سبتمبر 28, 2025
حصار واستهداف المستشفيات في مدينة غزة وحرمان المرضى من حقهم في العلاج جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان
مشاركة
حصار واستهداف المستشفيات في مدينة غزة وحرمان المرضى من حقهم في العلاج جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومها العسكري الغاشم على مدينة غزة وتستهدف ما تبقى من منشآتها المدنية بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية، وذلك في تحدٍ صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني.  وقد أخرجت الهجمات المنهجية الأخيرة أربعة مستشفيات عن الخدمة ليرتفع عدد المستشفيات والمنشآت الصحية المدمرة أو المخلاة إلى 20 مستشفًا، فيما لم يتبق سوى 7 مستشفيات منهكة تقدم الحد الأدنى من الخدمات الصحية.  تتعرض هذه المستشفيات حالياً للتهديد بالإخلاء القسري في الوقت الذي تقترب منها الآليات الإسرائيلية لحصارها وتكرار مشاهد لم تغيب خلال عامين من جريمة الإبادة الجماعية. هذه التطورات تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي قرر تدمير المنظومة الصحية في مدينة غزة بالكامل، وإعدام مئات المرضى ممن يعانون أمراضاً خطيرة ومتواجدين داخل مستشفيات المدينة، وترك مئات آلاف المدنيين من السكان بلا خدمات صحية أساسية لدفعهم قسرًا للنزوح جنوبًا، وتجريدهم من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الطبية.

ووفق شهادات جمعها باحثو المركز من أطباء ومرضى داخل مجمع الشفاء الطبي، تتعمد قوات الاحتلال شن هجمات ليلية متكررة مستخدمة الأحزمة النارية وتفجير العربات المفخخة، ما يزرع الموت في محيط المستشفى، والرعب والهلع بين المرضى ومرافقيهم، لاسيما مع اقتراب الآليات العسكرية من الجهة الشمالية والشرقية للمجمع خلال الساعات الماضية، حيث اضطر الكثير منهم إلى الفرار رغم حاجتهم الماسة للعلاج. هذه الهجمات جعلت الوصول إلى المجمع محفوفًا بالمخاطر، وأدت إلى توقف كثير من التدخلات الطبية بسبب عجز الطواقم الصحية عن الوصول وقلتهم، كذلك نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث يُجرى الأطباء عمليات جراحية معقدة في ظروف صادمة تفتقر إلى التخدير الكامل، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد تكررت خلال حصار المستشفيات تشكل فصولًا متجددة من جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان.

وقد أفاد الطبيب حسن الشاعر، المدير الطبي لمجمع الشفاء الطبي، لباحث المركز أن جزء من الطواقم الطبية في المجمع يواصلون عملهم رغم الظروف القاسية المصحوبة بالخوف والقلق الشديدين آخذين بعين الاعتبار تجارب سابقة حاصرت فيها القوات المحتلة المجمع نفسه، ونكلت بالطواقم الطبية قتلاً واعتقالاً.  وشدد الشاعر على الحاجة العاجلة إلى توفير الأدوية والمستلزمات المنقذة للحياة، كما ذكر أن المرضى والمصابين يتشاركون المخاوف من أي تقدم عسكري نحو المجمع، مؤكدًا وجود ما لا يقل عن 100 مريض يتلقون العلاج في ظروف قاسية. 1

ويشدد المركز على أن الوضع في مستشفيات مدينة غزة المتبقية لم يعد يحتمل الانتظار، حيث تواجه هذه المستشفيات: (مجمع الشفاء الطبي- مستشفى أصدقاء المريض – مجمع الصحابة الطبي- المستشفى الأهلي المعمداني- مستشفى الوفاء للتأهيل – مستشفى الحلو- مستشفى السرايا الميداني) مخاطر التوقف الكامل عن تقديم خدماتها، وقد  بات ذلك وشيكًا خلال أيام قليلة بسبب  العمليات العسكرية المكثفة في محيطها والتهديد بإخلائها، علاوة عن نفاذ الوقود ومتطلبات تقديم الخدمة، ما يعني شلل الأقسام الحيوية فيها وتعريض حياه المدينين المتبقيين للموت المحقق.  وبالتوازي مع ذلك، تواجه بنوك الدم أزمة خانقة جراء النقص الحاد في وحدات الدم ومكوناته، فيما تواجه المستشفيات عجزًا في قوائم الأدوية المعتمدة بمستويات كارثية بلغ 52% من الأدوية الأساسية، فيما وصلت نسبة النقص في المواد الطبية ذات الاستخدام الواحد إلى 68%، دون أي مخزون بديل، وهو ما يُعيق من تقديم الرعاية الطبية العاجلة.2  وقد لاحظ باحثو المركز عبر استطلاع أوضاع عشرات المرضى أن كثيرًا من الحالات الحرجة لا تجد العلاج المطلوب داخل المستشفيات في مدينة غزة، كما لا توفر الصيدليات داخلها أي دواء إلا ضمن نطاق محدود جدًا، علاوة ً عن عدم توفر الدواء في الصيدليات الخاصة فيما عدا القليل من الادوية لا يستطيع معظم المرضى شراءها بسبب الوضع الاقتصادي الخانق.

