مايو 17, 2018
المساءلة والمحاسبة هما الضمانة لوقف انتهاكات القانون الدولي ضد المتظاهرين السلميين
مشاركة
المساءلة والمحاسبة هما الضمانة لوقف انتهاكات القانون الدولي ضد المتظاهرين السلميين

تصاعدت في الآونة الأخيرة انتهاكات القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة في اعقاب العديد من التطورات السياسية والتي باتت تهدد بإنهاء حق الفلسطينيين في تقرير المصير والعودة، وما واكب  ذلك من تشديد للحصار على قطاع غزة، حتى بات على شفا الانهيار الكامل.  أفرزت هذه التطورات حراكاً على المستوى الشعبي في قطاع غزة يطالب بحق العودة وإنهاء الحصار المفروض على القطاع، انطلق بتاريخ 30 مارس 2018.

انطلقت مسيرات بشكل يومي منذ ذلك التاريخ في خمسة مناطق بمحاذة خط الهدنة في قطاع غزة، والتي تصنف بمناطق مقيدة الوصول يحظر الاحتلال الاسرائيلي الوصول لها.  واتخذت المسيرات طابع المقاومة الشعبية السلمية والتي  تهدف إلى ايصال رسائل للعالم، أبرزها المطالبة بعودة من هجروا من مدنهم وقراهم من قبل العصابات الصهيونية في العام 1948 وفق ما قررته الجمعية العامة في حينه في قرارها 194.  وتزداد وتيرة هذه المسيرات في يوم الجمعة من كل اسبوع، بمشاركة من مختلف فئات المجتمع بمختلف الاعمار والانتماءات، وتتضمن أنشطة ثقافية وفلكلورية، وفي بعض الاحيان يتخللها اشعال للإطارات وقيام الشباب الصغير بإلقاء الحجارة التي لا يمكن أن تصل بأي حال إلى أماكن وجود جنود الاحتلال، ولا تهدد حياتهم بأي شكل أو مستوى.

وقد ووجهت هذه المسيرات منذ بدايتها باستخدام مفرط للقوة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي حيث قتلت قوات الاحتلال 13 مدنيا في يومها الأول وجرحت (1031) آخرين بدم بارد، بينهم (218) طفلاً، و(34) امرأة، دون أن يشكلوا أي خطر على الجنود الاسرائيليين في جريمة صدمت الضمير الإنساني، ووجهت بالشجب من أغلب دول العالم.  وفي حينها، عرقلت الولايات المتحدة صدور قرار من مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق في الاحداث، باستخدام حق النقض (الفيتو).

وفي اعقاب ذلك استمرت الانتهاكات على وتيرتها ضد مسيرات العودة، بل أن جيش الاحتلال في أكثر من تصريح على لسان قادته اصر على الاستمرار في التعامل مع التظاهرات الفلسطينية السلمية بنفس تعليمات اطلاق النار، والتي تعتبر مجرد الاقتراب من السياج  مبرر كافي للقتل، بل أكد قادة الجيش الاسرائيلي في تغريدات على مواقع التواصل إنه سيستهدفون أي محرض (Provocative) في المسيرات.

وقد وصلت الانتهاكات إلى ذروتها يوم افتتاح السفارة  الأمريكية في القدس المحتلة بتاريخ 14 مايو 2018، حيث تصاعدت حدة التظاهرات نتيجة لتنفيذ قرار الولايات المتحدة الأمريكية اللاقانوني بنقل سفارتها لدى اسرائيل إلى القدس المحتلة عام 1967، والتي توافق أيضاً ذكرى النكبة الفلسطينية بتشريد الفلسطينيين من أراضيهم واعلان قيام دولة اسرائيل عليها.  وقد اسفر استخدام الرصاص الحي والقصف المدفعي ضد المتظاهرين السلميين والغازات الخانقة عن قتل (42) مدنياً فلسطينيا، بينهم 5 اطفال، وجرح (1500) مدنياً أخراً، في قطاع غزة في يوم واحد، ليرتفع بذلك عدد القتلى المدنيين منذ بداية مسيرات العودة إلى (86) شخصاً، بينهم (12) طفلاً، و(2) صحفيين، و(3) اشخاص من ذوي الاعاقة.  وكذلك ارتفعت اعداد الاصابات إلى (5106)، بينهم ( 860) طفلاً، (158) امرأة، و(29) مسعفاً.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ينظر بقلق إلى مجريات الاحداث في الأرض المحتلة، ويؤكد من متابعته الأحداث في الميدان عن كثب أن المظاهرات في أماكنها الخمس المعتادة (حيث خيم العودة الرمزية) كانت في حالة مدنية كاملة، ولم يكن ضمن المتظاهرين أي مسلحين، ولم يشكلوا أي خطر على الجنود الاسرائيليين.  كما يؤكد المركز وفق متابعته أن استهداف الاحتلال للمتظاهرين كان بدم بارد، وايقاع الخسائر كان متعمدا، على الأرجح لقمع التظاهرات ومنعها.

وكان مجلس الأمن قد عقد جلسة تشاورية طارئة أمس الثلاثاء نوقشت خلالها الانتهاكات الصارخة واعمال القتل بدم بارد التي مارسها الاحتلال الاسرائيلي ضد المتظاهرين المحتجين في قطاع غزة على نقل السفارة الأمريكية والمطالبين بحق العودة إلى مدنهم التي هجروا منها هم وأجدادهم في العام 1948.  ومن المنتظر أن يتم التصويت في الأيام القادمة على مشروع لتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال.

وعلى صعيد آخر، يؤكد المركز أن تحرك المحكمة الجنائية الدولية من خلال فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في الأرض المحتلة بات ضرورة ملحة في هذا الوقت من أجل مقاومة ثقافة الحصانة التي باتت تشجع سلطات الاحتلال على الاستمرار في ارتكاب جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، والذي تشارك فيه وبشكل مباشر إدارة الرئيس الأمريكي ترمب من خلال الدعم اللامشروط للاحتلال، والذي وصل لمرحلة لمحاولة احباط أي قرار ضد الجرائم الاسرائيلية.

وجدير بالذكر أن الرئيس الفلسطيني قد وقع قرار احالة الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية منذ العام 2014 إلى المحكمة الجنائية الدولية.   ويمثل هذا القرار طلب رسمي من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في هذه الجرائم.  وإن كانت الاحالة غير ملزمة للمحكمة لفتح تحقيق، الا أن الرفض في هذه الحالة يجب أن يكون مسبب، وفي كل الاحوال يكون قابل للطعن أمام الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية، وذلك  بموجب المادة (53) فقرة (3).

ويدعم المركز التحركات الرامية إلى دفع مجلس حقوق الإنسان والذي سينعقد غداً لتشكيل لجنة تحقيق دولية  في الجرائم الاسرائيلية ضد المتظاهرين في مسيرات العودة.  وهي خطوة في الاتجاه الصحيح ستساعد في تعزيز الجهود لملاحقة مجرمي الحرب  الإسرائيليين من خلال المحكمة الجنائية الدولية، وخاصة إن المحكمة قد فتحت تحقيقاً أولياً في الأحداث الجارية في قطاع غزة منذ 8 ابريل 2018.

كما ويدعم المركز قرار القيادة الفلسطينية بالمضي قدما في اللجوء لمحكمة العدل الدولية لطلب رأياً استشارياً يتعلق بقانونية نقل السفارة الأمريكية إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، في مخالفة للعديد من القرارات الدولية، ورأي استشاري سابق للمحكمة في العام 2004، والتي أكدت جميعها على التصنيف القانوني للأرض التي سيطرت عليها قوات الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 كأرض محتلة.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وإذ يؤكد ويكرر إدانته لنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة وجرائم القتل والاصابة بدم بارد من قبل الاحتلال الاسرائيلي ضد المتظاهرين المدنيين المطالبين بحق العودة والرافضين لنقل  السفارة الامريكية،  فإنه يثمن ويدعم الخطوات الفلسطينية الرسمية ويطالب المجتمع الدولي بدعمها.

يؤكد المركز أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية الحالية وسلطات الاحتلال الاسرائيلي يقوض ليس فقط منظومة حقوق الإنسان الدولية، بل القانون الدولي ككل ويرتب سوابق خطيرة على المستوى الدولي، تشجع على التنكر لأحكام القانون الدولي وتنذر بفوضى لا تحمد عقباها.  ولذا يطالب المركز الاتحاد الأوروبي باتخاذ مواقف حازمة لإدانة الخروج على القانون الدولي واتخاذ خطوات واضحة لوقفه.

يؤكد المركز على أن فتح تحقيق في الجرائم الاسرائيلية من قبل المحكمة الجنائية الدولية سيساعد بشكل مباشر في وقف انتهاكات القانون الدولي في الأرض المحتلة بما فيها جرائم القتل بدم بارد وجريمة الاستيطان.  ولذا يطالب المركز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمباشرة التحقيق فورا.

يشدد المركز على اعتبار السفارة الأمريكية في الأرض المحتلة بؤرة استيطانية جديدة في القدس المحتلة، ويجب التعامل معها من قبل العالم وفق هذا المنطق، ووفق قرار مجلس الأمن 2334 والذي أدان الاستيطان وأكد على الزام الدول بالتفرقة في التعامل بين  الوجود الاسرائيلي في الأرض المحتلة وغيرها من الأراضي.  ولذا يطالب المركز المجتمع الدولي بأخذ مواقف واضحة من إنشاء الولايات المتحدة لبؤرة استيطانية في القدس المحتلة.

يؤكد المركز أن الحماية الدولية حق للشعب الفلسطيني في ضوء الجرائم الاسرائيلية التي ترتكب دون رادع في الأرض المحتلة، ويدعو العالم، سيما الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل توفير هذه  الحماية بشكل عاجل، لوقف نزيف الدم الفلسطيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *