يهدف هذا التقرير إلى إلقاء الضوء على القرار التي اتخذته سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي والقاضي بمنع المواطنين الفلسطينيين ممن تقع أعمارهم ما بين 16- 35، من السفر عبر معبر رفح الحدودي مع مصر. وذلك منذ تاريخ 16/4/2004 وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير. كما يسعى إلى لفت أنظار المجتمع الدولي ومؤسساته، خاصة تلك التي تعني بحقوق الإنسان، على سياسة سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي الوحشية التي تتبعها بحق المواطنين المدنين في الأراضي المحتلة، لا سيما سياسة الحصار و الإغلاق التي تفرضها تلك القوات منذ بداية الانتفاضة وحتى اللحظة. فضلاً عن ذلك، يحاول التقرير تفنيد الأكاذيب والادعاءات التي تروجها القوات الحربية عبر وسائل الإعلام والتي تفيد بأنها لم تعد تمنع المواطنين الفلسطينيين من الفئة المذكورة أعلاه من السفر عبر معبر رفح. كما يسعى هذا التقرير إلى تحليل الآثار المترتبة على استمرار العمل بهذا القرار، وذلك من منظور حقوق الإنسان.
الأوضاع الراهنة على معبر رفح
يعتبر معبر رفح المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، بعد تدمير قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي مطار غزة الدولي بتاريخ 14/2/2004[1]. ويقع المعبر في جنوب مدينة رفح، على الشريط الحدودي الذي يفصل الأراضي الفلسطينية عن أراضي جمهورية مصر العربية. و بتاريخ 9/10/2000، أغلقت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي معبر رفح. كما أغلقت جميع المنافذ والمعابر التي تصل قطاع غزة بالعالم الخارجي والضفة الغربية و إسرائيل. ووفقاً لتوثيق المركز، بلغ عدد الأيام الذي أغلق فيها المعبر بشكل كلي حوالي 193 يوماً، وذلك منذ بداية الانتفاضة وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير. فيما تم إغلاقه بشكل جزئي باقي الفترة المشار إليها. وبموجب إغلاق المعبر يمنع المسافرون من الحق في حرية التنقل والسفر من وإلى قطاع غزة، في انتهاك سافر لأبسط حقوق الإنسان. ولعل الإغلاق الأخير الذي تعرض له معبر رفح بتاريخ 18/7/2004، يعتبر الأطول منذ بداية انتفاضة الأقصى، حيث استمر قرابة تسع عشرة يوماً بشكل متواصل، مما خلق واقعاً إنسانياً لم تشهده المنطقة من قبل. وعلى الرغم من إعادة فتحه بتاريخ 6/8/2004، إلا أنه ما زال مهدداً بالإغلاق في أية لحظة.
وفي أيام الإغلاق الجزئي لا يعمل المعبر إلا بطاقة إنتاجية محدودة جداً، وصلت تقريباً إلى 20%. و بموجب ذلك وصل معدل المسافرين عبر المعبر حوالي 200مسافراً يومياً من المغادرين، و200 مسافراً من القادمين، من أصل حوالي 1000 مسافر في الأوضاع الطبيعية.[2] علاوة على ذلك تفرض تلك القوات إجراءات تعسفية وقيود مذلة على المسافرين، مما يخلق واقعاً مأساوياً داخل المعبر جراء تكدس آلاف المسافرين من القادمين والمغادرين على جانبي المعبر. هؤلاء المسافرون محرومون من التمتع بأبسط أنواع الخدمات التي تسد أدنى احتياجاتهم الأساسية. ولا يستثنى من ذلك الأطفال والشيوخ والنساء والمرضى أيضاً. وفي أوقات كثيرة يضطر المسافرون القادمون إلى قطاع غزة للمبيت داخل المعبر في الجانب المصري. وما فاقم من هذا الوضع هو، ما قامت به سلطات الاحتلال في وقت سابق، حيث أنهت أي وجود فلسطيني رسمي وغير رسمي عامل داخل المعبر وخارجه، سوى عدد من العمال ( سائقين وحمالين)، الأمر الذي جعل أفراد الشرطة وموظفي الجوازات الفلسطينيين ممارسة عملهم وإنجاز معاملات المسافرين الفلسطينيين في الشارع وداخل البيارات القريبة من المعبر، وكذلك داخل سيارات متحركة. هذا الواقع يزداد حدة في مواسم الحج والعمرة.وكذلك أوقات الزيارات والاجازات الصيفية.
و قد تصاعدت وتيرة هذه الإجراءات والقيود المجحفة التي تضعها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في الفترة ما بين بداية شهر أبريل 2004 وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير. وجراء ذلك، يشهد المعبر ازدحاماً أكثر شدة، حيث يتكدس آلاف المسافرين من القادمين إلى قطاع غزة أو المغادرين منه.
وفي خضم هذه المعاناة يأتي حرمان المواطنين من الفئة العمرية ما بين 16- 35 من السفر عبر معبر رفح، بموجب القرار الذي اتخذته حكومة الاحتلال والقاضي بمنع هذه الفئة من السفر بتاريخ 16/4/2004. ويأتي استهداف فئة الشباب في إطار السياسة الممنهجة التي تتبعها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وذلك لتدمير مستقبلها العلمي والعملي، لا سيما وأن معظم أفراد هذه الفئة هم من طلبة الجامعات والدراسات العليا والباحثين، وكذلك العاملين في الدول العربية والأجنبية، المضطرين إلى السفر، الأمر الذي يجعلهم عرضة للإبتزاز والمساومة من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلية، خاصة أن المعبر بشكله الحالي – عدم وجود موظفين فلسطينيين- يوفر فرصة للاحتكاك المباشر مع أفراد هذه الفئة.
ومما يزيد الوضع إيلاماً، أن السلطة الفلسطينية في تعاملها مع القرار الإسرائيلي عززت من معاناة المسافرين من هذه الشريحة، وذلك من خلال انتشار عمليات الواسطة والمحسوبية التي طغت على آلية وضع قوائم المسافرين والسماح لمن له واسطة أن يسافر قبل غيره بدون وجه حق. وما يعزز من حالة الفوضى على المعبر وجود كافة الأجهزة الأمنية الفلسطينية والتي تحاول أن تمشّي مصالحها بطريقتها الخاصة، إضافة إلى غياب سلطة معابر تقوم بتنظيم عملية السفر بطريقة منظمة، الأمر الذي عزز عملية أخذ القانون باليد من قبل مسلحين، حيث اعتدوا على عدد من العاملين على المعبر. وفي أكثر من مرة قام المسافرون بالإعراب عن غضبهم وسخطهم فسدّوا الطريق أمام السيارات المسافرة وحاولوا الوصول إلى المسئولين عن المعبر. كما نظموا مظاهرات احتجاج واسعة ضد الرشوة والمحسوبية على معبر رفح. متهمين المسئولين بالمرتشين والمحسوبية واحتكار السيارات من قبل الأجهزة الأمنية.
بدء العمل بالقرار الإسرائيلي
بتاريخ 16/4/2004، أبلغت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي المسيطرة على معبر رفح الارتباط الفلسطيني قراراً يمنع بموجبه المواطنون الفلسطينيون ممن تتراوح أعمارهم ما بين 16-35 عاماً من السفر عبر معبر رفح على الحدود المصرية الفلسطينية، ويعتبر معبر رفح المنفذ الوحيد لقطاع غزة على العالم الخارجي بعدما هدمت قوات الاحتلال مطار غزة الدولي بتاريخ 14/2/2001.
وفي حينه شكل القرار الإسرائيلي خطوة تصعيدية لإجراءات الحصار والإغلاق المشددة التي تفرضها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على مناطق السلطة الفلسطينية. وقد شمل القرار كلا الجنسيين، أي ما نسبتهم حوالي 13% من المجموع الكلي للسكان في قطاع غزة، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء. وبموجب ذلك حرم عشرات المرضى الذين كانوا يضطرون إلى السفر خارج البلاد لتلقي العلاج نظراً لتردي الأوضاع الصحية، ونظراً لعدم توفر الإمكانيات الضرورية لعلاج بعض الأمراض مثل السرطان. و كذلك حرم القرار مئات الطلاب الدارسين في الجامعات خارج قطاع غزة. جدير بالذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي عادت بعد مضي شهر على القرار وسمحت للنساء من الفئة المذكورة بالسفر عبر المعبر. وبموجب القرار استلزم من أي شخص يتراوح عمره بين 16-35، الحصول على إذن مسبق ( تنسيق) من مكتب الارتباط الواقع في معبر إيرز. وفي معظم الحالات كانت تستغرق عملية التنسيق وقتاً طويلاً قد تصل إلى أسبوعين أو ثلاث أسابيع.
بتاريخ 9/8/2004، ادعت سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بأنها ألغت القيود المفروضة على سفر هذه الشريحة من المواطنين، وعليه توجه آلاف الأشخاص الذين كانوا بانتظار رفع الحظر عن سفرهم إلى معبر رفح. لكنهم أعيدوا ثانية، حيث لم تسمح لهم سلطات الاحتلال بالمرور، ولا يزال هؤلاء الأشخاص يعانون من ذلك، فالواقع يشير ويؤكد على أن هذا القرار ما زال ساري المفعول من الناحية العملية حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
ووفقاَ للمعلومات التي حصل عليها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي تدعي بأنه لا يوجد لدى الحكومة الإسرائيلية قراراً سياسياً يمنع المواطنين ممن تقع أعمارهم ضمن الفئة 16-35، من السفر عبر معبر رفح. وكل ما هنالك أنه يجب أن يخضع هؤلاء المواطنون إلى فحوصات أمنية وإجراءات تفتيش معقدة داخل المعبر، مما يستدعي من الجانب الفلسطيني تقديم كشوفات للذين ينوون السفر. هذا الأمر رفضه الجانب الفلسطيني وفقاً لادعاءات سلطات الاحتلال.
القرار السابق كان متساوقاً مع سياسة الحصار والإغلاق التي تفرضها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر 2000، وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، حيث تقوم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بإغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر بين الفترة والأخرى. ووفقاً لما تدعيه تلك القوات، أن الإغلاق يأتي كرد فعل على أحداث معينة أو كإجراء وقائي لمنع حدوث هجمات، أو لمنع تهريب الأسلحة، وغيرها من المبررات التي ليس لها أساس من الصحة في معظم الأوقات. وبموجب هذا الإغلاق التي تقوم به قوات الاحتلال يمنع آلاف المواطنين من سكان قطاع غزة من حرية التنقل والسفر من وإلى قطاع غزة. وفي كل مرة يترك هذا الإغلاق آثاراً سلبية تمس مجمل الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحوالي مليون ونصف المليون، هم سكان قطاع غزة.
جدير بالذكر أن قوات الاحتلال كانت قد اتخذت قراراً مماثلاً في العام 2003، يقضي بمنع المواطنين الفلسطينيين ممن تتراوح أعمارهم ما بين 16- 35 عاماً من السفر عبر معبر رفح على الحدود المصرية الفلسطينية. و بموجب ذلك حرمت هذه الفئة من السفر عبر المعبر، وذلك ابتداءً من 8/1/2003 – 3/3/2003، حيث ألغي العمل بالقرار لمدة أسبوع، لتعود قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى وضع شروط جديدة، من بينها أن لا يتجاوز عدد المسافرين من هذه الفئة 40 مسافراً على أن يتم توزيعهم على أربع حافلات في كل حافلة 10 مسافرين، إضافة إلى مقابلتهم من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية المتواجدة في المعبر. يشار أيضاً إلى أن القرار السابق كان قد استثنى فئة النساء.
الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة ومسئولية سلطات الاحتلال تجاه السكان المدنيين
منذ أن احتلت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، في حرب عدوانية في العام 1967م، قامت بفرض حكمها العسكري عليها. ومنذ ذلك التاريخ والمجتمع الدولي يقر ويؤكد على أن القوات الإسرائيلية هي قوة احتلال حربي وأن الأراضي الفلسطينية هي أراض محتلة، وأن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب للعام 1949، تنطبق عليها قانوناً، وأن سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ملزمة بتطبيق أحكام الاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورغم ذلك فإن سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي أمعنت في انتهاكها وبشكل منظم لأحكام الاتفاقية ومجمل قواعد القانون الدولي فيما يتعلق بإدارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة وعلاقتها بالسكان الفلسطينيين المدنيين الذين يخضعون للحماية.
جدير بالذكر أن القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة تهدف لتوفير الحماية لضحايا الحروب وتحديدا للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، لذا فهي تؤكد على أن دولة الاحتلال ليست مطلقة اليدين في استخدام ما تشاء من القوة أو الإجراءات أو السياسات في إدارتها للأراضي المحتلة، ويجب على الدوام أن تراعي إلى أقصى حد مصالح السكان المدنيين وحماية ممتلكاتهم وألا تغير من الوضع القانوني لتلك الأراضي.
عدم قانونية القرار الإسرائيلي
انطلاقاً مما تمت الإشارة إليه، يعتبر القرار التي اتخذته قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي والقاضي بمنع المواطنين الذين يقعون ضمن الفئة العمرية بين 16-35، جزءَ من سياسة الحصار التي تفرضها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية. كما يعتبر شكلاً من أشكال العقوبة الجماعية التي يحظرها القانون الدولي الإنساني، خاصة أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. فالمادة 33 من الاتفاقية المشار إليها “تحظر على قوات الاحتلال الحربي القيام بمعاقبة الأشخاص المحميين على جرائم لم يرتكبونها، كما تحظر على تلك القوات اتخاذ تدابير اقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم”[3].
وتؤكد المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على حق كل شخص في التنقل والحركة، وتنص المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966، “على حق كل شخص يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما في حرية التنقل واختيار مكان إقامته، وحقه في حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده” [4]. كما تتناقض هذه الأعمال العدوانية غير المبررة مع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966، بموجب المادة (1)، حيث تنص على أنه “لا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.”[5]. وبموجب المادة (5) من نفس العهد ” تحظر على أي دولة أو جماعة أو شخص مباشرة أي نشاط أو القيام بأي فعل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد…”[6].
علاوة على ذلك اعتبرت لجنة مناهضة التعذيب[7]، أن سياستي الحصار وهدم المنازل اللتين تمارسهما قوات الاحتلال تشكلان انتهاكا للمادة (16) من اتفاقية منع التعذيب و المعاملة القاسية والحاطة بالكرامة، ولا يمكن تبرير استخدام هاتين السياستين تحت أي ظرف من الظروف. إن أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ملزمة لدولة الاحتلال الحربي الإسرائيلي كونها طرفاً في معظم الاتفاقيات الدولية.
ملخص للآثار المترتبة على استمرار القرار الإسرائيلي
عدا عن أن القرار الإسرائيلي سابق الذكر يشكل انتهاكاً لحق المواطنين في حرية الحركة والتنقل، فإنه أيضاً يؤدي إلى انتهاكات عديدة في مجمل الحقوق الأخرى. يتناول هذا الجزء الآثار المترتبة على استمرار العمل بهذا القرار على تمتع المواطنين الفلسطينيين بحقوقهم المدنية والسياسية، فضلاً عن تمتعهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. تلك الحقوق التي كفلها القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وفيما يلي إبراز لهذه الانتهاكات نذكرها على سبيل التوضيح وليس الحصر:
شكل القرار الإسرائيلي القاضي بمنع المواطنين الذين يقعون ضمن الفئة العمرية ما بين 16-35، انتهاكا فاضحا للحق في التعليم، لا سيما المادتين (13، 14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لا سيما وأن معظم الطلاب يقعون ضمن هذه الفئة. وبالنظر إلى التحاق الآلاف من الطلبة الفلسطينيين للدراسة الجامعية خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وباستمرار قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي العمل بالقرار المشار إليه أعلاه، تحرم تلك القوات هؤلاء الطلبة من حقهم في الوصول إلى جامعاتهم. كما تلجأ إلى مساومة الطلاب المغادرين من قطاع غزة، وإخضاعهم للتحقيق. كذلك تقوم بمنعهم من السفر لتفويت فرصة التحاقهم بجامعاتهم. ووفقاَ لمعلومات وزارة الشئون المدنية أن حوالي 1500 طاباً توجهوا للوزارة لعمل تنسيق لهم من أجل التمكن من السفر، إلا أن سلطات الاحتلال لازالت ترفض طلباتهم. جدير بالذكر أن سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي قد أوقفت منذ شهر أي تنسيق مع الجانب الفلسطيني بهذا الخصوص. وتدعي تلك السلطات أنه لا يوجد قرار سياسي لدى حكومة الاحتلال بقيد بمنع هذه الفئة من المواطنين، والأمر كله متروك للمخابرات الإسرائيلية التي اشترطت بأن تسمح بمرور اثنين فقط في كل حافلة حتى تتمكن من استجوابهما داخل المعبر.
الطالب (م.ط)، يبلغ من العمر 29 عاماً، من سكان مدينة غزة، ويعمل محاضراً في جامعة الأزهر. المذكور طالب دراسات عليا في معهد البحوث والدراسات العربية. منذ شهرين حاول السفر عبر معبر رفح إلى مصر لمناقشة رسالة الدكتوراه، إلا أن قوات الاحتلال لم تسمح له بالمرور لأن عمره أقل من 36 عاماً. حاول عدة مرات عمل تنسيق عبر الارتباط المدني الفلسطيني لكن دون جدوى. وما زال المواطن ينتظر السماح له بالمرور حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
والطالب ( أ.ح)، يبلغ من العمر 28 عاماً، من سكان مدينة غزة، حي الزيتون، ويعمل مدرساً في وكالة الغوث الدولية. المذكور طالب دراسات عليا في معهد البحوث والدراسات العربية. منذ شهر يونيو 2004، حاول السفر عبر معبر رفح إلى مصر لمتابعة دراسته مع مشرفه الأكاديمي في المعهد، إلا أن قوات الاحتلال لم تسمح له بالمرور لأن عمره أقل من 35 عاماً. حاول عدة مرات عمل تنسيق عبر الارتباط المدني الفلسطيني لكن دون جدوى. وهذا سوف ينعكس سلباً على الطالب في وقت لاحق. لاسيما وأن وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطيني تشترط على طلاب الدراسات العليا الإقامة في البلد التي يدرسون فيها مدة 8 شهور. وكثير من الطلاب خاصة الموظفين في الأراضي المحتلة يستغلون إجازتهم السنوية لتحقيق ذلك الشرط.
والطالب (أ. ص)، ويبلغ من العمر 25 عاماً، و من سكان خان يونس. يقول: إنه سلّم جواز سفره منذ أربعة أيام ولم يحن موعد سفره حتى هذه اللحظة. وأضاف أنه يريد الذهاب إلى الجزائر لإعداد رسالة الماجستير، وإذ لم يسافر خلال خمسة أيام فإن إقامته ستنتهي وبالتالي لن يسمحوا له بمغادرة المعبر.
وطالب آخر (م.ن)، ويبلغ من العمر 20عاماً، ومن سكان مدينة غزة. يقول: دفعت 3000$ رسوم للجامعة، ولم أتمكن من السفر حتى اللحظة، والعام الدراسي قد بدأ ، وأخشى أن لا أتمكن من اللحاق بالفصل الدراسي، وان يؤدي هذا التأخير إلى رسوبي.
أدت الإجراءات الإسرائيلية المفروضة على معبر رفح لاسيما القرار المشار إليه أعلاه، إلى انتهاكات جسيمة في تمتع المواطنين الفلسطينيين بالحق في الصحة. وتمنع القوات الحربية الإسرائيلية المرضى من حقهم في تلقي العلاج خارج الوطن. و تستمر في عرقلة سفرهم، ويجبر العشرات منهم على إجراء مقابلات مع ضباط الأمن الإسرائيلي. فوفقاً للمعلومات التي حصل عليها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، يوجد حوالي 700 حالة مرضية منعت من السفر لتلقي العلاج بالخارج. جدير بالذكر أن هذا العدد من الحالات هي التي تقدمت لعمل تنسيق من خلال الارتباط في أوقات سابقة. و أن هناك مئات غيرهم ممن لم يتقدموا للحصول على تنسيق نتيجة توقف الجانب الإسرائيلي عن التعامل مع الارتباط الفلسطيني بهذا الجانب منذ حوالي شهر، الأمر الذي حذا بالارتباط عدم تلقي طلبات المواطنين الذين يتقدمون لعمل تنسيق. معظم هذه الحالات تعاني من مرض السرطان والقلب والعظام. وهذه الأمراض لا يوجد لها علاج داخل الأراضي الفلسطينية، نظراً لمحدودية الإمكانيات المتوفرة لدى وزارة الصحة الفلسطينية. فضلأ عن ذلك، قد يتعرض المسافرون المرضى أو ذويهم لاعتقالات من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. إن هذه الإجراءات تؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للمرضى.مما قد يترتب على استمرار منعهم وتوقف العلاج عنهم أن يفقدوا حياتهم.
تشكل الإجراءات السابقة انتهاكاً لكافة المعايير الدولية للحق في الصحة وفق ما جاء في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما البند الثاني من المادة (12 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام (1966)، والتي تؤكد على ضرورة أن ” تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق …(د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض”.
يعمل آلاف الفلسطينيين في بعض الدول العربية والأجنبية بوظائف شتى. وفي كل عام يعود أعداد كبيرة منهم لزيارة أسرهم وأهلهم في قطاع غزة. وجراء استمرار منع الفئة ما بين 16-35 من السفر عبر المعبر، يفقد العديد من هؤلاء العاملين وظائفهم وإقامتهم في الدول التي يعملون بها. ويشكل ذلك انتهاكاً واضحاً لحق هؤلاء في العمل. ووفقاً لمصادر الشئون المدنية في السلطة الوطنية الفلسطينية، هناك مئات الحالات من الذين يعملون في الدول العربية جاءوا لزيارة أقاربهم، ولم يتمكنوا من العودة بسبب استمرار قوات الاحتلال منع هذه الفئة من السفر. هؤلاء انتهت إقامتهم في الدول العربية، و باتوا مهددون بفقدان وظائفهم وأعمالهم.
المواطن (ح. أ) من مخيم جباليا يقول: إنه أمضى أكثر من عشرين يوماً وهو يراجع الارتباط بانتظار السماح له المرور عبر المعبر متوجهاً إلى فرنسا لمتابعة عمله، ولم يتبق على انتهاء إقامته سوى أسبوع فقط، ويخشى أن تنتهي دون التمكن من السفر وبالتالي يفقد عمله.
و المواطن (ع.ب) من سكان دير البلح، يعمل في المملكة العربية السعودية، ويبلغ من العمر 28 عاماً. جاء هذا الصيف لزيارة أهله. ومنذ أكثر من شهرين يحاول العودة إلى السعودية، ولكنه لم يتمكن من السفر رغم المحاولات العديدة للتنسيق مع الارتباط. وكونه حاصل على عقد عمل جديد يخشى هذا المواطن من فقدان فرصة عمله في حال استمرار منعه من السفر.
خلال انتفاضة الأقصى، وجراء تحكم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في معبر رفح، حرم المئات من مواطني قطاع غزة من حقهم في ممارسة الشعائر الدينية. فقد منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مدار سنتين متتاليتين، هما 2002، 2003م، عدداً كبيراً من الحجاج الفلسطينيين في قطاع غزة من السفر إلى الديار الحجازية، في المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج. هؤلاء الحجاج كانوا من ذوي شهداء انتفاضة الأقصى الحالية. علاوة على عدد من الحجاج الذين منعتهم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بدعاوى أمنية.[8] وكذلك شملت عملية المنع المواطنين ممن هم ضمن الفئة العمرية ما بين 16 وحتى 35 عام. من ناحية أخرى، فإن استمرار القرار الإسرائيلي سوف يحرم المواطنين ممن يقعون ضمن هذه الفئة من حقهم في السفر إلى الديار الحجازية في المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، خاصة وان موعد قدوم شهر رمضان المبارك قد اقترب، وكثير من المسلمين يحبذون السفر لأداء العمرة في هذا الشهر.
وتشكل عملية منع الحجاج والمعتمرين الفلسطينيين انتهاكا صارخاً لحق الإنسان في حرية الفكر والوجدان والدين، وخاصة حقه في إظهار دينه والتعبد وإقامة الشعائر الدينية وممارستها وتعلمها إما بشكل منفرد أو بالاشتراك مع جماعة، وعلانية أم في السر. وتتنافي هذه الممارسات مع أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
الخلاصــة
بعد مرور حوالي 47 شهراً على الحصار الشامل الذي تفرضه قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة تستمر معاناة الشعب الفلسطيني وتتدهور ظروفه المعيشية بصورة غير مسبوقة وغير محتملة. كما يعيش المواطنون في قطاع غزة حالة من الإحباط والقهر جراء الممارسات القمعية وسياسة التجويع والعقاب الجماعي التي تمارسها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. وعلى مدار خمس شهور متتالية على القرار الإسرائيلي القاضي بحرمان المواطنين من الفئة العمرية ما بين 16-35 من السفر عبر معبر رفح. تستمر معاناة فئة الشباب وتزداد خشيتهم من تدمير مستقبلهم العلمي والعملي، لا سيما وأن معظم أفراد هذه الفئة هم من طلبة الجامعات والدراسات العليا والباحثين.
وإزاء ذلك يكرر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مطالبته بوقف سياسة الحصار والتجويع ضد أبناء الشعب الفلسطيني. كما يناشد الهيئات والمنظمات الدولية لممارسة ضغوطها على حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أجل الكف عن احتجاز أكثر من 3 مليون فلسطيني رهائن لديها دون مبرر. لقد أصبح الوضع كارثيا بشكل غير معقول وغير مسبوق منذ الاحتلال الإسرائيلي في 5 يونيو / حزيران 1967م.
التوصيــات
إلى سلطات الاحتلال:-
1. التوقف الفوري عن فرض الحصار والإغلاق الشامل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال رفع الحواجز العسكرية المضروبة على الطرقات الرئيسية والفرعية.
2. رفع كافة أشكال القيود والعراقيل المفروضة على المعابر، لاسيما معبر رفح البري على الحدود المصرية الفلسطينية.
3. رفع القيود عن المواطنين الفلسطينيين التي تتراوح أعمارهم بين 16-35، والسماح لهم بحرية الحركة والتنقل عبر معبر رفح البري.
4. الكف فوراً عن سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق المواطنين الفلسطينيين.
إلى المجتمع الدولي:-
1- إلزام إسرائيل باحترام الاتفاقيات الدولية والانصياع إلى قرارات الشرعية الدولية.
2- الضغط على إسرائيل لإجبارها على رفع الحصار فورا عن الشعب الفلسطيني، ووقف عدوانها الهمجي وغير المبرر عليه وعلى ممتلكاته.
3- تفعيل آليات التدخل الفوري والعاجل من قبل هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها، ومن قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتأمين مرور الحالات المرضية الأكثر إلحاحاً.
4- اتخاذ خطوات فعالة من جانب الاتحاد الأوروبي بموجب المادة الثالثة من اتفاقية الشراكة الأوربية الإسرائيلية التي تشترط احترام إسرائيل لحقوق الإنسان.
5- إخضاع قادة ورؤساء دولة الكيان الإسرائيلي لمحاكمة دولية كمجرمي حرب يواصلون ارتكاب جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني.
[1] مطار غزة الدولي:يقع مطار غزة الدولي جنوب شرق مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، وقد تعرض المطار للإغلاق المتكرر منذ بداية انتفاضة الأقصى، كما تعرض للتجريف والتدمير على يد قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. وقد أدى إغلاق وتدمير مطار غزة الدولي وهو المنفذ الجوي الوحيد للأراضي الفلسطينية إلى توقف العمل فيه كليا أمام نقل البضائع والمسافرين منذ يوم الأربعاء الموافق 14/2/2001م، وحتى الآن، مما زاد من حجم الخسائر الفلسطينية سواء على مستوى التجار أو على مستوى شركة الطيران الفلسطينية التي توقفت عن العمل جراء ذلك. عدا عن ذلك، فقد أدى تدمير مطار غزة الدولي إلى تفاقم القيود على حرية الحركة والتنقل، حيث أصبح المواطنون الفلسطينيون يعتمدون على معبر رفح البري الذي عادة ما يشهد ازدحاماً شديداً بالمسافرين.
[2] للمزيد، يمكن النظر إلى نشرة الإغلاق الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة، الأعداد من 22-46، الصادرة علن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
[3] اتفاقيات جنيف الرابعة، المؤرخة في12 آب/أغسطس 1949، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ص198.
[4] حقوق إنسان، مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول ( نيويورك، الأمم المتحدة، 1993)، ص35.
[5] المرجع السابق، ص12.
[6] المرجع السابق، ص14.
[7] تعتبر لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب من إحدى أهم آليات وأجسام الأمم المتحدة لمراقبة مدى التزام دول العالم باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وقد تشكلت اللجنة تطبيقا للمادة (17) من اتفاقية منع التعذيب والمعاملة السيئة والحاطة بالكرامة. جدير بالذكر أن هذه الاتفاقية قد عرضت على الدول للتصديق عليها بتاريخ 10/12/1984، ودخلت حيز التنفيذ بعد أن صادقت عليها 58 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتاريخ 26/6/1987.
[8] يحتفظ المركز الفلسطيني بقائمة الحجاج الذين تم منعهم من أداء فريضة الحج.