لقد أدت الهجمات المستمرة ونقص الموارد إلى إضعاف المنظومة الصحية بشكل خطير، وذلك بعد تدمير 94٪ من المستشفيات وفق ما أعلنت منظمة الصحة العالمية، تبع ذلك إلحاق أضرار بالمستشفيات المتبقية التي تعمل جزئيًا، والعمل على تعطيل تقديم الخدمات الصحية الأساسية فيها.  تشير تقارير مجموعة الصحة في فلسطين التابعة للمنظمة إلى تعليق 16 نقطة طبية و11 مركزًا من مراكز الرعاية الصحية الأولية خدماتها أو إغلاق أبوابها في مدينة غزة خلال الفترة الزمنية 1 -23 سبتمبر، فيما أصبحت المستشفيات المتبقية مثقلة بحوادث الإصابات الجماعية، بمعدل 8 حوادث يوميًا لكل مستشفى.  ووفق المنظمة، تعمل مستشفيات الشفاء والأهلي في مدينة غزة بنسبة تزيد عن 300% من طاقتها الاستيعابية، مع تدفق مستمر للمرضى والجرحى لهذه المستشفيات. بذلك يفقد قطاع غزة في ظل الهجوم الإسرائيلي الحالي على مدينة غزة حوالي نصف سعة أسرة المستشفيات.3

وفي مؤشر خطير، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، يوم  الجمعة 26سبتمبر2025، أنها اضطرت إلى تعليق أنشطتها ومغادرة مدينة غزة بعد أن طوقت القوات الإسرائيلية المحتلة مقراتها وعياداتها في محيط مجمع الشفاء، وهو ما يعني تجريد آلاف المرضى من خدمات علاجية أساسية كانت تقدمها، الامر الذي يترك المرضى المتبقيين لمصير مجهول. ووفق المنظمة، وعلى الرغم من الهجوم المتصاعد، قدمت خلال الأسبوع الماضي أكثر من 3640 استشارة وعالجت 1655 شخصًا يعانون من سوء التغذية، وشملت الخدمات أيضًا المرضى الذين يعانون من إصابات خطيرة وحروق، بالإضافة إلى النساء الحوامل وغيرهم ممن يحتاجون إلى رعاية طبية مستمرة وغير قادرين على مغادرة المدينة.4

وقد صرح جاكوب جرينجر، منسق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في غزة: “لم يعد أمامنا خيار سوى وقف أنشطتنا، حيث تحاصر القوات الإسرائيلية عياداتنا” وأضاف “هذا هو آخر شيء أردناه، لأن الاحتياجات في مدينة غزة هائلة، حيث أن الأشخاص الأكثر ضعفاً – الأطفال في رعاية الأطفال حديثي الولادة، والذين يعانون من إصابات خطيرة وأمراض تهدد حياتهم – غير قادرين على الحركة ومعرضين لخطر جسيم”.

أمام هذه التطورات الخطيرة، يرى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن ما يجري بحق المنظومة الصحية في قطاع غزة، من استهداف مباشر للمستشفيات والكوادر الطبية وتجريد المرضى من حقهم في العلاج، إلى جانب حرمان المدنيين من الغذاء والماء والدواء، يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وجرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف الأربع، ويرقى إلى جريمة إبادة جماعية وفق المادة السادسة من اتفاقية منع جريمة الإبادة ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يتم استهداف المدنيين بصورة منهجية ضمن سياسة واضحة تهدف إلى تدمير حياتهم وسبل بقائهم. لذا فإن الصمت الدولي على هذه الجرائم، وغياب أي تحرك فعال لوقفها، يشكل تواطؤًا يفاقم من معاناة المدنيين ويعطي الاحتلال الضوء الأخضر للاستمرار في جرائمه كالمعتاد.

وعليه، يؤكد المركز على أن وقف إطلاق النار الفوري والمستدام، وضمان الوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية، وتوفير الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، وتمكين المرافق الصحية من العمل بشكل آمن، هي خطوات عاجلة لا تحتمل أي تأجيل إذا كان للعالم إرادة في منع انهيارًا كاملًا للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة ستكون نتائجه كارثية على حياة مئات الآلاف من المدنيين. ويطالب المركز بتوفير حماية دولية للمستشفيات والطواقم الطبية باعتبارها منشآت مدنية محمية، وفتح ممرات إنسانية آمنة للجرحى والمرضى، وإجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها النظام الصحي في غزة باعتبارها انتهاكات تشكل جزءًا من جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها السكان في قطاع غزة.


  1. افادة الطبيب حسن الشاعر، المدير الطبي لمجمع الشفاء الطبي، بتاريخ 26 سبتمبر2025. ↩︎
  2. إفادة الطبيب الصيدلي زكري أبو قمر، القائم بأعمال إدارة الصيدلة في وزارة الصحة، 25 سبتمبر2025. ↩︎
  3. منظمة الصحة العالمية، تحليل الوضع الصحي العام – الأراضي الفلسطينية المحتلة – سبتمبر، رابط إلكتروني ↩︎
  4. منظمة أطباء بلا حدود تضطر إلى تعليق أنشطتها وسط تكثيف الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة، 26 سبتمبر2025، رابط إلكتروني ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *