني العودة إلى تلك الأيام، قبل أن تتغير كل شيء.

خلال فترة التعليم الإلكتروني، كنت أواجه صعوبة كبيرة في المتابعة. فقدت قدرتي على التركيز تمامًا بسبب الإصابة وآلامها المستمرة، وأصبح تناول المسكنات يوميًا أمرًا ضروريًا لا مفرّ منه. لم أتمكن من إنجاز دروسي كما يجب، وكان من المستحيل التركيز أمام الشاشة لفترات طويلة. شعرت أن كل شيء أصبح عبئًا ثقيلًا، وأن الحياة الأكاديمية بدأت تتلاشى أمامي.

خلال فترة وجودي في المستشفى، كانت العلاجات والمسكنات متوفرة بفضل الهدنة التي كانت سارية حينها. لكن بمجرد أن انتهت الهدنة وعادت الحرب، تغير الوضع تمامًا. أصبح الحصول على العلاجات والمستلزمات أكثر صعوبة، وكان والدي يضطر لشراء كل شيء بماله الخاص، مع العلم أن كل شيء أصبح باهظًا للغاية.

منذ اللحظة الأولى للإصابة، أصبح حلمي الوحيد هو تركيب طرف صناعي مخصّص يناسب طولي واحتياجاتي، ليعيد لي جزءًا من حياتي. فبدون الطرف الصناعي، حياتي شبه مستحيلة. لا أستطيع حمل أي شيء أثناء المشي، وأصبح العكاز هو الوسيلة الوحيدة التي أتمكن من خلالها التنقل، ولكنه ليس كافيًا. كل خطوة أشعر أنها عبئًا ثقيلاً، خاصة في ظل ظروف النزوح المستمر، يصبح العكاز عبئًا إضافيًا لا يساهم في تسهيل حركتي، بل يعرقلها، مما يزيد من معاناتي ويجعل التنقل أمرًا بالغ الصعوبة.

عندما بدأت الهدنة، عاد الأمل إلى قلبي، وكنت أعتقد أنني سأتمكن أخيرًا من السفر لتركيب الطرف الصناعي. لكن مع استئناف الحرب، تبخّر الأمل، وعادت الآلام لتخنقني، وتلاشت فرصة العلاج.

أمنيتي الكبرى التي تملأ قلبي وتختنق معها أنفاسي هي أن تنتهي هذه الحرب الوحشية، وأن تعود الحياة إلى ما كانت عليه، حيث أستعيد الأمل الذي ضاع في عالمٍ غادره السلام. لا أطلب أكثر من أن تنتهي الحرب ويسمح لي الاحتلال الإسرائيلي بالسفر لتركيب الطرف الصناعي، فرصة واحدة فقط، لحظة واحدة، أستطيع فيها أن أسير دون عكاز، وأن أعود إلى الحياة كما كنت، دون أن يلاحقني الألم في كل خطوة أخطوها. أريد أن أستعيد ما سُلب مني، وأعيش بحرية كما كنت، أن أتمكن من الحركة بدون قيود، وأن أجد في كل خطوة لي شعورًا بالاستقلالية والقوة التي افتقدتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *