يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات هجوم مستوطنين إسرائيليين مسلحين على بلدة بيتا جنوب محافظة نابلس شمال الضفة الغربية، بالتزامن مع موسم قطف الزيتون، ما تسبب بإصابة 35 مواطنًا، بينهم 3 سيدات، وإحراق 17 مركبة، بينها مركبة صحفي، في إطار العنف الذي ترعاه حكومة الاحتلال الإسرائيلي في عموم الضفة الغربية.
وتأتي هذا الجريمة في سياق واسع من أعمال عنف يرتكبها مستوطنون بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهي تتكرر بسبب سياسة الإفلات من العقاب، والحماية التي يحظى بها المستوطنون، في دولة الاحتلال، ضمن سياسة أوسع نطاقاً تستهدف الإحلال والتغيير الديمغرافي والإبقاء على سيطرة إسرائيل وهيمنتها على الضفة الغربية واستكمال مخطط التطهير العرقي للفلسطينيين.
ووفق إفادات شهود العيان والمعلومات التي توفرت لطاقم المركز، فعند حوالي الساعة 07:30 صباح يوم الجمعة الموافق 10/10/2025، نفذت مجموعة من المستوطنين انطلاقاً من “البؤرة الاستيطانية الرعوية” المقامة جنوب شرقي بلدة بيتا، جنوب شرقي محافظة نابلس، هجوماً على عائلة فلسطينية مكونة من خمسة أفراد، بينهم مسنان وسيدة، واعتدوا عليهم بالضرب بالهراوات والبلطات والحجارة، ما تسبب في كسر جمجمة أحدهم وإصابات في الجسم، فيما أصيب أحد المسنين بجرح كبير في رأسه وكدمات في جسمه، وأصيب شاب ووالدته المسنه وشقيقته بكدمات في الجسم.
وفي حوالي الساعة 11:30 صباح اليوم نفسه، هاجمت مجموعة من المستوطنين بعدد أكبر زاد عن 80 مستوطناً على مجموعتين، منهم ثلاثة مسلحين بمسدسات ويضعون أقنعة، المزارعين الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب والصحفيين الذين يغطون الأحداث في تلك المنطقة واعتدوا بالضرب على 30 موطناً، أحدهم أصيب بالرصاص في قدمه، وأضرموا النار في 16 مركبة فلسطينية، احداها للصحفي جعفر شتية مراسل وكالة الانباء الفلسطينية، وأضرموا النار في تكتك لبلدية بيتا.
وفي إفادته لطاقم المركز، أفاد الصحفي جعفر شتية أنه خلال تغطيته للأحداث وتصويره المستوطنين الذين يعتدون على المزارعين والمتضامنين الأجانب من مسافة 500 متر تقريبا، فوجئ بقيام المستوطنين بالالتفاف من جهة أخرى والوصول إلى منطقة تواجده مع بعض الصحفيين وعشرات المزارعين واعتدوا عليهم بالحجارة ففر هارباً من مكانه نحو منحدر رغم إصابته ببعض الحجارة في ظهرة ويده اليسرى والألم الشديد الذي انتابه حتى وصل إلى سيارة إسعاف للإغاثة الطبية ودخل لها على بعد 300 متر من مكان تواجده وبعد صعوده إلى مركبة الاسعاف توجهت إلى الجهة التي كان موجوداً فيها فشاهد مركبتين أمام مركبته والثانية خلفها تحترقان بفعل المستوطنين، أما مركبته فقد تحطم زجاجها بالكامل فطلب من سائق الاسعاف التوقف لأخذ مفاتيحها، وخلال ذلك فوجئ بهجوم المستوطنين عليه مجددا، حيث ألقوا شعلة نارية تجاه المركبة واحترقت بالكامل.
هذه الجريمة ليست عرضية أو معزولة، بل تأتي في سياق تصعيد كبير في عنف مليشيات المستوطنين التي جرى تسليحها ورعايتها من كبار الوزراء في حكومة الاحتلال الإسرائيلي. وأسفرت هذه الاعتداءات منذ بداية العام عن مقتل 12 مدنيا فلسطينيا، وإصابة العشرات بجروح مختلفة. كما قتل العديد من المواطنين برصاص قوات الاحتلال خلال تأمينها اعتداءات المستوطنين في أرجاء متفرقة من الضفة الغربية.
يؤكد المركز أنّ هذه الجرائم تعكس سياسة منهجية تجري بحماية قوات الاحتلال وتواطؤ القضاء الإسرائيلي الذي يمتنع كالعادة عن اتخاذ أحكام رادعة بحق المستوطنين، فيما تجري كل أعمال العنف بهدف تفريغ الأرض من سكانها الأصليين لحساب التوسع الاستيطاني غير المشروع، الذي يشكل جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي.
تدلل هذه الجرائم أن الاحتلال الإسرائيلي ومليشياته الاستيطانية يمارسون نظام عنف مزدوج يستهدف الوجود الفلسطيني بوسائل القتل والتدمير والمصادرة والطرد القسري والترهيب، ولا يمكن مواجهة هذا النظام دون تدخل دولي حازم وجاد.
يذكر المركز بقرار محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024، الذي أكد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، هو غير قانوني، وألزم دولة الاحتلال بإنهاء وجودها غير المشروع فورًا، ووقف جميع الاعتداءات الاستيطانية، بما في ذلك إخلاء المستوطنين من الأراضي المحتلة.
يعيد المركز التأكيد أنّ هذه الجرائم تتطلب ضرورة التحرك الفوري والفعّال لوقف جرائم الاحتلال والمستوطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإنهاء نظام الفصل العنصري الذي تفرضه إسرائيل على الشعب الفلسطيني.
ويدعو المركز إلى التحرك الجاد لمساءلة مرتكبي جرائم الحرب أمام العدالة الدولية، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، وحماية المدنيين الفلسطينيين ووقف جميع أشكال الدعم الدولي لإسرائيل التي تُمكّنها من الاستمرار في سياساتها العنصرية والاستعمارية.