يتابع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بصدمة واستنكار بالغين القصف المشين الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم، الخميس الموافق 10 يوليو 2025، واستهدف تجمعًا للمواطنين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، لتقتل 15 منهم وتصيب العشرات، خلال انتظارهم الحصول على مكملات للأطفال من مؤسسة إنسانية عاملة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
هذه الجريمة ليست حادثًا عابرًا أو خطأ عسكريًا، بل تأتي في سياق سياسة إسرائيلية منهجية ونمطية، في قتل المدنيين المجوّعين وتكريس استخدام التجويع كسلاح حرب، وتجسيد نهج الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر تحويل نقاط توزيع المساعدات ومراكز الإغاثة إلى مصائد موت يومية، واستهداف من تبقى من الأطفال والأمهات في لحظة بحثهم عن فتات يسد رمق الجوع ويحافظ على حياتهم الهشة.
ووفق الشهادات التي حصل عليها طاقم المركز، فعند حوالي الساعة 07:10 صباحًا، أطلقت طائرة مسيّرة إسرائيلية صاروخًا على مجموعة من المواطنين المتجمعين أمام مقر مؤسسة Human Appeal، شمال مفترق الطيارة بمدينة دير البلح، ما أدى إلى مقتل 15 مواطنًا، بينهم 9 أطفال و4 سيدات، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة، بينهم عدد كبير من الأطفال وحالات حرجة، في جريمة تمثل واحدة من أبشع صور الاستهداف المتعمد لحياة المدنيين في قطاع غزة. والقتلى هم: أروى محمد سليمان أبو سماحة (32 عامًا) وشقيقها أحمد (37 عامًا) وطفلته ياسمين (عام و7 شهور)، ومحمد هلال عماد أبو حلحول (عام ونصف) والطفلان الشقيقان أمير وعمر حاتم إسحاق النوري (4 و10 أعوام) وابنة عمهما سما نضال إسحاق النوري (14 عامًا) والمعتز بالله سيق الدين “محمد مهدي” البهتيني (13 عامًا) وآية شرف محمد مشمش (3 أعوام) وجمال محمود يوسف بدر (16 عامًا) وشفاء موسى حسين أبو قطة (36 عامًا) وفاطمة رياض محمد عبد ربه (22 عاما)، ومحمود أحمد سلمان أبو بريك (24 عاما) وأحمد إبراهيم ياسين (17 عاما) ومنال أحمد ربيع عبد ربه (47 عاما).
تشير شهادات جمعها طاقم المركز إلى أن عشرات المواطنين، غالبيتهم من النساء والأطفال، كانوا قد تجمعوا منذ ساعات الصباح الأولى أمام بوابة Project Hope، وهي مؤسسة أمريكية تعنى بالصحة والإغاثة، لتسلُّم مكملات غذائية للأطفال، حين باغتتهم طائرة مسيرة إسرائيلية بقصف أمام مقر Human Appeal المجاور. وقد أكدت المصادر المحلية أن إحداثيات هذه المؤسسات الإنسانية معروفة مسبقًا للاحتلال الإسرائيلي، وتسلم بشكل دوري عبر القنوات الأممية والإنسانية.
وأفادت المواطنة دنيا عزمي سالم أبو حلحول (29 عاما) لباحث المركز:
“توجهت في حوالي الساعة 6:00 من صباح اليوم إلى مقر مؤسسة Project Hope، برفقة طفلي محمد (عام وأربعة أشهر) وعماد (9 أعوام)، بهدف استلام المكمل الغذائي المخصص للأطفال، والذي يُساهم في التخفيف من آثار الجوع الناتج عن النقص الحاد في المواد الغذائية، وعلى رأسها مادة الدقيق. جلست على الرصيف أمام مقر المؤسسة بانتظار فتح الأبواب في تمام الساعة 8:00 صباحًا، وكان هناك عدد من النساء وأطفالهن في المكان للغرض نفسه. وفي حوالي الساعة 7:10 صباحًا، وأثناء الانتظار، تعرض المكان للاستهداف من طائرات الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى فقداني الوعي في اللحظة ذاتها. استيقظت لاحقًا داخل مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، حيث أُبلغت باستشهاد طفلي محمد، وإصابة طفلي عماد بشظايا في الصدر والأطراف السفلية، إلى جانب إصابتي بشظايا في أنحاء متفرقة من جسدي، كما استُشهد وأُصيب العشرات من المواطنين في المكان ذاته.”
تظهر هذه الجريمة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستبيح دماء المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء، وأنها لا تفوّت فرصة للقتل والترويع حتى في لحظات انتظار الأطفال لما يسد رمقهم.
كما تأتي هذه الجريمة في سياق أوسع من الجرائم المماثلة التي تستهدف المدنيين المجوعين وتضرب بشكل نمطي ودون أي مبرر كل محاولات إيصال المساعدات، سواء من مبادرات مجتمعية أو منظمات محلية أو دولية، وقرب نقاط توزيع المساعدات في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الاحتلال والتي أسفرت حتى أمس عن مقتل 773 مواطنًا وإصابة أكثر من 5,101 آخرين منذ 27 مايو الماضي، وفق وزارة الصحة1.
يجدد المركز دعوته للمجتمع الدولي، إلى التحرّك العاجل للوقف الفوري للإبادة الجماعية، وضمان توفير حماية فاعلة للمدنيين، وضمان ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وعادل ويحفظ الكرامة الإنسانية، ويحذر بأنه ما لم يتحرك العالم فورًا، فإن المزيد من الأطفال والنساء سيسقطون، والمزيد من دماء الأبرياء ستُراق دون أي مبرر.
كما يطالب المركز بمساءلة ومحاكمة قادة الاحتلال عن هذه الجريمة وسابقاتها، التي تشكل نمطًا متصاعدًا من استهداف المدنيين في سياق سياسة الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير القسري.